ما وراء الخبر

الشهيدان رضا بوحميد ورضا الغسرة: من الزحف إلى ميدان الشهداء.. إلى اليد القابضة على الزناد

 

 

 

البحرين اليوم – (متابعات)

 

في هذا اليوم، ١٨ فبراير، من العام ٢٠١١م، انطبعَ في وجدان البحرانيين اسمُ عبد الرضا بوحميد. وفي ٧ فبراير، من العام ٢٠١٧م، توهّج في وجدانهم اسمُ رضا الغسرة. ليست المسألة هنا تلاعبا في الأسماء، أو محاولة خطابية لتحريك المشاعر بين مناسبتين تظلّلان اليوم سماءَ البحرانيين وهم يخوضون تذكاريْن متداخليْن: تذكار ثورة ١٤ فبراير ويومياتها المتتابعة وكأنها سجْل محفوظ منذ الصّغر، والتذكار الطريّ لنهاية الأسطورة رضا الغسرة. هناك ما هو أبعد من مجرّد تداخُلٍ في الأسماء والمناسبات والأحداث. المؤكد أيضا أنّ هناك شيئاً يُشبه التلاقي غير المحسوس بين تلك الإحداثيّات “الجريئة” التي تُوجّه الثورة غير التقليدية في البحرين، وهي تقطع مرحلةً تلو الأخرى، وتخوض أكثر من تحدّ ومنزلق، من غير أن تُصاب باليأس أو تقع فريسةً للنهايات القاتلة.

 

وَصفَ البحرانيون رضا بوحميد بـ”فاتح الميدان”. هو بات يرتبط، مباشرةً، بأهم حدث غيّر مجرى الأمور في بدايات ثورة البحرين، وهو العودة مجدّدا إلى موقع الاعتصام، ميدان الشهداء (دوار اللؤلؤة). لم يكن الفتْح الذي قاده الشّبان عاديّا. كانت الدّبابات الخليفية على بُعد أمتار منهم وهم يتقدّمون باتجاه الميدان. خروجوا وهم في فوْرةٍ من الغضب بعد الخميس الدّامي، وبعد غدْر آل خليفة الذي تسلّح به حمد عيسى وهو يظهر عشية الجريمة متبخترا بنياشين بذلته العسكرية. في تلك الأجواء، كانت السياسة المتسرِّبة بين الجموع تقول: “لا.. يكفي دماء! انتظروا لحين يجفّ الدّمَ أولا، ليبدأ بعدها فتْحُ الباب من جديدٍ للقاء المسؤولين”. لكن الخميس الدّامي أنهى، جملةً وتفصيلاً، هذا الكلامَ، وبات الموقف كلّه شعارَ: “الشعب يريد إسقاط النظام”.

عُبّدَ هذا الخيار بأسلوب مواجهة الدّبابة، واستضْعافِ كلّ تهديدات الخليفيين والاستخفاف بها. كانت تلك الخطوة الأولى في طريق تجسير العلاقة بين خيارات العمل الثوري المتعددة، وعدم الانغراس في مفهومات “السلمية” التي بدت آنذاك مشوَّشة، وتعلوها تفسيراتُ حقبة ما قبل ١٤ فبراير، يوم كان السّياسيون يضعون قدماً عند أبواب الخليفيين، وقدما أخرى وسط الناس. ما فعله رضا بوحميد هو أنه غَرَسَ مفهومَ المقاومة المدنية في صُلب نصّ السلمية التي دُشّنت بها الثورة. وهو أمر، كما نرى اليوم، لولاه لما تهيّأ الطريقُ لبقية المفهومات الثورية المتتالية، بدءاً من “الدفاع المقدس”، ومرورا بـ”اسحقوه”، و”السلمية القرآنية”، وأخيرا مفهوم “قبضة على الزناد” التي جسّدها نموذجُ الشهيد رضا الغسرة. لقد غرسَ الشهيد رضا بوحميد البذرةَ التي اكتملت في سيرة الشهيد الغسرة، وآتت أكلها.

 

بسبب الزحف الذي قاده الشّهيدُ رضا بوحميد وآخرون، وبينهم المعتقل المناضل علي صنقور والجريح محمد السّاري؛ أصبح “الزّحف” مقولةً لها طعم التحرُّر. سَحْقُ آل سعود وآل خليفة لدوار اللؤلؤة، كان الهدف منه سحْق هذه المعاني التي غرسها الشهيد رضا ورفاقه. ظن الغزاة وأتباعهم بأن كمّاً كبيرا من التدمير والاجتثاث كفيلٌ بمحو ما حصل في ١٨ فبراير ٢٠١١م. لم يُخفِ وزيرُ خارجية آل خليفة هذا التوجُّع حين برّر هدّم الدوّار، وقال إن هناك “ذكرى أليمة” كان يُراد إزالتها من أذهان الأجيال ووجدانها. لكن الغزاة لا يعرفون، وحتى السّاعة، أنّ الدّماء حينما تغرسُ الطريقَ؛ فإنها تغرسُ معها كلّ شيء، وتحوّله إلى تلافيف الذاكرة، ليكون جزءا من بنائها، واستمرار طاقتها. لهذا السّبب، على وجه الخصوص، فشلَ ولي عهد آل خليفة، سلمان حمد، في مهمة الثعالب التي أُنيطت به آنذاك، ولم ينجح في إخماد الثورة، وثنْي عزيمة قادتها، واضطرّ لأن يرتبك أكثر من مرة، ويرتكب أخطاءا وتناقضات للالتفاف وتلميع الصورة، إلى أن انفضح المستورُ، ووقعت الجريمةُ الكبرى، وتلتها أخرى، وعاد سلمان إلى مقعده الخلفي مخليا الطريقَ أمام الوحوش.

يُحيي البحرانيون اليوم ذكرى فاتح الميدان، وقائد الزّاحفين نحو الدّوار. وكما أجْمعوا على الشّهيد رضا بوحميد – رغم أن الجميع لم يكن حاضرا معه في طريق الفتْح، وقد يكون البعضُ غير راضٍ عن خيار التحرُّر الثوري الذي قطع به الشهيدُ شريطَ التردُّد، والالتباس والانحباس.. فإن الغرْسَ الأخير الذي ارتضاه رضا الغسرة، في البرّ والبحر، وعلى طوْل نضاله داخل السجن وخارجه؛ كان كفيلاً بتحقيق الإجماع عليه، رويدا رويدا، وعدم إخفاء الاعتزاز بالزّناد التي قاومت حتى الرّمق الأخير.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى