المنامة

أمهات الشهداء في البحرين: سرّ الثورة.. والمعجزة التي تنمو من الوطن

C5jrS59WMAA7joR

المنامة – البحرين اليوم

طلب السيد حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، من الحاكم الخليفي حمد عيسى، أن يذهب ليستشير علماء النفس والخبراء لتفسير موقف أمهات الشهداء في البحرين، وكيف أنهن لم يسقطن على الأرض، ويخضعن له، وينثرن تحت أقدامه الولاء وطلب الغفران! ولكن، لن يكون الأمر عسيرا على حمد فقط، ولكن قليلا من الخبراء منْ سيستوعب ردود أمهات شهداء البحرين وهن يلتقين ببعض، وعليهن صور أبنائهن الشهداء، ويتبادلن التهاني والفخر والمواساة، كما ظهر في الزيارة التضامنية لأمهات الشهداء للأمهات الأخريات بعد أربعين يوما من جريمة إعدام النشطاء الثلاثة. كيف يفسّر العالم هذا المشهد غير المعهود؟

أم الشهيد “الأستاذ” عباس السميع تغوص بين الأمهات اللواتي انتقلن حديثا إلى القافلة. تُسَرُّ الأحضان بالأحضان، وترتفع الهامةُ مع الهامة، والأجواءُ كلها شموخ ساحر من غير أن تنسى أن تقدّم العزاءَ الماجد، والدمعة المحبوسة في الأحداق، ورايات المصاب. حزيناتٌ هن أم الشهداء، ولا يغيب عن عيونهن طيف أبنائهن الراحلين، وهن في الوقت نفسه صابرات مثل زينب: “ما رأيت إلا جميلا”.. وتلك هي العلامة الكاملة لأم الشهيد في البحرين: هي إنسان كامل؛ يملؤه الحزنُ لفقْد الأحباب، ويغمره العزْم على القصاص ولو طال الزمان.

أمهات الشهداء يقدْن المسيرة. يدعون لحفظ وصية الحرية والمقاومة، علناً وبلسان مبين. أمهات الشهداء يتقدّمن الرّكب وبالأكفان أيضاً، ويتحدّين الطغيان والإرهاب قبل انهمار الدّم وبعده. وبهذه الوصفة؛ هنّ السرّ الأعظم للثورة، وهنّ المعجزة التي لا يعرف حمد عيسى بأنه يفشل – دوما – في الحدّ من قوّتها كلّما وسّع الوفاض المبارك الذي يجمع المزيد والمزيدات من الأمهات والآباء.

أمام العالم مشهد عمره لا يزيد على شهرين، ومن محطات مختصرات: في يناير، تكسر أم الشهيد سامي مشيمع حصار آل خليفة في المقبرة، وتهزّ ستارة الرعب، وتعلن بأنها لم تر إلا جميلا وهي تشاهد صدر ابنها مخروما برصاصات الإعدام. أم الشهيدين عباس وعلي قلبن المعركة رأسا على عقب، وتحوّلت وصايا الشهيدين إلى ملحمة فعلية ترجّ أقدام آل خليفة حتى الآن. ثم تخرج الأمهات، بعد أربعين من ذكرى الشهداء الثلاثة؛ وليس عليهن إلا المزيد من العنفوان المصبوب ببصيرة النصر، والافتخار بالشهداء الأبطال، وبادرن هنّ إلى الأمهات الجديدات اللواتي التحقن بالركب المهيب.

في فبراير، لم يُعجِز المرضُ أم الشهيد مصطفى يوسف على أن تخرق الحاجز أيضا. أما أم الشهيد رضا الغسرة ففعلت ما هو مجموعُ كلِّ شقائق الصبر والتحدي والمقاومة التي سرت في حكايات ابنها الشهيد المقاوم. وكذلك فعلت أم الشهيد محمود يحيى التي قالت بأن الثورة وقودُها الشهداء.

قبل أن يُختتم هذا الشهر.. زادت الستّ واحدةٌ. أم الشهيد عبدالله العجوز، وقبل أن يُوارى ابنها الثرى في البلدة التي فجّر أستاذها الثورة؛ أضافت إلى جُمَل أُمهات الشهداء وجمالهن جملةً أخرى وجمالا آخر. هي، وزوجها، وكل أبنائها “فداء للوطن”. وهي لذلك لم تر “إلا جميلا”. تريد أم الشهيد عبدالله أن تقول لحمد بأن هذا الوطن هو وطن الشهداء، وأهله هم هؤلاء الذين يضحون من أجله. أم هو ومرتزقته فانتماؤهم إلى الخراب والغراب.

هذه هي رسالة أمهات الشهداء.. في أول المشهد، وفي وسطه، وحتى نهايته المجللة بالأمل وانتظار الفرج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى