سجن جوالمنامة

الشهيد المقاوم فاضل العبيدي: لكَ “قبضة الثائرين”.. وقبضات أخرى من “زناد الثأر”

 

المنامة – البحرين اليوم

في شارع المقاومة في بلدة الدراز، وقفَ الشهيد فاضل العُبيدي مثل نخلةٍ أعجزت الزّمان في صبرها، علوّها. امتدّت في عروقه الشهادةُ منذ زمن طويل. خاله الشهيد رضي زين الدين.. غرسَ في جسده الخليفيون كلَّ البشاعات داخل السجن، حتى استشهد تحت التعذيب في ٣٠ أغسطس ١٩٨٢م. في الثاني من فبراير ١٩٩٠م، وُلد الشهيد فاضل. لم ير خاله، ولم يلمس الغضبَ الذي احتشد على منازل الدراز بُغضاً لقتله. لكن الحكاية عند قوافل الشهداء ليس لها علاقة بالأزمنة، أو التاريخ الطبيعي الذي تكتبه الأيام العابرة، أو تسجّلها ساعاتُ الوقت التي لا تعرفُ غير أن تتحرك بصوتٍ خافت، وبلا إيقاع من نبض الوجود. الشهداء يتصلون ببعض، وتتلاقى عقولهم بتقارب الأرواح في العروق العامرة برفْض الطغاة والتصميم على عدم الإذعان لهم والخضوع لهم، ولو قيْد شاردةٍ من الوقت.

IMG_5095

الشهيد فاضل – وكما هي سيرة الشهداء – كان مليئاً بالشجاعة والإقدام. لم تكن وجوه المرتزقةِ تزلزل ثباته الحيدري. وما كان للمدرعاتُ أن تسدَّ عينيه بإغماضة الخوف والتردّد. اختارَ الميادين، ولعبَ فيها رياضته التي أحرز فيها المراكز الأولى. لعبة “الجمباز” لم تكن قفزاً رشيقا في الهواء فحسب، ولكنها كانت بطولات في مناورةٍ فولاذية للقتلةِ، والالتفاف على آليات الموت، ثم اختيار اللّحظةَ المناسبةَ والزّوايةَ الملائمة لتسديدِ الهدف.. تلو الهدف.

IMG_5091

في الأول من مارس، العام ٢٠١٢م؛ كان القاتلُ قد بلغَ أقصى الغليان وهو يرى عجزَه أمام هذه القفزات النارية التي حوّلت عساكرَه ومدرعاته إلى “ألعوبةٍ” تافهة بين أيدي الثّوار الدّرازيين الذين عاهدوا الشهداءَ على الحفاظ على القبضةِ الثائرة، والإبقاء على عنفوانها إلى حين ميعاد “الزّناد”. في ذلك اليوم؛ كان الخميسُ مشوباً برزيّةٍ تُشبه رزايا آل الرسول. دعاءُ كميل اشتاقَ إلى الشّاب الذي جسّد حروفَه الطّهور بصحبة رجال الله الذين وجدوا الأنسَ في الثّغور لترتيل الآيات وإطلاق المناجاة. بطلقةٍ ناريّة من سلاح الـ C4 جاء ردّ مرتزقة آل خليفة. نزيفٌ داخليّ حاصرَ الرأسُ الشامخ، واضطرّ الأطباء لإجراء عمليةٍ جراحية لوقف النزيف، ولكن الشهيدُ دخلَ بعدها في غيبوبةٍ حتى فجر العاشر من مارس، موعد العروج إلى مقام الشهداء.

C6pKRzWWcAE2KWZ

لم يصدٍّق الخليفيون أنّهم نالوا من أحد أسود الثورة. لاحقوه بعد شهادته، وأرسلوا قواتهم وميليشياتهم لاقتحام منزله، مرةً بعد أخرى، بحثاً عنه. كانوا يخشون من أن تكون روحه لازالت تحضّر ليوم آخر من أيام الميادين العظيمة. ظنّوا أنهم قادرون على الإجهاز على هذه الخشية بالحكم عليه، فأصدرت – بعد استشهاده بمدّة – محكمةٌ خليفية حكما بسجنه ٣ سنين، في القضية المعروفة باسم “قبضة الثائرين”. ولكن القبضة تلك لا تزال تلُوح في كلّ ساحات الدراز. تلُوحُ وتلوِّح لرفاق الدّرب، ولإخوة الميادين، وتبشّرهم بأن القبضةَ التي انسلّ منها الثائرون؛ هي مثلُ السماءِ.. عاليةٌ، وواسعةُ الامتداد.. وفيها نجومٌ لا تحجبها الغيومُ المريضة، ولا تقوى النيازكُ العابثة على منْعها من الغوص في شواطيء اللاليء التي تلمعُ لمعانَ “الطلقةِ” التي تبتسم لفوّهة الثأر والخلاص الكبير.

C6pVXtIWsAIU7io

C6pQuQaVsAADnHx

أحيى أهل الوفاءِ يوم أمس الجمعة ذكراه التي لا تذوب. ساروا من “ساحة الفداء” رافعين صورةَ القائد، وبجنبها صور الشهداء الخالدين. العُبيدي سمعَ قبضات “أبناء القائد”، وابتسمَ للوعود التي تصْدقُ أكثر فأكثر كلّ يوم.. ومع نسيم كلّ فجر. الأقدام الثابتة أدخلت السرورَ على روحه التي اجتمع حولها أوفياءُ وهو يختمون آيات “نسيم الشهادة” عند روضته الدافئة. أخبروه بأن جيلاً جديداً وُلد في بضع سنوات، وهو جيلٌ كُتب على جبينه النصرُ المبينُ، وتثبيتُ الدّحرِ الأخير للغزاة والمحتلين وشذّاذ التّراب.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى