ما وراء الخبر

مقال ترويجي لحمد الخليفة في “واشنطن تايمز”: كيف يتقطر الإرتزاق من سيل الأكاذيب؟

البحرين اليوم – (متابعات)

نشرت صحيفة “واشنطن تايمز” مقالا ترويجيا للنظام الخليفي كتبه مسؤول في إحدى الشركات التجارية، ومعروف بولائه للحاكم السعوديين والخليفيين، ودعا فيه الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، إلى توثيق علاقته بالنظام حاكمه الخليفي حمد عيسى، وأن يدعوه لزيارة البيت الأبيض، ويبادر بعد تنصيبه رئيسا بزيارة البحرين.

في المقال الذي نُشر بتاريخ ١١ ديسمبر ٢٠١٦م، يقدم روب سبحاني رئيس مجلس إدارة شركة “قزوين” القابضة، شكلا من أشكال العلاقات العامة التي يمولها الخليفيون في الولايات المتحدة، في ظل “المزاج الخليفي المضطرب، التحقايا باضطراب السعوديين في المنطقة”. وفي عبارة موغلة في الدعائية “الفجة” يقول سبحاني بأن دونالد “لن يجد زعيما أكثر موثوقية وجديرا بالثقة من الملك حمد عيسى الخليفة”، واصفا إياه بـ”الزعيم الإصلاحي” في البحرين.

 

كاتب المقال زار البحرين.. ودافع عن آل سعود

يستعمل سبحاني – الحامل للجنسية الأمريكية – موقعه السابق أستاذا للعلوم السياسية في جامعة جورج تاون، للظهور في وسائل الإعلام، وللتستر على موقعه “المحرك” باعتباره مسؤولا في شركة “قزوين” المتعددة الجنسيات المتخصصة في مجال الطاقة، ومشاريع البنية التحتية، وهي الموضوعات “الحية” التي حاول سبحاني تحريكها في دعوته ترامب لتوثيق العلاقة مع حمد عيسى اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، الأمر الذي يرجح ما ذكرته بعض المصادر بأنه حصل على “وعود” من آل خليفة بدعم شركته واستثماراتها في البحرين، علما بأنه زار البحرين والتقى المسؤولين الخليفيين، وبينهم وزير النفط. كما أن أصوله الإيرانية شكلت “ميزة” لأن يكون أداة لتوزيع دعاية الخليفيين والسعوديين بشأن الخطر الإيراني وجدارة آل خليفة في أن يكونوا “الرافعة الأمريكية في الخليج” في وجه “التهديدات الإيرانية المزعومة”، بحسب ما يقول أحد الناشطين ل(البحرين اليوم) مشيرا إلى عدم الاستغراب من صدور هذا المقال عن مؤلف كتاب دافع فيه عن آل سعود، وكال المدائح للملك السعودي السابق عبدالله.

يتطرق المقال للمزايا “الفريدة الثقافية والاقتصادية والجيوسياسية التي تستحق اهتمام الإدارة القادمة فورا”، وذهب إلى حدود “مفضوحة” من الابتذال الدعائي للخليفيين الذين يواجهون إدانات دولية غير منقطعة بسبب انتهاكاتهم لحقوق الإنسان واستهداف المواطنين الأصليين، حيث قال سبحاني إن على ترامب “وفريق سياسته الخارجية” أن يعمل “بشكل لا لبس فيه، وبإخلاص” لاحتضان البحرين وملكها”.

اللافت أن المقال الدعائي استند على جملة من الأكاذيب في تأسيس العلاقات المرجوة بين النظامين الأمريكي والخليفي، حيث ادعى بأن هناك قيما مشتركة “من الحرية الدينية” تجمع بينهما. ولكن، كيف دلّل سبحاني على هذه الأكذوبة التي تؤكد انخراطه في مشروع النظام الترويجي؟

يقول المقال بأن البحرين هي موطن “لجالية يهودية نابضة بالحياة”، مشيرا إلى أن حمد عيسى قام ب”خطوة تاريخية” في العام ٢٠٠٨م عندما اختار “عضوة في الجالية اليهودية في البحرين لتُصبح أول سفيرة لواشنطن في العالم الإسلامي”، كما تفوه بالدعايات الرسمية حول التسامح الديني الذي يمير العلاقة بين البحرانيين و”المسيحيين واليهود والبهائيين والهندوس”.

وكان من الطبيعي أن يتحاشى كاتب المقال ملف الاضطهاد الممنهج الذي يعانيه السكان الشيعة الأصليون في البحرين، والذين يمثلون الغالبية، حيث يذكر ناشط بحراني تعليقا على المقال بأنه “لم يتطرق إلى التعديات والاعتداءات المبرمجة التي قام بها الخليفيون والسعوديون – منذ العام ٢٠١١م على الأقل – ضد عقائد المواطنين الشيعة وشعائرهم، بما في ذلك هدم مساجدهم ومنعهم من إقامة الصلوات، إضافة إلى اعتقال علمائهم وتعذيبهم في السجون، جنبا إلى جنب احتضان التكفيريين والسماح للمطبوعات التي تكفر الشيعة بالطبع والتوزيع داخل الأجهزة العسكرية والأمنية، وبرعاية مباشرة من خليفيين يعلنون صراحة عن شتائم غير مسبوقة ضد الشيعة وعقائدهم، والتهديد بالهجوم عليهم وعلى مساجدهم ومآتمهم”.

وإتماما للعقل الترويجي المكشوف، يتحدث المقال عن “محاولة النظام الإيراني لتقويض استقرار البحرين من خلال تسليط الضوء على الانقسام بين السنة والشيعة”. ولا يكتفي المقال المدفوع الثمن بغض الطرف عن دور الخليفيين المباشر في تأجيج الفتن المذهبية على مدى السنوات، ولكنه أيضا يسطر ما يصفه ناشطون بواحدة من “أسخف الأكاذيب” حينما يدافع عن حمد عيسى ويقول بأنه “ارتفع فوق الطائفيات، من خلال تأكيده على الواحدانية بين جميع الأديان”!

 

النفط: الإغراء المكشوف

يقر كاتب المقال بأن الهدف الأساسي للتقارب مع آل خليفة هو ضمان “عدم انقطاع تدفق النفط والغاز من منطق الخليج إلى الأسواق الدولية”، وخاصة “عبر الممر المائي في البحرين (الذي) يلعب دورا حاسما في أمن الطاقة الغربي” بحسب المقال الذي لا يجد بدا من تكرار “معزوفة” آل خليفة ضد إيران لإكمال مشهد الدعاية والتضليل، وذلك بالحديث عن التهديدات المزعومة التي ينسبها إلى المرشد الإيراني السيد علي الخامنئي بإغلاق “الخليج الفارسي” – وهو التعبير المستعمل في المقال – في مقابل إظهار حمد باعتباره “البطل الموثوق في الحفاظ على على هذه الممرات المائية الإستراتيجية مفتوحةً”!

وخلافا للوقائع التي تثبت علاقة الخليفيين بالإرهاب التكفيري، يتحدث المقال عن “دور استثنائي” لحمد في مواجهة الإرهاب، ويقول في عبارة مليئة بالابتذال غير المحترف بأن ترامب “سيلتقي العديد من زعماء العالم على مدى السنوات الأربع القادمة، ولكن أيا منهم لن يكون أكثر صدقا في الشراكة مع واشنطن مثل الملك حمد”! مستندا في ذلك على سماح الأخير لواشنطن لاستعمال القواعد الأمريكية في البحرين في الدفاع عن مصالح أمريكا في المنطقة.

 

دعوة حمد إلى البيت الأبيض

يستعجل المقال في الكشف عن الرسالة التي يريد الخليفيون إيصالها إلى ترامب، ويقول بأن الخطوة الفورية التي يتوجب على “فريق السياسة الخارجية لترامب أن يبذلها هو دعوة الملك حمد إلى البيت الأبيض والاجتماع مع ترامب”! علما بأن زيارة من هذا النوع لم تجر منذ أكثر من ٦ سنوات، في ظل ما ذكرته تقارير صحافية عن “رفض أمريكي” لهذه الزيارة بسبب خضوع آل خليفة للسياسة السعودية المتوترة مع واشنطن، ولجوء الخليفيين إلى استعمال وسائل “سعودية” في العلاقة مع أمريكا، بما في ذلك اتهام واشنطن بالوقوف وراء الاحتجاجات السياسية ودعم المعارضين في الداخل، وصولا إلى طرد مسؤول أمريكي في الخارجية الأمريكية من البلاد بعد لقائه بشخصيات من المعارضة البحرانية في المنامة.

ما وراء هذا المقال الترويجي هو أن آل خليفة – وبدفع من آل سعود – يسعون لأن يمدوا اليد سريعا إلى ترامب – المعروف بتصريحاته العلنية ضد حكام الخليج، وآل سعود خاصة، لارتباطهم بالإرهاب – ويفضل القائمون على هذه المحاولة أن يكون النظام الخليفي الواجهة – كما هي عادة السعوديين – في فتح علاقة “ودية” بين الخليج وإدارة ترامب، مع استغلال واضح لاتفاق الطرفين على استعداء إيران من جهة، والانفتاح المتزايد على إسرائيل من جهة أخرى.

حقيقة الواقع الاستبدادي للنظام الخليفي لم يكن من الممكن إنكارها، وخاصة مع مقال يُنشر في الولايات المتحدة، ولكن سبحاني اضطر فقط لكتابة سطر واحد للإشارة إلى هذا الواقع، حيث تحدث عن ضروة “التأكيد للملك بوجوب احترام حقوق الصحافيين والشخصيات المعارضة”، ولكن هذه العبارة كان يراد منها تمرير “المحتوى الترويجي” الأهم للمقال، مع الدعوة المتكررة لترامب لزيارة البحرين، ولقاء حمد والأهم من ذلك إقامة مشاريع استثمارية في البلاد، وفي مجالات تخصص فيها شركة سبحاني على وجه الخصوص.

لا يخفى أن الخليفيين يجدون أن هناك احتمالات قائمة بنقل الأسطول الأمريكي الخامس من مقره في البحرين إلى مكان آخر. وهذا لا يراه آل خليفة “مطمئنا” رغم ارتباطهم الوثيق مع البريطانيين ووجود تعهدات بريطانية بحمايتهم والدفاع عنهم. إلا أن هناك مخاوف جدية من أي تأثير “سياسي” على الوضع الداخلي، في حال أخذ ترامب السياسة الأمريكية تجاه النظام الخليفي، ومن ورائه السعودي، باتجاه التصعيد. ولذلك لم يكن غريبا أن يختار الخليفيون فندقا مملوكا لترامب لإقامة حفل بتنظيم السفارة الخليفية في واشنطن وبمبلغ ١٠٠ ألف دولار. هذه إشارة تفيد أن كاتب مقال “الواشنطن تايمز” كان قريبا من الكراسي الأمامية في حفل السفارة الخليفية، وتلقى ما هو “مجز” مقابل نقل الرسائل الخليفية وبـ”وضوح يتقطر بالارتزاق”!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى