ما وراء الخبر

رحيل الشيخ رفسنجاني: خسارة غير كاسرة لإيران..  والتعازي الخليجية لن تفك عقد الخلافات

البحرين اليوم – متابعات
برحيل الشيخ هاشمي رفسنجاني (  1934- 3017م) تدخل إيران مرحلة أخرى من مراحل غياب القيادات التاريخية للثورة الإسلامية. لن يتغير الكثير في خارطة القرار السياسي في “الجمهورية الإسلامية” التي تبدو واحدةً من أكثر دول المنطقة رسوخا في بنيتها الحاكمة، بفضل ترسُّخ النمط الديمقراطي الخاص بها، الذي يقوم على تراتبية متوازية من جهة، وضابطة من جهة أخرى، وفيها يحتل موقع المرشد الأعلى الحاكمية العليا في البلاد، فيما تمارس المؤسسات الأخرى دور المراقبة والتقييم لدور المرشد، وبينها مؤسسة تشخيص مصلحة النظام، التي كان يرأسها الشيخ رفسنجاني.

الموقع الخاص الذي مثله الراحل، ولاسيما في السنوات الأخيرة؛ لن يظل شاغراً بالتأكيد، بما في ذلك موقعه المعروف في السياسة الخارجية، حيث كان يُنظر إلى الشيخ رفسنجاني باعتباره ممثلا لتيار “الاعتدال” و”المرونة” في السياسات والعلاقات الإقليمية، وخاصة مع السعودية.

في هذا السياق، سيكون من المبالغ فيه ما ذهب إليه محللون خليجيون بشأن تقطُّع السُّبل في ترسيم العلاقات الإيرانية السعودية بعد رحيل رفسنجاني. فأقصى الأزمات التي شهدتها العلاقات بين طهران والرياض كانت في السنوات الأخيرة من حياة الراحل، وبلغت شدتها في العامين ٢٠١٥م و٢٠١٦، بعد العدوان السعودي على اليمن وإعدام آل سعود للشيخ نمر النمر وما أعقب ذلك من احتجاجات شعبية ورسمية في إيران، انتهت بقطع السعودية لعلاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع إيران.

وخلال العام الماضي، استمر التوتر يهيمن على العلاقات بين البلدين، واتجه النظام السعودي إلى تصعيد غير مسبوق ضد إيران من خلال التبني السعودي لبؤر التوتر داخل إيران، حيث فتح السعوديون الحرب الإعلامية من خلال ملف الأحواز، كما احتضنوا المعارضة الإيرانية المتشددة، كما ظهر مع مشاركة تركي الفيصل في وقت سابق من العام الماضي في مؤتمر لمنظمة “مجاهدي خلق” في العاصمة الفرنسية باريس، وإعلان الفيصل تأييده لأهداف هذه المنظمة، بما في ذلك إسقاط النظام الإسلامي في إيران.

حصل كل ذلك في ظل وجود الشيخ رفسنجاني الذي حافظ على موقعه الدبلوماسي الطبيعي في التهدئة العامة حيال السعودية، ولكنه لم يكن في وارد “الخروج على النص”، ولم يضطر لتقديم مواقف تنم عن مراعاة في غير محلها لآل سعود. وعلى هذا النحو، انتقد إعدام الشيخ النمر، كما كان له موقف واضح في استنكار الحرب على اليمن.
لا شك أن غياب الشيخ الرفسنجاني يمثل خسارة لإيران، ولكن من المستبعد أن يكون لهذا الغياب أثره في “انسداد أفق العلاقات الخارجية”، أو “تغليظ الاحتمالات السيئة” بشأن علاقة إيران مع أنظمة دول الخليج. والسبب البسيط، وهو أنه لم يكن هناك – أصلا – أي أفق لتلك العلاقات قبل رحيله، كما أن الاحتمالات ظلت على مدى السنوات الماضية تراوح مناطق “السيء” و”الأسوأ”.

ولكن، لا يمنع ذلك أن يكون “النظام الخليجي” في وارد الشعور العميق بالخسارة، أو الشعور بالمزيد من قلة الحيلة وانقطاع السبل بعد رحيل الشيخ رفسنجاني. فلا تُخفي الأوساط الخليجية أن للراحل دورا ممكنا في توفير “بيئة ما” أو “فرصة معينة” للخروج من وادي “الحرب الباردة” التي تدور رحاها على أكثر من صعيد، لاسيما بعد أن خلع آل سعود عباءتهم القديمة وبدأوا اللعب بالمكشوف. من هذه الزاوية يمكن تفسير التعازي التي صدرت عن مشيخيات الخليج، وبينها النظام الخليفي الذي عزى إيران، كما سجل وزير الخارجية الخليفي، خالد أحمد، تدوينة على حسابه في تويتر عزى فيها برحيل الشيخ رفسنجاني، وأصر الوزير الخليفي على الدفاع عن هذا الموقف “الدبلوماسي” في وجه الانتقادات التي وجهها موالون متطرفون وشخصيات طائفية، من صنيعة النظام نفسه.

تتحدث بعض المصادر الخليجية عن مساع كويتية رسمية لاستغلال حدث الرحيل من أجل “ترطيب الأجواء” بين إيران والسعودية، وهو محتوى رسالة أبلغتها الكويت، بحسب هذه المصادر، لإيران في طيات رسالة التعزية التي بعثها أمير الكويت. لكن ذلك لن يكفي، كما يقول مراقبون، في إحداث النقلة الكبيرة في مسار العلاقات الإيرانية السعودية/ الخليفية. فلا زال كشف الحسابات مفتوحا، وملفات الخلاف أعقد من ضفائر الخلافات التي يمكن أن تُرخيها التعازي الدبلوماسية العابرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى