ما وراء الخبر

عملية الهروب الكبير من سجن جو: الحدث الفاصل في السنة الجديدة

البحرين اليوم – متابعات
الأول من يناير 2017م. تتوجه أنظار الجميع، المواطنين وقوات النظام، باتجاه سترة. المنطقة التي فتحت منازلها ذلك اليوم لاستقبال المشاركين في فعالية “قادمون يا سترة”؛ كانت تستر العيون عن أبواب أخرى يجري كسرها في مكان غير متوقع. حدث آخر يقع في سجن جو المركزي، الجنوب من البلاد، كان هو الحدث (الفاصل) بين عام مضى والعام الجديد. عملية هروب ينفذها سجناء سياسيون، تبدو حتى الآن “ناجحة” بكل المقاييس.

لا توجد، حتى الساعة، رواية نهائية لما حصل ذلك اليوم. الكلمة الحاسمة ستكون على لسان أبطال العملية الذين (نجحوا) في الهروب من السجن الأكبر في البلاد. وعدا عن ذلك، فإن كل الأمور ستظل في موج من التحليلات وتغطية الهزيمة.

السلوك الرسمي حول العملية يؤكد أنها تمت بنجاح كبير، وببطولة خاصة من المعتقل/ الأسطورة رضا الغسرة الذي أصبح “أخطر إرهابي في تاريخ البحرين”، كما يقول الإعلام الخليفي. خلال أيام، اجتاحت القوات الخليفية شوارع البحرين، وانتشرت نقاط التفتيش، وفرق المداهمات، وأصبحت السواحل ملأى بالأجهزة المختلفة المدعومة بالطيران الحربي.

الجامعة العربية ولقطياتها سارعوا لإدانة ما وصفوه بالعملية “الإرهابية” في سجن جو. وبدأت الماكينة الدعائية تعيد بث “الفيلم” المعروف عن إيران والمؤامرة المستمرة ضد البحرين.

داخل البحرين، لم يتوقف الناس عن تداول اسم “رضا الغسرة”. الموالون فوجئوا بهذا الاسم الذي غزا حياتهم، وكيف أصبح بطلا خارقا، وبسببه أُغلقت الشوارع واستنفر الخليفيون كل ضجيجهم وعساكرهم وآلياتهم بحثا عنه وعن رفاقه الأبطال.

شعر الموالون بأن هناك حدثا قلب أوضاعهم “الطبيعية”. أو أزاح عنهم الغطاء عن حقيقة ما يجري في البلاد. بعضهم “ناشد” الغسرة لكي يُسلم نفسه لتعود الأوضاع إلى طبيعتها في الشوارع العامة ويزول عنها الزحام الخانق. آخرون عبروا عن خيبة أملهم من نظامهم الذي باع عليهم أطنانا من الوهم والكذب، ولسنوات طويلة. كانوا غارقين في أحلام فارغة عن إحباط المؤمرات، وعن الخطط الأمنية الحازمة، ولكنهم وجدوا أنفسهم مهزومين، تائهين، من سجناء مقيدين بالأصفاد وبالأسوار العالية وبكاميرات المراقبة.

اجتمعت الحكومة الخليفية على عجل، وتدارست هذه “الحادثة التاريخية”، وأعلنت وزارة الداخلية الخليفية عن إحالة 3 من قياداتها للتحقيق، وبينهم المدير العام لإدارة السجون، ومدير سجن جو. إلا أن السلوك الخليفي لم يصل بعد إلى “منتهى” العدوانية في مواجهة ما وصفته قوى ثورية بحرانية ب”العملية النوعية الكبرى”، في الوقت الذي وجدت فيه أوساط قريبة من الأجهزة الخليفية الفرصة لإلقاء اللائمة على الضباط البريطانيين الذين دخلوا على خط قيادة “العمليات” بعد عملية الهروب.

في المقابل، لم يخف عموم المواطنين الفرح الكبير بإنجاز عملية الهروب. جاءت العملية في يوم فاصل، وحاسم، وأعطت عنوانا “مبشرا” للعام الجديد الذي يتهالك فيه آل سعود وآل خليفة. لم يضع الناس في الحسبان والاعتبار لكل الروايات والاحتمالات المضغوطة التي كان يريد أصحابها أن يزرعوا الشك في أصل الحادثة، والتأكيد على استحالة أن يقوم بها شبان مقيدون بالسلاسل والأشلاك. ولم تتوقف المقالات “مجهولة المصدر” التي تتحدث عن تحصينات السجن واستحالة أن تتحرك “الذبابة” خارج حدوده. وقام البعض برسم خارطة متخيلة للسجن، وكيف أن كل المعطيات تنفي إمكان حصول الحادثة على أيدي السجناء الأبطال. وتوالت في هذا السياق أحاديث تشبه التحليلات المرقطة التي تهتم بتوجيه الأحداث، حصرا، ناحية الزعم بأن المؤيدين والمستبشرين بالعملية “بلعوا الطعم” الذي دسّه الخليفيون، مسنودا ذلك بكم من الظنون والفنون المفبركة التي تجعل من آل خليفة “سادة” الأمر والساحة، وأن كل الأمور، صغيرها وكبيرها، تجري بحسب مخططاتهم ومؤامراتهم، وأن الحوادث التي تظهر منها بطولة من الشباب والقوى الممانعة؛  إنما هي “افتعال” أو استدراج مقصود من النظام للتغطية على حوادث أخرى يرى النظام نفسه متورطا أو محاصرا بها. ويُساق في هذا الخصوص، مثلا، جريمة مقتل الإعلامية إيمان صالحي على يد عسكري خليفي، وكذلك فضيحة السماح بزيارة وفد إسرائيلي للبحرين ورقصه علنا بأناشيد صهيونية متطرفة وسط العاصمة. كما لا ينسى أصحاب هذا التوجيه “المرقط” تشبيك عملية الهروب بسياق “الفبركات” الحكومية المتوقعة بقصد الإعداد لهجوم وشيك آخر على بلدة الدراز المحاصرة أو التمهيد لإصدار حكم قاس على الشيخ عيسى قاسم ومحاولة اعتقاله.

بعيدا عن هذه المشاهد؛  فإن الصورة الماثلة لما حصل في الأول من يناير تقول بأن شبانا قهروا أعتى سجن في المنطقة، ومرغوا أنف الخليفيين ومرتزقتهم في التراب، واستطاعوا أن يصنعوا قصة خالدة من قصص التحدي والمقاومة والنصر داخل السجن، وهزموا بهروبهم من السجن أسطولا من الأجهزة الخليفية والبريطانية وتقنيات هائلة من المراقبة والارتزاق والتعذيب.

لم يكن في هذه القصة ما ينفي أن تكون واقعية، وبجهد من أبطالها المعروفين، وأبرزهم رضا الغسرة الذي لم يكن جديدا في هذا النزال، واستطاع ولمرات ثلاث تنفيذ هروب ناجح أو يكاد من السجن، وخلال 3 سنوات فقط. الغسرة، البالغ من العمر 29 عاما، لم يكن يفكر بثقل أحكامه التي بلغت 186 سنة. بل كان ثورة داخل السجن، وبصيغ وقواعد ليس كسر القيود إلا واحدا منها.

الاختناق المروري الأكبر الذي تشهده البحرين على مدى أيام متتالية؛  ليس “فبركة” من النظام لمنح هذا الشاب ورفاقه الأبطال وساما ليسوا بحاجته أصلا. كما أن مسارعة النظام لاتهام إيران بالوقوف وراء عملية الهروب؛ ليس تكرارا للأسطوانة المشروخة المعتادة، بل هي محاولة لإخفاء الانكسار الكبير الذي وقع في منظومة النظام النفسية والأمنية بعد أن فعلها الغسرة للمرة الرابعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى