تقارير

في عيد العمّال: تذكير بمخطط “الكارثة” الخليفي.. وفصل المدرس علي مهنا ليس آخر الأمثلة

 

المنامة – البحرين اليوم

مع قرب احتفال دول العالم بعيد العمال، في الأول من مايو من كلّ عام؛ ستعود إلى ذاكرة البحرانيين مجدداً حكاية “الإفقار” و”التعطيل” الممنهج التي أراد النظام الخليفي في البحرين أن تكون جزءا من الحرب “المنظّمة” الموجهة ضدهم، انتقاماً من قرارهم التاريخي في إعلان الثورة والاستمرار فيها في العام ٢٠١١م.

يقول سياسيون بأن “حزمة كبيرة” من الفصل التعسفي التي طالت مواطنين في العام ٢٠١١م – مع بدء حملة اجتثاث ثورة ١٤ فبراير – كان يُراد لها أن تكون مثل “كرة الثلج”، وأن تتدحرج لتطال مختلف الشرائح الاجتماعية والمهنية التي شاركت في الثورة، أو كانت داعمة لها بالقول أو الفعل. ويتحدث هؤلاء عن “خطة بديلة” كان يعدها الخليفيون لسدّ الفراغ الهائل الذي كان سيُسبه فصل المئات، وربما الآلاف، من أعمالهم في مختلف وزارات الدولة وقطاعاتها، وبالاستعانة بالمجنسين وبالأعداد الكبيرة من الذين كانوا ينتظرون دورهم في سفارات النظام في الخارج. إلا أن فشل هذه الخطة – ولأسباب لها علاقة بعجز المجنسين عن ملأ الفراغ، والضغط الدولي إزاء الكارثة الإنسانية المتوقعة نتيجة الفصل التعسفي للمئات – حال دون الاستمرار “المباشر” في هذا المخطط، واضطر النظام بعدها للتراجع عنه أو إجراء تعديلات عليه، وبما “يُخفف” من وطأة الضغوط الخارجية.

بعد عام من عمليات الفصل الجماعية (وتحديداً في فبراير ٢٠١٢م) أعلنت وزارة العمل الخليفية بأن ٩٣٧ مفصولا عادوا إلى ممارسة أعمالهم السابقة، كما أعلنت أن ٦٠٨ آخرين وافقت الشركات التي قامت بفصلهم على إعادتهم إليها، في حين حصل ٣٠٠ مواطن على أعمال أخرى في شركات أخرى غير تلك التي قامت بفصلهم، بينما رفضت شركات أخرى إعادة ١٨٠ مواطناً. ورغم أن هذه الأرقام الرسمية لا تعكس العدد الحقيقي للمفصولين – حيث تحدث الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين  عن ٤٠٠٠ مفصول آنذاك – إلا أنها تكفي لتبيان حجم “الجريمة” التي ارتكبها الخليفيون، وكادوا يتسببون من ورائها بانتهاكات خطيرة وبالغة التأثير على حياة المواطنين ومستقبلهم المعيشي والاجتماعي، وهو ما يُفسر الاستياء والتشنيع الحازم الذي ووجه به النظام من المنظمات العمالية والحقوقية الدولية جراء ذلك، واضطراره – تحت غطاء لجنة تقصي الحقائق (لجنة بسيوني) إلى الالتزام بإعادة جميع المفصولين في القطاع العام.

إلا أن الملف لم يذهب إلى الحلحلة الكاملة، ولم “يتنازل” النظام نهائياً عن استعمال ورقة “الإفقار” و”التعطيل” في استهدافه الانتقامي للمواطنين وللنشطاء، ولاسيما الشخصيات المعارضة أو تلك التي لها نشاطها العلني المعروف. وبقي عدد من هؤلاء، حتى اليوم، على قائمة “المفصولين من العمل”، أو المستهدفين بالفصل التعسفي في أية لحظة مؤاتية للنظام، وخاصة أولئك الذين تم اعتقالهم لأسباب سياسية وعلى خلفية نشاطهم الشعبي والحقوقي (مثل استشاري طب العيون الدكتور سعيد السماهيجي الذي حُرم من رخصة المهنة)، وآباء الشهداء (مثل والد الشهيد السيد هاشم سيد سعيد المعتقل حالياً)، والناشطين أو العاملين في الجمعيات السياسية (مثل القيادي في جمعية وعد يوسف الخاجة)، حيث تم استعمال ذلك “تبريراً” لفصلهم تحت غطاء أنهم “ارتكبوا جرائم أو جنح”، ما “يُشرّع” فصلهم بحسب قانون الخدمة المدنية أو قانون العمل المعمول به مع الشركات والقطاعات الخاصة.

هناك العديد من الأمثلة التي تعطي صورة أخرى غير تلك التي يستعد النظام لتقديمها في احتفالاته الكاذبة بعيد العمال، وبينها مثال الأستاذ علي مهنا الذي تلقى في ٢٠ فبراير من العام الجاري قراراً بفصله من وزارة التعليم، وحرمانه من حقوقه بعد أكثر من عشرين سنةً في العمل التربوي. ويُعرَف المدرس مهنا بنشاطه الحقوقي، وملازمته للأنشطة الشعبية، وهو من الوجوه التي باتت لصيقة بالنشاط “الاستثنائي” الذي يقوم به آباء الشهداء، وهو النشاط الميداني الذي يقود حالياً الثورة في البحرين، ويُشكل علامة فارقة في تاريخ النضال، لاسيما وأنه يُمارَس علنياً وفي مختلف المناسبات ومناطق البلاد.

وقد أُفرج عن مهنا في نوفمبر ٢٠١٦م بعد أن قضى في السجن ٦ أشهر بتهم تتعلق بمشاركاته الشعبية والوطنية. وأثناء استقباله لآباء الشهداء وناشطين بعد الإفراج عنه؛ قال مهنا بأنه لم يشعر أبداً بالندم بعد اعتقاله “لأنه لم يخطيء”، وأثبت بعد ذلك أنه لم يكن مخطئاً فقط، ولكنه كان واثقاً أيضاً بأنه كان يفعل “عين الصواب”، وقد زاد عليه كثيراً، حتى نزل عليه المزيد من الانتقام من النظام.

تم فصل الأستاذ مهنا من عمله مدرساً للغة العربية في إحدى مدارس وزارة التربية (مدرسة الإمام علي الابتدائية الإعدادية للبنين)، وهو قرار لم يتعد السطرين، وأُبلغ فيه مهنا بأن إدارة الموارد البشرية في الوزارة “قررت إنهاء خدماته من الوزارة” بسبب “الحكم الجنائي” الصادر ضده، وذلك اعتباراً من تاريخ ٨ أكتوبر من العام ٢٠١٥م. كما تم حرمانه من الراتب التقاعدي، إضافة إلى حرمانه من الامتيازات التقاعدية. على الرغم من ذلك، لم يكن “معلم الأجيال” في وارد “الندم على ما فات”، وهو يقول ذلك بلسان واضح، وعبر استمراره في نشاطه الحقوقي والشعبي العام، ويؤكد بأنه “لو عاد الزمن لعاد لنفس العمل، وبما أكثر مما عمل الآن”.

مثل الأستاذ علي مهنا كثيرون، ولكنه سيكون المثال الأنسب لكي يحتفل به البحرانيون بعيد العمال هذا العام. فالشعار الذي اعتاد المواطنون على تداوله في كلّ عام بهذه المناسبة؛ يقول بأن هناك يداً تبني، ويداً تقاوم. ولعلي مهنا كلا اليدين.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى