عباس بوصفوانمقالات

موقف الرأي العام السني من هجرة البحرينيين إلى قطر  

عباس بوصفوان إعلامي - لندن
عباس بوصفوان
إعلامي – لندن

بعكس موقف السلطات الرسمية البحرينية المتشددة من موضوعة هجرة المواطنين السنة من البحرين إلى قطر، يُظهر  موقف الرأي العام السني إمّا تشجيعا أو  تفهما لهذه الهجرة ودوافعها، وبالتأكيد يظهر بصورة جلية رفضا للتهديدات والإجراءات العنيفة التي تتخذها السلطات الخليفية ضد المهاجرين السنة أو الراغبين فيها.

وحين اعتقل صلاح الجلاهمة موخرا على خلفية هجرته وعائلته إلى قطر لم يجد هذا الإجراء تعاطفا سنيا، فيما تجاهلته الصحف الرسمية، وكأن أمرا لم يحدث.

واعتقلت سلطات المنامة الجلاهمة، وأمرت بحبسه لمدة أسبوع، بتهمة “التحريض على كراهية نظام الحكم وذلك بدعوة أبناء عائلته إلى الهجرة”، كما قال محاميه عبدالله هاشم.

وفي الواقع، فإنه يصعب تفهم أن يكون الحصول على جنسية دولة أخرى فعلا معاديا، في وقت بات فيه ازدواج الجنسية سمة رائجة عالميا، وفي البحرين أيضا، حيث يحصل المجنسون الجدد على الجنسية البحرينية، بدون وجه حق ولأغراض سياسية، ويحتفظون بجنسيتهم الأصلية، خصوصا السعوديين الي تم تجنيس الآلاف منهم.

وينظر باهتمام إلى عائلة الجلاهمة كونها إحدى ثلاث قبائل (الصباح، آل خليفة، الجلاهمة) حكمت الكويت في القرن السابع عشر، قبل أن ينتقل ال خليفة والجلاهمة إلى قطر، ثم البحرين في ١٧٨٣، وباتت الجلاهمة حاليا تشتكي من التهميش.

والاعتقال الأخير ليس إلا إجراء  واحدا من بين إجراءات عديدة تقوم بها السلطات ضد المهاجرين إلى قطر. الإجراءات الأخرى تشمل منع توثيق عمليات بيع العقارات، إضافة إلى التشهير على نحو يحيل المهاجر أو الراغب فيها خائنا، وهي تهمة تصل عقوبتها إلى الإعدام.

الموقف الخليفي من قضية الهجرة إلى قطر أتخذ بعدا خليجيا وعربيا، وتم النفخ فيه على نحو يطرح الأسئلة، وأرجّح أن أهداف هذا النفخ لا تتصل إلا بالرغبة في توجيه رسالة عدائية إلى الدوحة، وأخرى إلى السنة بأن عليكم الالتزام بالرؤى الخليفية أيا تكن.

من جهتهم، يحاول السنة تبرير الهجرة إلي قطر باعتبار الدوحة إحدى الدول الخليجية التي تربطها علاقات تاريخية بالبحرين. ولا يصح، بالتالي، النيل من المواطن الراغب في الانتقال إليها أو أي دولة خليجية أخرى، خصوصا وأن الكثير من العوائل قد تكون متواجدة في البلدين، وأن الأمثلة عديدة لمواطنين بحرينيين انتقلوا في الماضي إلي قطر والعكس، بما في ذلك العائلة الخليفية التي كان مقرها الزبارة على الشاطئ الشمالي الغربي لقطر، قبل دخولها البحرين عنوة في القرن الثامن عشر.

إلي ذلك يرى السنة أن الاتحاد الخليجي الذي تنادي به سلطات المنامة يتضمن حرية المواطنين في التنقل والحصول على الجنسية من بلد شقيق، الأمر الذي لا يبرر معاقبة المهاجرين بين دول الاتحاد المفترض.

يمكن رؤية مثل  هذه الآراء بوضوح في  المنتديات الالكترونية التي تعطي انطباعا بأن أسبابا مقنعة تدفع المواطنين للهجرة، أو على الٍاقل فإن هذا خيار قابل للنقاش في ظل انعدام الأمل في استقرار الحالة البحرينية٫ أو لكون الوضع القطري أفضل حالا اقتصاديا، وبالتأكيد فإن اعتبار السلطات الخليفية الهجرة خيانة للوطن أمر لا يحظى بالقبول السني مطلقا. (أنظر: ما وراء الهجرة السنية من البحرين إلى قطر

كما يمكن تتبع الموقف السني من خلال كتاب الصحف والنواب الموالين للسلطات، والذين وقفوا على الدوام مناصرين للنظام. ومثلا يقول خميس الرميحي (نائب مقرب من الديوان الملكي) في تصريحات صحافية إن “للقبائل دور كبير ووجود منذ سنوات طويلة في دول الخليج العربية، أما موضوع الهجرة فلا أود التطرق له؛ لأن هذا الموضوع يجب أن يكون في إطاره الطبيعي ولا يؤخذ الموضوع بحجم أكبر من حجمه الموجود. واذا وجد هذا الموضوع فإنني على ثقة تامة بأن الحكماء في بلداننا يستطيعون تحجيم المشكلة إن وجدت”.

ولاحظت الإعلامية سوسن الشاعر في مقال نشرته في صحيفة الوطن (المقربة من التيار المتشدد في الديوان الملكي) إن معالجة “هجرة العوائل (السنية) إلى قطر حولها (الهجرة) إلى موقف جديد غريب، لم يكن موجوداً عند أي من دول مجلس التعاون من يعترض على هجرة العوائل واستبدال الجوازات بين بعضها البعض، وهو أمر عادي كان يحدث منذ عشرات السنين ولم يستهجن من قبل ولم يعد خيانة للوطن كما يحدث الآن”.

ويعطي الانطباع بالسماح أو تشجيع الرميحي والشاعر وغيرهما لابداء مواقف متفهمة أو داعمة للهجرة إلى قطر بأن المزاج السني مستاء من المعالجة الرسمية للموضوع، وذلك ربما يجعل السلطات تعطي انطباعا للرأي العام السني بأن الموضوع حمّال أوجه ويمكن معالجته داخليا بهدوء دون حاجة إلى الإجراءات الأمنية وسحب جوازات السفر، وتوجيه اتهامات تفضي إلى إعدام المتهم، باعتبار خائنا للوطن.

النهج الرسمي المتشدد لم يغيّر من موقف قطر التي لم تدل برأيها علنا حول الموضوع، كما تجاهلت الدوحة ما سمي بالانذارات السعودية الإماراتية في الخلاف الخيلجي القطري، فيما راحت المنامة تتاجر بقضية المهاجرين لتنال مزيدا من العطايا السعودية (جسر ثان بين البحرين والسعودية مثلا).

وداخليا، تدفع سلطات المنامة العوائل لارسال برقيات ولاء إلى الملك حمد، مع إن الجميع يدرك أن هذه البرقيات ما جاءت مبادرة، والأهم هنا إنها لا تعكس رفضا للهجرة وقبولا بالظلم للمهاجرين، ذلك لو أنه كانت الحريات موجودة لانتقد الكثير اعتقال صلاح الجلاهمة، ولو افترضنا قيام قطر بفتح الباب لهجرة السنة البحريين لرأيت طوابير المهاجرين تحج للدوحة.

الإشكال البحريني إذا مع الشيعة ومع السنة ومع الإقليم.. ولا يعالج ذلك إلا حكمة تغيب عن الحكم الحالي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى