محمد ناس

ما بعد الحكم على الشيخ عيسى قاسم.. السيناريو المغري

 

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: محمد ناس

ناشط بحراني

 

إن القرارات الإستراتيجية لمحور المقاومة لا ينبغي أن تتخذ جزافا، لأن الفشل الناجم عنها لن يتوقف عند حدود معينة، وقد يرتد سلبا على جميع محور المقاومة.
والفكرة ذاتها مع الدول، ومع ذلك يبدو أن النظام الخليفي قد جازف بقرار إسقاط الجنسية عن المرجعية الدينية في البحرين، الشيخ عيسى قاسم، وهو اليوم يتدارس مع جبهة الاستكبار إمكانية نفي الشيخ قاسم إلى خارج البحرين، وكذلك النظام السعودي قد جازف بقرار العدوان على اليمن، دون دراسة كافية للتداعيات والمآلات التي ستقود إليها نتائج تلك الحرب على سياسة بلاده.
من الواضح أن السلطة الخليفية، وغيرها من الدول الخليجية، باتت تراهن على تقارير وتحليلات القنوات العربية المعروفة بدسّ السم بالعسل، والتي هي في الأساس من صُنع هذه الأنظمة.
ولم يفقه حكّام معسكر الجبهة الأمريكية في الخليج أن هذه الفضائيات ووسائل الإعلام التابعة لها؛ باتت تقدّم المواد الإعلامية وفقا لما تُمليه عليها تلك الأنظمة، وأنها – برغم إمكاناتها الضخمة – لم تحقق أي هدف من أهدافها الإستراتيجية في المنطقة، وبالتحديد في سوريا واليمن ولبنان والعراق والبحرين.
سيُدرك النظام الخليفي عمّا قريب أنه وقع في فخ كبير، نتيجة استعباده من قبل الغرب، وحينما يحاول أن يستدرك الأمر سيجد أنه تأخر كثيراً.
لم يستوعب الخليفيون المتغيرات الحقيقية التي شهدتها المنطقة خلال الأشهر الماضية. فبعد أن خسر كلّ أوراقه التي أنفق عليها منذ انقلابه على “ميثاق الخطيئة”؛ كان عليه أن يعيد قراءة الشارع البحراني الجديد، بعيدا عن النصائح التي تقدّمها له الإدارتان الأمريكية والبريطانية، وأن ينسج خيوط التفاهم والتقارب مع القوة المعارضة السياسية الصاعدة، بدلاً من استعدائها ومحاصرتها.
ليس هناك خلاف حول حقيقة أن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط تُعادي حرية الشعوب، وبالخصوص القضية الفلسطينية، كما أنها تتمركز في في مواجهة أطراف محدّدة في المنطقة، والمتمثلة في إيران وسوريا وحزب الله، والآن البحرين واليمن. ولاشك أن العداء يبلغ من الحدة إلى درجة أن الإدارتين الأمريكية والبريطانية دخلتا في خطوط التماس الأولى والمباشرة في مواجهة ثورة ١٤ فبراير، كأحد الاحتمالات المطروحة للخروج من وضعهم الاقتصادي المتردي في الوقت الراهن بسبب فشل مشروع ولادة شرق أوسط جديد، حسب متطلبات السياسة الإسرائيلية.
فالحرب -كوسيلة من وسائل السياسة الخارجية- ليست مجرد استخدام لوسائل العنف في لحظة انسداد طرق الحلول لأزمةٍ في لحظة التعارض مع مصالح السياسة الخارجية لتلك الدول مع غيرها من الأطراف، بل هي تصرف “غاية” في العقلانية من وجهة نظر مصالح هذه الدول.
وانطلاقا من هذا المفهوم، فإنني لا أظن أن أحدا ينكر أن أمريكا وبريطانيا تقود سياستيهما مؤسساتٌ – إلى حد بعيد – لا يوجد لديهم سلمان آل سعود ولا حمد ليشن حربا انتقاما لكرامته الشخصية أو حفاظا على استمراريته في السلطة، ولهذا فإن صُنّاع القرار في كلتا الدولتين تملي عليهم “عقلانية” المصالح السياسية أن يتأكدوا  – إلى أقصى حد ممكن- من شروط نجاح هذه الحرب في تحقيق كل أهدافها، أو معظمها وأهمها.
في حال قرّر الخليفيون ترحيل الشيخ عيسى قاسم من البحرين، باعتباره المستهدف وراء هذه الحرب؛ فإنه في ظل هذه الفرضية ستكون هناك شروط غائبة ومحاذير قائمة تجعل هذا الخيار ليس هو الأفضل مقارنةً بحالة إعدام الشهيد الفقيه الشيخ نمر باقر النمر رضوان الله تعالى عليه. وكلّ ذلك في حال إذا كانت “الحرب المفروضة” يُراد منها إيجاد مخرج للأزمة في البحرين، وليس مجرد حملة تأديبية للشعب البحراني لمنع تدهور الوضع القائم!
وفِي السياق نفسه ثمّة تساؤل يُطرح: كيف لجبهة الاستكبار الخليفية أن تتجاهل  مجموعة التحذيرات الصادرة من محور المقاومة في لبنان وإيران.
عندما قال المرشد الأعلى للثورة الإسلامية السيد علي الخامنائي: “هؤلاء الجهلة لا يدركون أن إقصاء الشيخ عيسى قاسم هو بمثابة إزالة الحواجز من أمام الشباب البحراني، وحين ذلك لا يمكن لأي شيء أن يحول دون هؤلاء الشباب”.
وكان لتصريح قائد فيلق القدس قاسم سليماني أشد وقعاً على النظام الخليفي، كما أن تداعيته امتدت على طول المنطقة المشتعلة عندما قال: “لاشك أنهم يعرفون جيداً أن التعرض لحرمة آية الله الشيخ عيسى قاسم هو خط أحمر لدى الشعب، يشعل تجاوزه النار في البحرين والمنطقة بأسرها، ولن تبقي مثل هذه الممارسات خياراً للشعب إلا المقاومة والتي سيدفع آل خليفة ثمنها”.
وكذلك الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لم يفوت الفرصة عندما قال في إحدى خطاباته المتلفزة بأن “أهل البحرين معروفرن بالشجاعة والرجولة والحماسة، ولم يكونوا سلميين لأنهم لا يستطيعون حمل السلاح”.
إذن، الثورة تتمتع بغطاء شرعي من المرجعية العليا، ومن الحوزتين المقدستين في النجف الأشرف وقم المقدسة، وبإمكانيات وظروف سياسية من محور المقاومة والممانعة، وهو ما يجعل من ترحيل الشيخ عيسى قاسم “عمليةً” محفوفة باحتمالات كثيرة ومخاطر جمّة، قد تجعل الخسائر كبيرة في حسابات الجبهة الخليفية. فهو يمتلك عتادا عسكريا ومرتزقة أجانب لا تمكن مقارنته بما لدى الامتداد الشعبي للمرجعية الدينية في البحرين، بينما تتمتع الثورة البحرانية بحدود مفتوحة عبر محور المقاومة. ومهما كانت قدرات النظام الخليفي العسكرية بمساعدة الولايات المتحدة الأميركية؛ فإنه لا يستطيع أن يسيطر على قرار إقليمي في حال ترحيل الشيخ قاسم، والذي سيكون بمثابة إنهاء المقاومة السلمية وإشعال المقاومة المسلحة بدخول البحرين ضمن محور المقاومة لندخل في مرحلة “البحرين الكبرى”. أمور أخرى يمكن أن تُطرح وتغيّر الرؤية كلّها، وذلك في حال قررت واشنطن الدخول – عبر اسرائيل – في حرب إقليمية مع إيران، وذلك يحتاج إلى مخطط آخر واستعدادات أخرى تتجاوز الحرب على ايران وحزب الله وفصائل المقاومة العراقية والبحرانية.
زر الذهاب إلى الأعلى