أحمد رضيمقالات

في البحرين.. الإساءة لرأس النظام جريمة

 

Ahmed-Radhi2
أحمد رضي – كاتب إعلامي – البحرين

منذ إندلاع ثورة 14 فبراير 2011 وحتى الآن شهدت البحرين تراجعا كبيرا للوراء عبر غياب القوانين والقضاء العادل وسيادة منطق التمييز الطائفي وتوحش الإعلام الرسمي بقلب الحقائق. وأصبح كل من يجاهر برأيه بوسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي مهما كانت طائفته ومنهجه السياسي معرضا لخطر المحاسبة والاعتقال والتعذيب، وبسبب ذلك اكتظت السجون بالطلبة والجامعيين والمعلمين والأطباء والإعلامين والرياضيين؛ ممن تعرضوا لإنتهاك فظيع لحقوقهم الإنسانية عبر اعتقالهم تعسفياً وتعرضهم لمختلف أصناف التعذيب في ظل غياب معايير المحاسبة والعدالة والرقابة الدولية. وحتى هذه اللحظة لا يزال النظام البحريني يرفض السماح للمقرر الخاص بالتعذيب بالأمم المتحدة (خوان منديز) من زيارة البحرين ويسوف بالتأجيل مراراً.

ونذكر الرأي العام بأن البحرين وقعت في سنة 1998 على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية، كما تم تصنيف البحرين من ضمن العواصم العشر الأكثر قمعا للحريات في الفترة الماضية، وكان ذلك نتيجة طبيعية لما تشهده حرية التعبير والصحافة من انتهاكات، الأمر الذي انعكس بشكل واضح على جلسات مؤتمر جنيف الأخير لتوالي الادانات المستمرة للبحرين.

وبالتالي أصبحت فئة المدونين والمصورين والصحفيين والإعلاميين هم أكثر الفئات المستهدفة ممن تعرض للظلم والتمييز والتعذيب، وقد شهدنا سابقاً استشهاد المدون زكريا العشيري والإعلامي كريم فخراوي والمصور أحمد إسماعيل، وهناك الكثير ممن تعرض لإصابات بليغة بسبب استخدام وسائل القمع من قبل القوات التابعة لوزارة الداخلية عبر إطلاق الرصاص الحيّ والانشطاري والغازات الخانقة والضرب المبرح وغيرها. وقد وثقت لجنة حماية الصحفيين في تقريرها السنوي عدد من الصحافيين المسجونين في البحرين، وأغلبهم اعتقلوا بسبب آرائهم وممارستهم لحرية التعبير، وهناك عشرات المعتقلين محكومون بتهمة إهانة الملك، أو بتهمة التظاهر السلمي وتم اعتقالهم بصورة غير قانونية أيضاً.

كما صنفت منظمة مراسلون بلا حدود البحرين بوصفها عدوة للانترنت للعام الثالث على التوالي، بسبب سيطرة السلطات بشكل مطلق على الإنترنت، ومراقبتها لمصادر المعلومات الإلكترونية. وتوضع البحرين إلى جنب وكالة الأمن القومي الأمريكية، والمقر المركزي للاتصالات الحكومية في المملكة المتحدة، حيث تقوم بالمراقبة والتصنت والرقابة، وهي لا تختلف عن مثيلاتها في الهند والصين أو روسيا أو إيران.

من جانب آخر، فإن العديد من المنظمات الحقوقية أبدت قلقها تجاه ملف خطير، وهو الاتفاقية الأمنية الخليجية التي تود البحرين وبعض دول الجوار فرضها كقرار يصادر الحريات والحقوق المدنية ويقيّد حركة النشطاء والسياسيين في دول الخليج، وترى بأن هذه الاتفاقية العابرة للحدود تتعارض وببساطة مع الحريات التي وردت في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وتتعارض أيضاً مع القوانين الداخلية وبنود الدستور. وتصف الاتفاقية بأنها تحمل عنوانا عريضا، وهو محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه وحصار أفراده وبالتالي تسهم بتأجيل مرحلة الانتقال نحو الدولة المدنية الديمقراطية والنظر في المطالب المشروعة لسكان الخليج العربي وتمهد لتشريع قوانين تعرض حقوق المواطن فيها إلى الانتهاك، وتصادر حرياته تحت مسمى حالة الطوارئ التي يرفعها حكام المنطقة منذ أكثر من 20 عاماً. والاتفاقية تتعارض مع العديد من المواد والبنود الحقوقية، فهي مثلاً تتعارض مع المادة 21 من الدستور البحريني التي ينص على أن “تسليم اللاجئين السياسيين محظور.” كما أنها تسقط الحق بمحاسبة جميع المتورطين في الانتهاكات سواءً بالتنفيذ أو الإشراف أو الأوامر وعرضهم للمساءلة ولا سيما ذوي المناصب الرفيعة.

المشهد الحقوقي في البحرين لم يغيب عن وسائل الإعلام الأمريكية، فقد قامت صحيفة «غلوبال بوست» قبل شهور وهي وسيلة إعلامية أمريكية، ولها شبكة خاصة من المراسلين في أكثر من 50 بلداً وتتابع أهم قضايا الساعة على الساحة الدولية، قامت بنشر تقرير مثير موخراً حول عواقب إهانة الزعماء في بعض دول حول العالم، ووصفت تلك الدول بأنها دكتاتورية بسبب العقوبات الصارمة على من يتجرأ وينتقد الرئيس أو يخالفه بالرأي مما يعتبر إهانة قد تؤدي إلى السجن والغرامة.

وذكر التقرير دولا عديدة كالبحرين والكويت وآيران وغيرها.. وقد صنّفت الكاتبة جاسيكا فيلان البحرين ضمن 12 دولة في العالم تعتبر الإساءة لرأس النظام جريمة، وتضع هذا القانون حيّز التنفيذ بشكل صارم، حيث تعتبر الإساءة للأمير أو الملك  أو العلم والشعار الوطني جريمة يعاقب عليها القانون، وبموجبه صدّقت الحكومة البحرينية قبل فترة على رفع عقوبة الإساءة للملك إلى 7 سنوات ولمدة لا تقل عن سنة، فضلاً عن تغريم كل من يجرؤ على انتقاده بغرامة قدرها 10 آلاف دينار على الأقل. وربما تعتبر هذه العقوبات هي الأقسى بين الدول المذكورة في التقرير. ومن الغريب أيضاً أن يتزامن التقرير مع قرار محكمة بحرينية بالسجن 3 سنوات على رجل الدين والمفكر الإسلامي السيد كامل الهاشمي بتهمة “إهانة الملك” خلال خطبة دينية!!

ومعظمنا يعلم بأن للبحرين مكانة خاصة لدى حلفائها وهي تملك موقعا استراتيجيا بالنسبة للولايات المتحدة، ولديها شبكة اتصالات تجسس وتصنت تعتبر من أقوى المواقع للمراقبة في محيط دول الخليج العربي، بالإضافة إلى وجود الأسطول الأمريكي الخامس وقواعد عسكرية عديدة. وكل هذا الواقع الجغرافي والسياسي لا يمنع شعوب المنطقة من اللحاق بركب التطور والديمقراطية والدولة المدنية، ولا يمنع من المجاهرة بالرأي لإشاعة الحقوق والحريات الأساسية. ولذلك خرجت ثورة البحرين في 14 فبراير 2011 واستمرت حتى الآن، وتثبت بأن التغيير السياسي قادم وسيهز مياه الخليج كلها، وهو يبدأ من البحرين.. هذه الدولة الصغيرة التي لم يحسب لها حساب في منطق الكبار وباتت تمثل أزمة أخلاقية وسياسية لدول الحلفاء ومن يسير وفق مصالحها.

ولن تتمكن البحرين من الخروج بصورة مشرقة نحو المستقبل ألا بعد فك هيمنتها على وسائل الإعلام وبسط سلطة القانون فوق الجميع وسيادة الحرية والعدالة الاجتماعية. ونحن كنشطاء أو إعلاميين من واجبنا الإنساني دعم الحقوق والحريات الأساسية التي نادت بها الشرائع والأديان السماوية والقوانين الدولية التي جاءت تعبيراً عن الضمير الإنساني النازع نحو الحرية والعدالة ولن يقبل المواطن بأقل من ذلك أبداً لأن الله خلقنا أحراراً كراما ذوي فطرة سليمة وعقل راجح وروح متحررة تدفعنا كبشر لرفض الخضوع لمنطق العبيد لدى حكام الجور والاستبداد.

* صحافي من البحرين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى