مقالاتنادر المتروك

إلى العاجز الناعم: “أنا من النمر والغسرة”

 

البحرين اليوم (خاص)

     أراد البحرانيون أن يستقبلوا عاما جديدا بطريقتهم الخاصة، وبمشاهد تلمع من ١٤ فبراير ٢٠١١م. هذا التفكيرُ الساطعُ مثل الأسطورة؛ يعجز عنه أولئك الذين يكتبون مستعملين عقولهم الملتحمة بالكراسي المعطَّرة. هل تتذكر، أيّها العاجز، كيف كنتَ تقول بأن هذه الثورة سوف تذهب في عبثٍ دائريّ بعد عامٍ واحد من انطلاقتها؟ كنتَ تريد منهم، ومنّا، أن نأخذ كلامَك وكأنه مانفيستو الثورة، وبيانها الناجي. وحين وضعتك الثورة، بهروبك منها، في النسيان، بدأت تقوم بهوايتك المعتادة في معالجة الفشل. لا أريدُ منك أن تقفَ الآن أمام هذه المشاهد، ولن أذكر لك اسم “سترة” الذي لا يناسب نظرياتك في الخروج من الأنفاق. أعرفُ أن عينيك لا تجيد اليوم قراءة الأشياء التي لا تتكسّر عليها الأضواء. لقد اعتدتَ على اقتناءِ أفكارك من كتبك، ومن عقلك التقنيّ الذي يمدُّك، وقت الشّدة، بأحجام كبيرة من التبريرات. لن أكذبَ عليك، كما فعلتُ سابقا، وسأقول لك الآن أنني أجد جزءا من دماغي ينساقُ، خلسةً، إلى التبريرات الراقصةِ التي تسوقها تارةً بانشغالكَ في المكتب الأكاديمي، وتارة بانكبابك في نسج تاريخك الكتابيّ الذي يُذكّرني في لحظة تكرير الأفكار بسيلٍ من المفكّرين الذين اختاروا في نهايةِ المطاف أن يكونوا جوقة من الدّجالين الجنتلمان.

    لا يتغيّر التاريخُ من المنابر الناريةِ وغير النارية، ولا من طاولةِ المنظمات والندوات والمحاضرات الدائرية، ولا المستطيلة، ولا من جلسةِ القرفصاء الهادئة التي يغزوها الشاي والحلويات الشعبيّة والموديرن، وحتماً ليس من الكتبِ الناعمة التي ينشغلُ أصحابها، شهوراً، في إعداد طباعتها الفاخرة ورسْم أغلفتها الجميلة. إن الأشياءَ التي لا تنعكس عليها الأضواءُ هي التي تغيّر كلَّ الأشياء. ليست هذه حكمة، ولا حصيلة عُمر من التجارب. ولكنها شيء من المغامرة التي لا تراجع عنها. هل رأيتَ عينَ الشيخ نمر النمر؟ هل لمستَ الظلّ الذي يتحرّك اليوم من ذكراه، ومن سلسبيلِ عمامته؟ ماذا يعني لك شابّ مثل رضا الغسرة؟ أيّ حضورٍ تافه هذا الذي ينازعُ حضورَ الغسرة، كاسرِ السجون؟ أعرفُ أنك سترميني الآن بتلك النظرة الواجِمة، المليئةِ بالاشمئزاز. ولكنّي أريدُ منك، لأجلك فقط، أن تمدّ عينيك بعيداً عن هذا الورق اللامع.. بعيداً عن الجلدِ الناعم الذي حوّل أحشاءك إلى إسفنجيلتهمُ الأدخنة الملوثة، ويملأ عينيك وعقلك برمادها الثقيل.

هل ستجروء على أن تردّ عليّ بقولك: “وماذا بعد؟ ما النتيجة؟“. لن أكرّر معك إجاباتي القاسية، ولن أمنحك فرصة أخرى لكي تسخر من كلامي الذي تصفه بالحالمِ والغارق في الثورجيّات الخشبيّة. هذه المرة أنا لستُ في موضع الافتخار بأسمائي الجميلة: النمر والغسرة. لو كنتُ وسط النيران، ومتحرّراً من غربتي غير القسريّة؛ لكنتُ أعدتُ عليك ما كنتُ أقوله وأنا قرب الفوّهة. أفضّلُ الآن أن أختبرَ احتمالَ أن تكون هنالك مسامات حيّة في دماغك الديجتال. ذات مرّة، كسرَ إداورد سعيد هدوءَ المجادلة وقال بأنه يشعر بكمٍّ لا حدود له من الغثيان حين يكون محشوراً في الاختيارِ بين إرادةِ الشعوب وإرادةِ التاريخ الرسمي. أيّ معنى فارغ لهذه المجادلة حين لا يكون هناك اختيار عاجل، ومن غير تفكيرٍ في المكاسب أو الخسائر! التاريخ ليس وعاءً للأسماء، ولكنه الزمن الذي يُخبرنا ببقية أبعاد الوجود. هذا التاريخ لن تراه إلا من هدير النمر، ومن الأقدام السحرية للغسرة. وأنت حرّ! 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى