ما وراء الخبر

الأمن الوطني في مركز المحرق يلاحق النشطاء: تعذيب جسدي ونفسي.. وابتزاز لوقف النشاط والتدوين

البحرين اليوم (متابعات)

هل نحن مقبلون على تناقص متزايد في قائمة الممنوعات والخطوط الحمراء بعد لقاء ترامب/حمد” في السعودية؟ يريد النظام الخليفي أن يُفصحبلغة دموية صريحة – بأنه غير معنيّ أبداًوليس غير معنيّ كثيراً فحسببالأمم المتحدة ومجلسها لحقوق الإنسان، وهو أراد أن يستقبل مبكّرا دورة المجلس المقبلة في شهر يونيو بإعلان واضح: لتذهبوا إلى الجحيم!.

ليس سرّا سبب “القوة الموهومة” التي يتلاعب بها النظام، فهو بات يملك ضوءا أخضر لأنْ يقتدي كاملاً بسيرة سيّده الإقليمي: آل سعود. والرسالة التي يريد الخليفيون  تبليغها هي أنّ الاستعراض الدوري الأخير حول البحرين، وما صدر خلاله وبعده من بيانات ومواقف تندِّد بانتهاكات حقوق الإنسان؛ كلّها تحت الأقدام، ولن تغيّر شيئاً من نظام البشاعة المعمول به، بل هي بالنسبة لآل خليفة تحريض لفعل المزيد من الجرائم. هذه الرسالة وجّهها الخليفيون، بطريقتهم الخاصة، من خلال حملة جديدة تستهدف النشطاء الحقوقيين، وبطريقة تختلف عن تلك التي وُجهت ضدهم قبل جلسة الاستعراض الدوري في مارس الماضي، حين تعرضوا للاستدعاء الجماعي ووجّهت ضدهم تهمة التجمهر في الدراز، ومُنعوا من السفر. هذه المرة، الاستهداف مختلف، وبالنكهة الخاصةالتي يُعرَف بها جهاز الأمن الوطني سيء الصيت ومن مبناه في مقر شرطة المحرق.

Untitled1

في هذه المرة، لا يخضع النشطاء للتحقيق فقط، أو منع السفر، أو التعرُّض لبعض الكلام القاسي ثم العودة إلى منازلهم ونشاطهم وتدوينهم بلا مبالاة من كلّ ذلك. هذه المرة خرج بعض النشطاء من غرف التحقيق باتجاه المستشفى مباشرة، واختفى أثرهم، وهناك من أعلن على حسابه في تويتر التوقف عن النشاط الحقوقي لأسباب صحية، أو لأسباب خاصة بأوامر من ضباط التحقيق، وهناك منْ تحمَّل الشتائم والإهانات اللفظية وأصرّ على مواصلة نشاطه الحقوقي، رغم أن ذلك قد يكلّفه الكثير، وخصوصا في هذه المرحلة التي تحوّل فيها القتل بدم باردإلى سلوك ثابت لآل خليفة، وتحديدا منذ بداية العام الجاري حينما شرّع لهم البريطانيون تنفيذ جريمة الإعدام بثلاثة من النشطاء؛ ليبدأ بعدها مسلسل سفك الدماء.

Untitled

إذن، المطلوب من النشطاء في الداخل أن يتوقفوا تماماً، وأن يضعوا على أعينهم غشاوة وألا ينطقوا بأي شيء. وهذا يعني أن خطة القمع المتدحرجة وصلت إلى دائرة الحقوقيين في الداخل، بعد أن اتضح أن استدعاءهم في السابق، ومنعهم من السفر، ومضايقتهم في أرزاقهم، وحرق سياراتهم، لم ينفع في إجبارهم على وقف النشاط الحقوقي والإعلامي. وها قد آن أوان التعذيب الجسدي والنفسي أثناء التحقيق، وممارسة أبشع الوسائل لإجبار النشطاء على التوقف، وهو ما يعتبره ناشطون ابتزازا خطيراً ينبغي التصدّي له بقوّة، وكشفه أمام الأمم المتحدة ولجانها المعنية“.

Untitled

توقيت هذا التصعيد في استهداف النشطاء المحليين له علاقة بطبيعة المخطط الخليفي الذي يرى مراقبون بأنه وصل الهدف التالي المتمثل في وقف عموم النشاط المعارض في الداخل، بالتوازي مع القرار الخليفي بإنهاء اعتصام الدراز دموياً، واقتحام منزل آية الله الشيخ عيسى قاسم وفرض الإقامة الجبرية عليه. وهي مرحلة يفترض الخليفيون بأنهم سيرتكبون حجماً واسعاً (أوسع مما يفعلون وفعلوا) من الجرائم، وهم لا يرغبون في سماع أيّ صوت يفضح جرائمهم أو يدفع الناس للوقوف في وجهها والتصدي لها، ولو بالصبر وتحمُّل المشاق وعدم اليأس بسببها.

على نحو عميق، يهدف هذا التوسيع الخطير في الاستهداف، حجماً وبشاعةً في التنفيذ والتنكيل، إلى إزهاق/إرهاق المعنويات التي اكتشف الخليفيون بأنها أخطر ما يواجهون، وخاصة بعد قدرة اعتصام الدراز على الاستمرار قرابة العام رغم الحصار الخانق والتهديدات المباشرة، وبعد نجاح الاعتصام في  تحشيد الوعي الثوري والتوجيه الصحيح لبوصلة الصراع مع آل خليفة. وهو ما يعني أن الدائرة، وبعد الاقتراب من الشيخ قاسم، مرشَّحة لأن تتوسّع بحدود متسارعة وأكثر خطورةً، وإلى الحد الذي يقتنع فيه الخليفيون بأنهم أجهزوا على الروح المعنوية للمواطنين وطوّقوا كلّ العناصر والمساحات والشخصيات والأصوات التي تمدّهم بالعنفوان والطاقة على التحمُّل وروحَ المواصلة.

Untitled٢

بعض المتابعين يربط سياسة استهداف النشطاء بشخص حسن إبراهيم البوعينين، الذي عيّنه الحاكم الخليفي حمد عيسى وكيلا في جهاز الأمن الوطني في يناير ٢٠١٧م،  إلا أن خيوط التصعيد في القمع والاضطهاد ليست منفصلة عن بعضها البعض، وينبغي العودة دوماً إلى “أصل” المخطط الخليفي الذي يسعى لإبادة السكان الأصليين بوسائل متنوعة من القتل المباشر وغير المباشر، وهي مسعى لم يعد مبالغة كما كان يتصور البعض في بداية الأمر، وخصوصا بعد أن نزع آل خليفة كلّ أقنعتهم في مواجهة السكان الشيعة الأصليين، مستهدفين وجودهم الديني والثقافي والتاريخي والمادي، في الوقت الذي يُراد الانتقال إلى استهداف وجودهم العمراني، على شاكلة ما يفعله آل سعود في حي المسورة بالعوامية، وذلك كما تدعو سوسن الشاعر في مقال لها اليوم الأحد، وهي الكاتبة التي قال وزير الخارجية الخليفي، خالد أحمد، بأنها تنطق باسم “البحرين”، وهو إمضاء خليفي وتأييد لما تكتبه الشاعر، والتي تُعد واحدة من أهم الشخصيات التي تتعاون مع الأجهزة الخليفية في إرسال الرسائل، وفي نقل التهديدات الرسمية.

Untitled

على مستوى الهدف النظري للنظام؛ ظنّ أنه نجح في استجماع أهم عناصر الاندفاع لأن يفعل ما يحلو له دون حسيب أو رقيب:

الدعم الأمريكي والبريطاني اللا محدود.

الشراكة الإستراتيجية في سياسة القمع مع آل سعود (شراكة في هوية القتل وفي الاستعمال الوظيفي للقمع).

تضييق المحيط الحيوي للحراك الشعبي مع استمراء النظام لسياسة الحصار وسفك الدماء، وتثبيت سياسة التمركز الدائم للقوات في الشوارع وعند مداخل البلدات، أي تحويل قانون الطواريء إلى واقع يومي وفعلي.

ولكن التجربة العملية، على الأقل خلال السنوات الست الماضية، لا تُسعف آل خليفة على المضيّ قُدماً في هذا المخطط، وبالنجاح الذي يتوقعونه أو يتم التخطيط لمرحلة ما بعد ترحيل الشيخ قاسم قسرا خارج البلاد. فإذا كان الهدف هو اقتلاع جذوة الحراك الشعبي، فإن التظاهرات كما تنقل الصور والفيديوهات لا تتوقف كلّ نهار ومساء، وهي تقول بأن “إمداد” الحراك بالقوّة لم يعد مرتبطاً بأشخاص محدّدين أو بعناصر رمزية معينة، كما أن تجدُّد النشاط المحلي يكشف عن فاعلية جديدة ومتولّدة في إنتاج الكوادر والشخصيات الناشطة وسط الميدان، وبما يسدّ أي فراغ محتمل جراء تغييب شخصية أو رمز معين. ومن المفيد أيضا استرجاع سلسلة النجاحات التي أنجزها الناس في الفترة الأخيرة، والتي تؤكد أن “الإمداد الذاتي بالقوّة”؛ هو واحد من أسرار ثورة البحرين ومقدرتها على تجاوز العقبات، ومهما بلغت خطورتها. ولا تقتصر هذه النجاحات على تثبيت موطئ القدم في النشاط الحقوقي، أو الإعلامي، ولكن أيضاً في ترسيخها داخل ساحة العمل الميداني والشعبي الذي يُفترض أن يُدرك آل خليفة بأن من أهم طباعه هو أنه يتفجّر بقوّة ويتحصّل على دوافعه الأكبر كلّما اشتدّ القمع وسالت الدماء بغزارة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى