ما وراء الخبر

اعقلوها وتوكلوا على الثورة: دروس النشطاء البحرانيين في الخارج

البحرين اليوم  متابعات

لم يكن استهداف عوائل النشطاء البحرانيين مستغرباً، وسيكون “من الطبيعي” أن يتجه هذا الاستهداف إلى ما هو أكثر مما يفعله الخليفيون حتى الآن. فستظل العلاقة القائمة بين الطرفين هي بين “نشطاء شرفاء” و”جبناء” تخلوا عن كلّ سجال “الرجولة والشرف”، كما يقول أحد النشطاء.

اللافت أن الإنزعاج الخليفي كان مركزا على النشطاء الذين وضعوا ضمن أجندتهم وبشكل مدروس ومتتابع  ملاحقة الخليفيين في الخارج. لا شك أن النشطاء الحقوقيين كانوا محلا للاستهداف أيضا، وكان استدعاؤهم للتحقيق مؤخراً ومنعهم بالجملة من حضور المنتديات والاجتماعات الحقوقية في جنيف وغيرها؛ (كان) دليلاً على أن كل نشاط معارض في الخارج يُزعج النظام بدرجة أو بأخرى، ولن يتوانى عن إعاقته وبأيّ شكل من الأشكال، إلا أن النشاط الاحتجاجي الذي يتوجَّه إلى رؤوس آل خليفة، ويستهدف قصداً ملاحقتهم بوسائل مباشرةلنزْع أقنعتهم أمام الرأي العام؛ هو ما يفعل ويصنع الجنون في ردود أفعال الخليفيين، ما يعني أنهم يشعرون أن هذا اللون من النشاط الاحتجاجي هو ما يمسّهمأكثر، ويقلب كلّ أحوالهم، المتقلبة أصلاً.

يذكر أحد النشطاء أن ملاحقة الخليفيين في الخارج تمثل معادلا موضوعيا للجريمة المنظَّمة التي يقومون بها في الداخل، وهم يجدون أن هذا الاحتجاج يجعلهم محاصرين في دائرة ضيقة من التنديد والإشعار المكثف بالخزي والعار“. وما يزيد هذا الشعور داخلهم هو أنهم يكونون وسط حُماتهم الكبار“، ولكن من غير أن يجدوا منهم أي حماية أو دفاع يحول دون وصول النشطاء إليهم، وفي كثير من الأحيان: كتفاً بكتف، أو صوتاً بصوت، أو يدا بيد.

أضفى النشطاء في لندن درجات إضافية من القدرة على هذا التأثير والإبداع فيه، وذلك أنهم لم يقفوا في الاحتجاج عند وسيلة الصوت الغاضب، بل وسّعوا ذلك باستعمال احتجاجات سلمية ذات إيقاع حركي وسمعي له فاعلية أن يُوصل الغضب مباشرة إلى الخليفيين، وأحياناً ملامستهم بالغضب، كما هو الحال مع أسلوب الملاحقة الميدانية واعتراض طريقهم، وأسلوب الوقوف في وجه سياراتهم والقرع عليها بالأيدي، وكذلك رمي البيض الفاسد أو ما شابه. ولكن تأثير ذلك كلّه ما كان له أن يتكوَّن لولا خاصية “التكراريّة” (من التكرار وليس الروتين) في مثل هذا النشاط، وهي الخاصية التي تُضاف إلى رصيد الامتياز للنشطاء في الخارج.

مقومات الاحتجاج الفاعل للنشطاء في الخارج

يختصر المعلق السياسي مكرم خوري – في تعليق سابق على ملاحقة النشطاء للناطق باسم العدوان السعودي على اليمن أحمد عسيري – فاعلية التأثير الاحتجاجي للنشطاء؛ بالإشارة إلى أهم المقومات التي حرصوا على بنائهم، وبالتراكم الزمني والخبراتي، والتأسيس الملموس مع كلّ تجربة من تجارب الملاحقة والاعتراض المباشر.

يتحدث الخوري أولا عن وجود “التفكير السياسي” الواضح للنشطاء البحرانيين وأنصارهم، وهو ما يوفِّر “الرؤية المفتوحة” المطلوبة لتسديد الاحتجاج وتوجيهه نحو هدفه المرسوم. ومن المؤكد أن هذا التفكير، في وضع البحرين، لابد أن يكون مبنياً على تلاق مع الإيقاع السياسي والميداني (الثوري) الجاري داخل البلاد، فلن يكون لأي “تفكير سياسي” تأثيره “المؤلم والمدوّي” على المستهدفين بالملاحقة، في حال كان منفصلا عن المشهد الجاري داخل البلدات والمناطق البحرانية، فالجلادون – من الصغار أو الكبار – “يؤلمهم” بحقّ حين يجدون أنفسَهم – وهم في خارج البلاد – محاصَرين بذات “التفكير السياسي” الذي يطاردهم في الداخل. والأهم من ذلك، فإنه لا بد أن يُترجَم أو يُنقَل هذا “التفكير السياسي” إلى صيغ وأيقونات وشعارات تحمل المواصفات النموذجية لـ”الهتاف السياسي”، وهي: الإبلاغ المباشر، واللغة الصادِمة، والرسالة المنتظرَة. وهو ما أنجزه النشطاء أيضاً بإتقان، وإنْ بدا الأمر في كثير من الأحيان “تلقائياً” ومليئاً بالعفوية، وهو أمر إيجابي بدوره، ويُضفي بُعداً آخر في “نموذجية” الاحتجاج السياسي للنشطاء.

أما المقوم الثاني فهو “ترتيب الأمور في العلاقات العامة” بحسب تعبير الدكتور خوري. فلا يغيب عن النشطاء أن جزءاً كبيراً من “الحرب القائمة” هي حرب في “الإعلام والعلاقات العامة”، كما أن واحدة من أهم مرتكزات “الحماية” التي يتظلّل بها الخليفيون هو مساعي الإستيلاء على الإعلام الأجنبي وحجبه عن تغطية حقيقة الأوضاع الجارية، وبالتوازي مع ضخّ الملايين على شركات العلاقات العامة، وتكليفها بمهام تبييض السمعة وتلميع الصورة. وبرغم الإمكانات البسيطة، وقلة العدد، وبرغم تحديات كثيرة لها علاقة بإشكالات داخلية وخارجية (لا مجال لذكرها)؛ إلا أن النشطاء البحرانيين استطاعوا تحقيق تقدُّم ملموس في هذا الجانب، وهو ما يمكن ملاحظته مع مساندة النشطاء البريطانيين لأنشطتهم الاحتجاجية، وتولي بعض الأجانب “المهمة الرئيسية” في بعض الاحتجاجات وقيادتها، كما أنّ الوكالات والصحف الدولية كانت – في كثير من الأحيان – أكثر قرباً للحدث “الاحتجاجي” الذي يُطلقه النشطاء، كما يُلاحَظ مثلا مع الاحتجاج الأخير الذي استهدف حمد عيسى خلال مشاركته عرض وندسور للخيول، وما أعقب ذلك من انتقام خليفي للنشطاء باعتقال أفراد من عوائلهم داخل البحرين، فقد كانت وكالات وصحف عالمية أوّل من سلط الضوء على ذلك وتوالت الصحف والمواقع الإعلامية في نقل تفاصيل الحادثة وخلفياتها.

وهناك مقوم ثالث يبدو “استثنائيا” في تأثيره الاحتجاجي، ويلخّصه الدكتور خوري بقوله: “التكنولوجيا الرخيصة انتصرت على مملكة النفط”. كانت الكاميرا المحمولة، وكاميرا الهاتف النقال، شبحاً مزعجاً للخليفيين وهو يتجولون خارج البلاد. كانت الصور التي تلتقط خروجهم عن طورهم وهم يلاحَقون من الضحايا والنشطاء؛ تفعل “فعلاً عاجلا” في تنكيس الجلادين وإذلالهم، وإشعارهم بأنهم تحولوا إلى “الموقع المُعاكس”، وفقدوا كلّ “قوتهم وجبروتهم المزعوم” الذي يتقوّون به على السجناء وعموم المواطنين الآمنين داخل البلاد. تلتقط الكاميرا “الميدانية” ملامحَ “الخزي” السريع الذي يسقط فيه الجلادون، ويجعلهم يلقون الشتائم الفاضحة أو يقومون بحركات بذئية بأصابعهم أو حركاتهم الجسدية، وهو نجاح “متعدِّد” في حصيلة الملاحقات التي نفذها النشطاء على مدى السنوات الأخيرة، والتي طالت بدءاً من طارق الحسن، ومرروا بخليفة أحمد الخليفة، وقبل ذلك وبعده حمد عيسى نفسه وابنه الجلاد ناصر.

خلاصة الدروس

هذه التجارب، وما تخللتها من ردود أفعال رسمية، وما أحدثته من آثار عملية ونفسية وإعلامية، تدعو عموم المعارضة البحرانية إلى التأمُّل في نماذج العمل المعارض المعمول به، والتفكير الجماعي في إدخال التعديلات أو الإضافات على عموم النشاط المعارض في الخارج. ويقترح ناشطون جملة من الدروس التي يدعون إلى أن تكون عناوين للبدء في “التوكُّل” والعمل على ترتيب شؤون “بيت المعارضة الكبير”. وأهم هذه العناوين:

١- إعادة الاعتبار للنشاط السياسي المباشر، وبما يحافظ على ثنائية “المطلب الشعبي الحقيقي”، و”المفاصلة مع النظام القائم”. وهو عنوان يدعو للتفكير في العمل على صياغة “تنسيقية سياسية لقوى المعارضة” والدخول بثقل كامل في ميدان “النزال السياسي” الدولي.

٢- التلازُم بين شكل الاحتجاج أو النشاط المعارض، وبين مضمونه المُراد إبلاغه، وباستعمال فاعلية “المباشَرة” المادية أو الجسدية في تنفيذ النشاط.

٣- توفير قاعدة منسجمة من التنسيق المشترك في الثلاثية الذهبية: الإعلام الميداني، العلاقات الداعمة، والتوظيف المدروس.

٤- هندسة هرم العمل المعارض على أن تكون قاعدته: الحراك الميداني، وضلعه الأيمن: النشاط الحقوقي، والأيسر: الإعلام الثوري، وقمته: العمل السياسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى