ما وراء الخبر

دفعات من الشهادة في عام الشهداء: فواتح ونهايات

 

البحرين اليوم – (متابعات)

 

سنة مملوءةٌ بدماء الشهداء في البحرين.

هكذا هي الخارطة التي ترسم حدودَها دماءُ الشهداء منذ شهر يناير من العام الحالي.

الناس ينتقلون من جنازة لأخرى، ومن موكب إلى آخر. اختطلت فواتحُ الشهداء بكواسرها. وقبل أن يجفّ ماءُ الورد في روضة شهيدٍ؛ يشعّ نور آخر من شهيد آخر. محمد سهوان ومنصور آل مبارك التقيا في يوم واحد، وكأن أجندة الشهداء باتت مزحومة، ولا مجال إلا الجمع بين الشهيدين. شهداءُ بالجملة، ثلاثةٌ، وبعدهم ثلاثة. وما بينهما شهيد. وحين تحلّ ذكرى الأربعين لآخر الشهداء الثلاثة – وقبل أن يخلع الأهلُ سوادَ الحداد – يحلُّ شهيد آخر جديد. والشهيد الجديد هنا، ويا للدّهشة، أناختْ روحُه في رياض الشهداء قبل ثلاثة أشهر، وقبل أن تغادر روحُه اليوم (الجمعة ٢٤ مارس ٢٠١٧) مركزَ رأسه المُصاب برصاص الغزاة الملثمين. وثلاثةُ أشهرٍ تعني مقدارَ العمر الذي يضمّ هذه الخارطة التي بدأ نسيجُها الأحمر منذ مستهلّ السّنة الجديدة. من يناير، وحتّى مارس.

 

الكلماتُ هنا لا تكتب حزناً أو رثاء. الحدث كبيرٌ على المراثي وأقلّ منه تصعيد البكاء، ومن العصي أن تتوقف الدموعُ على هذا المغتسل الممتد بالشهداء. هناك أمر آخر يُراد فهمه، والاستزادة منه. أيّ معنى لزلزل الشهداء هذا؟ وأيّ رسائل تريد الدماء الثائرة هذه أن تقول؟ شهداء هذا العام أنوارٌ من قبس خاص. هم علاماتٌ ورموز. كلّ واحد منهم كان له حضور لافت، وفعل رنّان، وسجلٌّ من الثّورة خالد. ولكلّ واحد قصّة من الألم والمعاناة والمقاومة. هو خليط من كلّ شيء، وألوانٌ من كلّ المعاجز، وسريانٌ يتوزّع على اتجاهات البلاد الرابطة بغيرها: السنابس، بني جمرة، رأس رمان، الدراز، عالي، نويدرات. فما وراء هذه الدفعة الكاملة، والنوعيّة، من الشهداء؟ وما سرّ أن يُُفتتح بهم عامٌ جديد من الثورة؟

هي فاصلة، ومفاصلة. يُراد أن يكون هذا العام مختلفاً. أن تعلو عليه بصماتٌ جديدة، تُشبه اقتلاع النتائج الحاسمة، واختتام نظام الأشياء.

تقول هذه الدّفعات بأن على كلّ الناس أن يعيشوا عامهم الجاري بأملِ جَرَيَانِ الفتح. أن يستبشروا بأنّ أبوابَ المساومة على دماء الشهداء أُغقلت، وإلى الأبد، وبقوّة دماء عشرةٍ من الدّماء المشتعلة بالثورة. اشتعلت بها، لنشتعل بها، دون خفوت أو انطفاء.

تريد هذه الحكاية أن تجزم لنا: لا شيء يمكن أن يهزم هذه الثورة: لا الإعداماتُ، ولا القتل في البحر، ولا الغدر داخل المنازل. لا ثمانون شظيّة في الرأس، ولا رصاصة حيّة في الرأس. لا مرضٌ خبيث يتخفّى سنةً بعد أخرى تحت العروق، ولا معاناةٌ مريرة داخل السجون. كلّ ذلك، واحداً واحدا، أو جملة جملة؛ غير مؤهّل أن يكون ندّاً ضدّ الثورة، أو عنصرَ الإجهاز عليها. لا آل سعود، ولا خبراء القتل البريطانيين. لا حكّام الإمارات، ولا قوائم الإرهاب الأمريكية وغير الأمريكيّة. كلّ ذلك هراء في هراء أمام شعلة الشهداء هذه.

المؤكد أن هناك أشياء أخرى وراء هذا العام المليء في أوّله بالشهداء. لا شكّ أنّ هناك أمورا كبرى تعجّ في أفواه الشهداء، ولا تسع أنظارنا أن تراها اليوم. ولكنّ انبلاج هذا العام بهذه الكبريات؛ لا يكون إلا لرسم نهايات كبرى.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى