ما وراء الخبر

لكي لا نقع في مزيد من الصدمة: أحضان ترامب هي النهاية المفتوحة لحمد الخليفة

 

البحرين اليوم – (متابعات)

هل هناك جديد “غير متوقع” في سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة إزاء الملف البحراني؟

الصفقة الأمريكية من المقاتلات العسكرية (إف ١٦) للنظام الخليفي؛ ليست “علامة تحوّل” في السياسة الأمريكيّة تجاه الوضع “المضطرب في هذه الجزيرة الصغيرة”، كما تحبّ الصحب الأمريكية أن تُوصّف عادةً ما يجري في هذه البلاد منذ أكثر من ستّ سنوات، من احتجاجاتٍ شعبيّة لا يتردّد مراقبون “منصفون” في اعتبارها “غير مسبوقة” في تاريخ المنطقة، لجهة استمراريتها وقدرتها على “اختراق” كل التحديات والضغوط التي تواجهها في الداخل والخارج.

الأرجح أن سياسة دونالد ترامب تجاه البحرين لا يجب أن تكون مفاجئة لعموم البحرانيين، والقوى الثورية علي وجه الخصوص. قبيل مجيئه كانت الأحضان مفتوحة بينه وبين آل خليفة، وأعطى كلاهما إشارات “محبة متبادلة”، ونشرت بعض الصحف في الولايات المتحدة مقالات “مأجورة” تدعو ترامب لاستقبال الحاكم الخليفي حمد عيسى في واشنطن، وأن يذهب هو شخصيا إلى المنامة (اقرأ: هنا). كان ذلك في سياقٍ معروف من التقارب الخليجي (السعودي/الخليفي تحديدا) مع إسرائيل، وهو المؤشِّر الحقيقي الذي يراه سياسيون الموجِّه الفعلي لسلوك ترامب من جهة، وآل خليفة وآل سعود من جهة أخرى. ولذلك، ينصح معلقون قراءة التنامي “الإيجابي” في هذه العلاقات العلنية لتفسير “التبجح الخليفي السعودي” في علميات القمع والتأزيم في الداخل والخارج، وأيضا لـ”عقلنة” سلوك الجماعات المعارضة المحلية، ولاسيما تلك التي لا تزال تراهن – بنحو أو بآخر – على تحوّلات ما في مواقف الأمريكيين تجاه ملف البحرين، والخليج عموماً. وهو رهان جعل بعض السياسيين متحمّساً، دون دراية، وشارك الأمريكيين في الحفل الذي أقامته السفارة في واشنطن لمتابعة انتخابات الرئاسة الأمريكية (اقرأ: هنا).

المحللون، منذ مجيء ترامب، كانوا يُدركون أن هناك “علاقة قوية وخاصة” تجمعه مع آل خليفة، ولم تكن تصريحاته “الطنانة” تجاه آل سعود؛ سوى شكل آخر من شخصيته المتناقضة، أو كما قال تقرير سابق للباحثين جيسي كاتس وجورجيو كافييرو (اقرأ: هنا). وقد رصد محللون غربيون مبكّرا “السرور” الخليفي تجاه انتخاب ترامب، لاسيما مع المواقف “الخطابية” التي اعتاد عليها سلفه، باراك أوباما، في انتقاد القمع الخليفي، وقد فاضلَ وزير الخارجية الخليفي خالد أحمد، بين أوباما وترامب، وزعمَ بأن الأخير هو أكثر “فهماً للمنطقة”، وهي مواقف ترافقت مع استقبال ترامب لمحمد بن سلمان، ولي ولي عهد السعودية، في واشنطن رغم خطابات ترامب المعروفة حول “البقرة الحلوب”، ما شكّل “تنويعاً” آخر على السلوك “غير العقلاني” ليس بخصوص ترامب فحسب ولكن مع آل سعود وآل خليفة أيضا، وعلى وجه الخصوص مع الإشارة إلى الاستقبال العام السلبي الذي عمّ العالم العربي لانتخاب ترامب، بسبب تصريحاته المؤيدة لإسرائيل ومناهضته للمسلمين. ولكن تبقى ثمّة تساؤلات معلَّقة حول “كيفية سيرورة” العلاقة التي ستجمع بين الإدارة الجديدة غير المستقرة في واشنطن، ونظام ملاحَق بإدانات دولية بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان.

اختصر الناشط الحقوقي حسين عبد الله المشهدَ “المنلفت” وقال بأن موافقة الأمريكيين على بيع الأسلحة إلى آل خليفة هو “ضوء أخضر لمواصلة القمع في البحرين” (اقرأ: هنا). وكرّر الناشط السيد أحمد الوداعي، في مقالات أخيرة، توجيهَ أصابع الاتهام إلى واشنطن، ولندن أيضا، وقال بأنهما يقفان وراء “جراءة النظام الخليفي في مواصلة الانتهاكات على مرأى العالم” (اقرأ: هنا). وسيكون من المفيد الأخذ بمطالعة عبد الله والوداعي لعقارب السلوك الأمريكي لكونهما على دراية بطبيعة مطابخ السياسة في الغرب، وكيف تُصنَع القراراتُ “غير المتوقَّعة” من حكوماتَ الدول “الديمقراطية” في عالم المصالح اليوم، وعلى حساب حقوق الإنسان والمواثيق الدولية. وقد قدّمت إدارة ترامب، حتى الآن، الإيعاز الصّريح لآل خليفة للاستمرار في تمديد “الوضع القائم”، كما بادرَ ترامب لتقديم أكثر من خطوة علي سبيل “العربون” لحماية ظهر حلفائه، كما هو الحال مع وضْع اثنين من النشطاء البحرانيين على لائحة الإرهاب الأمريكية في مارس الماضي، وهو القرار الذي وصفه تيار الوفاء الإسلامي بأنه “غبي” واعتبره “وهماً وسراباً” (اقرأ: هنا).

ما نشرته صحيفة (واشنطن بوست) قبل أيام بشأن “الدعم الإيراني” لتسليح جماعات ” متشددة” في البحرين، بناءاً على تقرير خليفي لاقى تفهماً من جانب مسؤولين أمريكيين، كما قالت الصحيفة، (هذا التقرير) هو إفصاح “طبيعي” عن متطلبات الخدمات المتبادلة والعلاقات المقبلة مع السعوديين والخليفيين: أي الإندفاع أكثر باتجاه “شيطنة إيران”، لإخفاء أو تبرير الهرولة الخليجية المتوقعة باتجاه إسرائيل، وهو ما يمكن أن تدفع نحوه واشنطن بقوّة بفضل “مميزات عدم الانضباط” الذي يجمع كلا من ترامب وابن سلمان وحمد، وهم – رغم التفاوت في الأعمار والخلفيات الثيوقراطية – متقاربون في خصال الشخصية السيكولوجية المضطربة (الإنفلات الذهني، فقدان السيطرة على الذات، البحث المرير عن تعويضات النقص من خلال الثروة أو قوة القمع)، والشعور الجماعي المشترك بعدم القدرة على إنتاج خطاب مُقنع ومتزن في العلن وبين الجمهور المعارض خاصة.

من غير المستبعد أن تتزايد في واشنطن المقالات التي تروّج لمحتوى التقرير الخليفي الذي نشرته الواشنطن بوست، والذي حظي بتأييد “مصادر غربية سياسية”، كما قالت الصحيفة. ولن يكون الترويج بعيداً عن سوق “شركات العلاقات العامة” التي لم تتوقف أصلا عن أداء مهامها في الغرب عموماً، ومن ذلك المقال الذي نشره مايكل روبن بتاريخ ٥ أبريل ٢٠١٧م، والذي حاول فيه المحافظة على “سمات النزاهة”، حينما قدّم نفسه صحافيا زار البحرين، وتأثّر بالغازات السامة التي تُطلقها القوات الخليفية على المتظاهرين، ولكن روبن – الذي أكّد على صحّة بعض المظالم الطائفية التي غذّت احتجاجات ٢٠١١م بحسب تعبيره – لم يؤيد دعوات بعض زملائه للنظام الخليفي لـ”ضبط النفس”، ورفضَ كذلك القول بأن “هذا القمع الأخرق لا يؤدي للسلام والاستقرار”، كما كتب زميله ماكس بوت قبل أيام (اقرأ: هنا). بدلا من ذلك، يُشجع روبن على القناعة التي وصلت إليها واشنطن بوجود “أيادٍ” إيرانية فيما يجري في البحرين، مستخفّاً بالمزاعم السابقة التي كانت تقول بأن ما يروّجه الخليفيون بهذا الخصوص كان لأجل “تبرير القمع” ضد المتظاهرين والتغطية عليه.

يتحدث روبن عن “ضبط للنفس” قام به النظام الخليفي، وأجرى مقارنةً مختزلة، وقال بأن المتظاهرين البحرانيين قتلتوا ٢٠ شرطيا وجرحوا ٣٠٠٠ آخر في السنوات الثلاث الأخيرة، في الوقت – كما يدعي – أن الشرطة الخليفية لم تقتل أحدا من المتظاهرين خلال الفترة نفسها. ويضيف بأن “الحكومة الإيرانية تحاول أن تعرقل جهود (النظام) في البحرين لتهدئة الوضع”، داعيا إلى تفهم “القلق الخليفي” إزاء التدخل الإيراني، كما حاولَ أن يلعب لعبة “الأجنحة” الإصلاحية داخل النظام الخليفي، في إشارةٍ إلى ولي العهد الخليفي سلمان حمد، حيث بدأت هذه الأيام محاولة إشعال قصة خلافته المرتقبة عبر “انقلاب أبيض” وبتدبير أمريكي.

قد لا يكون روبن “مأجورا” بالمعني التقني للكلمة، وربما لا يكون جزءا من الحملات الدعائية التي يعدّ لها آل سعود وآل خليفة في الولايات المتحدة، ولكنه – في الخلاصة – يصبّ في ذات المجرى الذي يخدم الرؤية الأمريكية، وعلى طريقة ترامب، والتي تريد أن تُحرِّك ذيلها على النحو التالي: تشجيع إصلاحات وهميّة في البحرين من بوابة “الجناح الإصلاحي” في العائلة الخليفية، وتشديد النبرة تجاه إيران عبر بتوسيع “لهجة التهديد الفعلي” تجاهها. وفي كلا الحالتين، فإنّ حقيقة الملف البحراني، وطبيعة المطالب الشعبية؛ ستكون هي الهدف المُراد تذويبه وحرْفه عن مساره، حيث لن يكون هناك أي تعاطف أو “تفهّم” – فضلا عن الدعم – لحق تقرير المصير الذي ينادي به البحرانيون في تظاهراتهم وفعالياتهم المتواصلة، وسيظل المنظور “البرّاني” هو المسيطر على قراءة مجريات الأحداث في البحرين. وهذا حدّ يكفي لإشباع مشروع التضليل الخليفي والسعودي.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى