تقارير

شياطين آل خليفة في شهر رمضان: حصاد التعديات والمروق.. وحصيلة الصمود والمقاومة

bahrainalyoum

البحرين اليوم – (خاص)

„… في هذا التقرير مرور عام على أهم الجرائم والتعديات التي قام بها آل خليفة، ولاسيما خلال شهر رمضان وحتى إطلالة عيد الفطر، كما يتوقف التقرير عند أهم علامات “خطاب” القمع وأدواته التي شهدها هذا الشهر. وفي المقابل، يسجّل طبيعة المشهد الميداني والشعبي داخل البلاد، ويرسم خطوطا عامة للحراك الثوري والمعارض، راصدا محتوى هذا الحراك ومدى درجة تناسبه أو تعاطيه مع مستوى الجرائم الخليفية “غير المسبوقة”، والتي أخذت وتيرة متصاعدة، وبمخطط ممنهج، وبالتوازي مع جملة من المتغيرات الخارجية والإقليمية التي كان لها أكثر من إنعكاس على المشهد المحلي …”

هلال عيد الفطر في البحرين هذا العام (٢٠١٧م) حمل معه حصاداً ثقيلا من التعديات والجرائم بحق المواطنين، والتي يقول ناشطون بأنها تبدو “غير مسبوقة”، وشكّلت خلاصة لطبيعة هذا العام الذي كان العام “الأكثر دموية وإجراماً منذ اندلاع ثورة ١٤ فبراير ٢٠١١م”. الجرائم التي بدأت في يناير ٢٠١٧م بإعدام النشطاء الثلاثة، وفي ظروف مليئة بالانتقام الأسود، هي ذاتها الجرائم التي تكثفت على مدى شهر رمضان، والتي أخذتها تفاصيلها الدموية بدءاً من الاجتياح الدموي الذي شهدته بلدة الدراز في ٢٣ مايو، وخطا خلاله الخليفيون خطوةً “أبشع” في تجاوز “الخطوط الحمراء”، حيث وطأت أقدام القوات ساحة الاعتصام في البلدة، وانتهكت حرمة منزل آية الله الشيخ عيسى قاسم، بعد أن قتلت ٥ من الشبان الفدائيين، وجرحت العشرات، واعتقلت المئات، وسط رواياتٍ حكت عن مآسٍ وفظائع تم ارتكابها قرب منزل الشيخ وعلى عتبة بابه، والذي لازال محاصراً بالقوات حيث تُفرض على الشيخ الإقامة الجبرية، وهو إشعارٌ آخر يلخّص طبيعة الانتقام الممنهج الجاري، والموغِلِ في الحقد والإجرام، وخلافا لما يقتضيه شهر هو من أعظم الشهور عند الله، إلا أن أغلال شياطين آل خليفة تفلّتت فيه، وبما هو أشد وحشية مما مضى من الشهور والسنوات، اقتداءاً بشياطين آل سعود الذين كانوا على الدوام أسوةً الخليفيين في الأقوال والأفعال.

دائرة الجرائم والتعديات الخليفية

دخلت البحرين العام الجديد ٢٠١٧م وهي مثقلة بتضخم المشروع الخليفي في استهداف وجود السكان الأصليين، والذي بلغ أوجه مع تجاوز الخط الأحمر في العلاقة مع الشيخ عيسى قاسم – أكبر المرجعيات الدينية المحلية – بعد أن أسقط النظام الخليفي جنسيته في يونيو ٢٠١٦م، وحاصرت القواتُ الخليفية بلدة الدراز بعد أن توافد المواطنون حول منزل الشيخ في البلدة وأقاموا الاعتصام المفتوح الذي شكّل علامةً فارقة في المواجهة مع النظام، ولاسيما أن الاعتصام كان محفوفا بقيادة من علماء الدين البارزين الذين سرعان ما سيتم استهدافهم أيضا بحملةٍ غير مسبوقة من الاستدعاءات والاعتقالات المستمرة.

دعوة العلماء للهبة الشعبية

في ظل هذه الأجواء؛ أصرّ النظام الخليفي على إظهار قسوة مضاعفة للتعبير عن استعداده للمضي في هذه المواجهة إلى أقصى حدود القمع والقتل، وتم ذلك من خلال تنفيذه لحكم إعدام النشطاء الثلاثة في ١٥ يناير ٢٠١٧م، ليسنّ بذلك مسارا جديدا في خرْق كلّ الاعتبارات والتحفظات السابقة بشأن الالتزامات الدولية والدعوات الحقوقية التي لم تكف عن المناشدة لإلغاء الإعدام.

لم يكن إعدام كلٍّ من النشطاء عباس السميع، سامي مشيمع، وعلي السنكيس؛ معزولاً عن المسار السابق الذي خطّه النظام، ولكن حادثة الإعدام شكلت بدورها تعميقاً لذلك المسار من خلال تثبيت النظام جوانب إضافية في سياسته المعهودة، وفي تنويع أدوات القمع والانتقام، وهو ما يتضح مع الظروف المرافقة لتنفيذ جريمة الإعدام، وعدم السماح بتسليم جثامينهم إلى أهاليهم لتشييعها بشكل لائق، وفرضه مكان دفنهم في مقابر بعيدة عن مسقط رأسهم، فضلا عن محاصرة مقبرة الماحوز، حيث دُفن الشهداء الثلاثة، ومنع أهاليهم والمواطنين من الدخول إليها لزيارة قبورهم، وهو منع استمر عدة أشهر، وأخذ “دلالة مقصودة” حينما تبيّن أنها بداية لترسيخ هذا النمط في الانتقام مع بقية الشهداء وأهاليهم الذين استشهدوا في ظروف خاصة.

هذا السلوك الانتقامي، وإضافة إلى عملية الإعدام ذاتها؛ لم تنجح في تحقيق الهدف “الإستراتيجي” المتمثل في كسر إرادة الناس، وإصابة الحراك الشعبي بالهزيمة الداخلية، وقد ساعد على ذلك بروز ظاهرة “الموقف الزينبي” بوضوح أكبر، بالإشارة المواقف العلنيّة لأمهات الشهداء اللواتي أبرزن صبراً وصمودا لافتاً في مواجهة هذه الإجراءات الانتقامية، كما عبّرن بمعية ذلك عن شحنة ظاهِرة من التحدي الذي تجلّى في التعبير عن الافتخار بأبنائهن الشهداء، والتأكيد على مظلوميتهم والتمسُّك بالأهداف والرسائل التي حرص الشهداء على تسريبها قبيل تنفيذ الإعدام وخلال الزيارة الأخيرة التي أُجريت مع الشهداء عشية الإعدام.

٣

إلى ذلك، كان لعملية الهروب الجماعي من سجن جو المركزي، والتي وقعت في الأول من يناير ٢٠١٧م، (كان لها) بصمةً خاصة في المشهد العام الذي انسحب على الشهور اللاحقة، وحتى اليوم. فإضافة إلى الطابع النوعي للعملية التي لا يُعْرَف الكثير من أسرارها حتى الآن، فإنّ وجود اسم الشهيد الناشط رضا الغسرة بين القائمين عليها؛ أصابَ العقل الأمني للنظام بضربةٍ شديدة، بالنظر إلى المحاولات السابقة للشهيد في كسر القيود، كما قدّمت العملية شاهدا حيّاً على القدرة غير المحدودة التي يملكها الناس، داخل السجن وخارجه، لجهةِ امتصاص “الفعل القمعي” وتفريغ أدوات الانتقام من مفاعليها. لهذه الأسباب وغيرها؛ وضعَ النظام على رأس أولوياته ملاحقة السجناء المحرَّرين ومحاولة إعادة القبض عليهم بكلّ الطرق المتاحة، واستعان في ذلك بمختلف الأجهزة الإقليمية والدولية. وشنّ النظام انتشارا عسكريا واسعا في كلّ البلاد بحثا عن السجناء وحرّك في هذه السبيل كلَّ المخبرين والمجندين، إلى أن تم الإعلان في ٩ فبراير ٢٠١٧م عن تنفيذ إعدام ميداني للشهداء رضا الغسرة، محمود يوسف، ومصطفى يوسف، بعد اعتراض المركب الذي كان يحملهم عبر البحر خارج حدود البحرين.

٢

واجه الشهداء الثلاث ظروفاً شبيهة لشهداء الإعدام، حيث تم إخفاء حقيقة الظروف التي أحاطت جريمة تصفيتهم، كما دُفنوا سرّا في مقبرة بعيدة عن مكان سُكْانهم، ومُنع الأهالي والمواطنون من الحضور أو إقامة مراسم التشييع والدفان المعهودة. وفي المقابل، وُوجهت هذه الإجراءات ببروز أكبر للموقف الزينبي من جانب أمهات الشهداء، وتأصّل معه – وبالتوازي – الموقفُ الشعبي المتضامن، وخرج المواطنون في تظاهرات ومسيراتِ تشييع رمزية عبّرت عن “الاستفتاء” لصالح الشهيد الغسرة ورفاقه، وهو استفتاء صبّ في صالح خيار “المقاومة”، ما أعطى معنى نقيضاً للمعنى الرسمي الذي تحلق حول الشهداء ووصفهم بالإرهاب وما شابه، فيما كان الاحتفاء بهم شعبياً وتحوُّلهم إلى أيقونات للحرية و”المقاومة”؛ نتيجةً لها أثرها غير المحدود في مدّ الثورة بعناصر جديدة من التدفق المعنوي والنماذج الرمزية، ما نجحَ في إحباط المرامي الإستراتيجية لسياسة القمع الممنهج المتبعة، وعلى رأسها قطع شرايين الثورة المعنوية ونزْع مصادر اتصالها بالكوادر الميدانية.

مع توالي سقوط الشهداء: عبد الله العجوز (٢٠ فبراير ٢٠١٧م)، الناشط محمد سهوان (١٦ مارس ٢٠١٧م)، الشاعر منصور آل مبارك (١٦ مارس ٢٠١٧م)، الفدائي الأول مصطفى حمدان (٢٤ مارس ٢٠١٧م)؛ كان الخليفيون يُمعنون أكثر في ارتكاب الانتهاكات والتعديات على المواطنين والسجناء، وكانت وتيرة القمع والتصعيد الأمني تُوحي بأن “أسنان” التنين جارٍ تدريبها لكي تلتهم المزيد من الضّحايا، وأنها مقبلة على ارتكاب ما هو أكثر من القتل العابر. وقد كان الهجوم الدموي على بلدة الدراز في ٢٣ مايو ٢٠١٧م؛ الإشعارَ الإضافي على الطبيعة “الوحشية الراسخة” لدى النظام، حيث أسّس الهجوم لرسم خارصةٍ جديدة من التعديات التي كان عنوانها العام فضّ الاعتصام المفتوح حول منزل الشيخ عيسى قاسم، وما جرى أثناء تصفية ٥ من الفدائيين المعتصمين حول منزل الشيخ، وجرْح العشرات واعتقال المئات، كما تخلّل ذلك ارتكاب عمليات واسعة من التعذيب والإطلاق الناري الكثيف، بحسب ما تم توثيقه من مشاهد مصوَّرة.

١

إذن، دخل المواطنون شهر رمضان ٢٠١٧م وهم ملوّنون بدماء غزيرة من خمسة من الشهداء، وهم: محمد حمدان، محمد كاظم زين الدين، محمد الساري، أحمد العصفور، ومحمد العكري. وقد جرى على هؤلاء الشهداء ما جرى على شهداء الإعدام الثلاثة وشهداء الحرية والمقاومة الثلاثة، من الدفن السري بعيدا عن مسقط رأسهم، ومنع مراسم التشييع والزيارة المفتوحة لروضاتهم. وقد قوبل ذلك أيضاً برفض واضح من أهالي الشهداء الذين صدّروا أكثر من بيان يدين “هذه الجريمة الإضافية” بحق الشهداء، كما عزّز علماء البحرين هذا الموقف من الناحية الشرعية، وأكدوا بأن هذا الإجراء مخالف للشرع وقواعد الدين.

تظلل شهر رمضان بهذه الأجواء الحزينة، إضافة إلى الشدّ الذهني بين عموم الناس نتيجة فرْض الإقامة الجبرية على الشيخ قاسم، منذ بدء الاجتياح الدموي في ٢٣ مايو، والخشية على وضعه الصحي ومخاطر التخطيط القائم لتسفيره قسرا خارج البلاد. وهي مخاوف لم تهدأ رغم الزيارة الغامضة التي قام بها عدد من علماء الدين، وبينهم السيد عبدالله الغريفي، لمنزل الشيخ قاسم بتاريخ ٣٠ مايو ٢٠١٧م.

مع هذه القائمة الطويلة من الدماء والجرائم، كان من المتوقع أن يشهد شهر رمضان الماضي لوناً آخر من الدماء، على النحو الذي عبّرت عنه دماء الشهيد الناشط نبيل السميع، والذي استشهد خلال شهر رمضان، في ١٨ يونيو ٢٠١٧م، وجرى عليه أيضاً ما جرى على شهداء يناير وفبراير ومايو من العام الجاري، بمنع تسليم جثمانه ودفنه قسرا بعيدا عن مسقط رأسه، خلافاً لوصيته المكتوبة، بغرض منع الاحتفاء الشعبي به وتشييعه جماهيرياً.

٤

ومع قصص التعذيب التي كان يتعرض لها مختطفو اجتياح الدراز؛ كان البحرانيون يقضون شهر رمضان بسماع حكايات تعذيب جديدة طالت النشطاء والمعارضين، وبشكل وحشي، وذلك في مبنى جهاز الأمن الوطني في المحرق، وكانت الناشطة ابتسام الصائغ الحالة الأكثر دوياً من بين حالات تعذيب النشطاء، حيث تعرضت لتعذيب جسدي ونفسي شديد ما أدى لإصابتها بانتكاسة نفسية، ولكنها سرعان ما استجمعت قوتها الصّلبة، وأعادت حضورها الحقوقي والشعبي، وكشفت للمنظمات الحقوقية الدولية ما تعرضت له من تعذيب، وهو موقف “استثنائي” في وقتٍ امتنع نشطاء آخرون تم استدعاؤهم للجهاز وتعريضهم للتعذيب هناك؛ (امتنعوا) عن الإفصاح عما جرى لهم، واضطر البعض منهم للاتسحاب من النشاط العام خشية من تكرار تعذيبه.

مع اعتقال النساء، وتصعيد المضايقات ضد السجناء؛ يُصبح مجموع الانتهاكات في شهر رمضان الماضي الأقرب إلى اختزال خرائط الجرائم التي لاحقت المواطنين في البحرين منذ بدء الثورة وحتى ما بعد عيد الفطر. ولعلّ ذلك ما جعل شياطين آل خليفة أكثر التماساً للذهاب بعيداً في “حسم” الأمور، وقبل أن تنقلب أو ترتدّ عليهم، لكونهم يُدركون – مع تجربة سنوات الثورة – أن امتلأ الكأس بالمرّ والمرارة لا يمكن إلا أن يؤدي إلى الانفجار، ومن حيث لا يحتسبون.

فحوى التظاهرات والاحتجاجات و”العمليات”

أخذت التظاهرات في شهر رمضان ذات الروح التي عمّت البلاد منذ بداية العام ٢٠١٧م، حيث واكب المواطنون الحدث اليومي عبر الاحتجاج في الشوارع والميادين وإقامة الفعاليات الخاصة. وعلى الرغم من التشديد الأمني، وحملات الاعتقال التي استهدفت النشطاء، إلا أن الإرادة الشعبية والثورية – المتمثلة في القوى الثورية المعارضة – حرصت على الإبقاء على فعالياتها وإضافة أجندة جديدة على مستوى تحريك الميادين والساحات، بما في ذلك البرامج الموسمية المعتادة (يوم القدس العالمي، والتضامن مع المنطقة الشرقية بالسعودية مثلا). وقد كانت هناك أحداث أكثر تفاعلاً في هذا الشهر على مستوى الاحتجاج الشعبي، وكذلك على مستوى إبانة تعدُّد اتجاهات القمع والاضطهاد الخليفي، ومنها:

اجتياح الدراز وما نتج عنه من استشهاد ٥ فدائيين، واعتقال المئات من المعتصمين، وكذلك فرض الإقامة الجبرية على الشيخ قاسم.

شموع الفداء الدراز

المداهمات التي شهدتها البلدات، وحملات الاقتحام التي تخللها الاعتداء على النساء واعتقال عدد منهن، وخاصة في بلدات الدراز، الدير، والديه.

الانتهاكات التي لم تتوقف بحق المعتقلين في السجون الخليفية خلال شهر رمضان، وما تعرضوا له من مضايقات وإجراءات شملت حرمانهم طعام الإفطار والزيارات وأداء الشعائر الدينية، وتنفيذهم سلسلة من الإضرابات بسبب ذلك.

الأحكام المغلظة التي استمرت المحاكم الخليفية في إصدارها خلال شهر رمضان، وشملت أحكاما بالإعدام والسجن المؤبد وسحب الجنسية والطرد من البلاد.

حكم اعدام حسين المرزوق

حملة الاستدعاءات والتعذيب الممنهج الذي استهداف النشطاء والمدونين والمعارضين في مبنى جهاز الأمن الوطني في مدينة المحرق، وما رشح بعد ذلك من تفاصيل التعذيب الوحشي وعمليات الابتزاز ومحاولات التجنيد التي مارسها المحققون مع النشطاء.

الموقف الأمريكي الداعم للنظام الخليفي والذي برز بوضوح مع لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالحاكم الخليفي حمد عيسى في العاصمة السعودية الرياض خلال القمة السعودية الأمريكية التي عُقدت في مايو ٢٠١٧م، والتي سبقت بيومين تنفيذ الاجتياح الدموي على بلدة الدراز.

الاستمرار في العلاقات الإسرائيلية الخليفية (والخليجية) والتي أخذت ظهورها الخاص مع اندلاع الأزمة الخليجية مع دولة قطر، والتصريحات الإسرائيلية التي تحدثت عن ظروف مؤاتية للتقدّم أكثر في العلاقات مع الخليج.

منع المجلس الرمضاني لوعد

-إغلاق صحيفة (الوسط) بعد فشل محاولات تدجينها أو إلحاقها ببقية الصحف الرسمية، ورفْع دعوى “جنائية” ضدها، ما اضطر الصحيفة لتسريح العاملين فيها عشية عيد الفطر. وسبق توقُّف إصدار الصحيفة حملة شعواء شنتها صحف النظام، وحرّضت السلطات الخليفية صراحةً على إغلاقها.

-حلّ جميعة العمل الوطني الديمقراطي (وعد)، بتهم تتعلق بموقفها المعارض، وحرص قياداتها، وخاصة إبراهيم شريف، على الانسجام مع الموقف الشعبي العام، والمشاركة في تأبين الشهداء، وتبع قرار حلّ الجميعة إغلاق مقراتها ومنع فتح مجلسها الرمضاني.

شعار يوم القدس

تحت هذه العناوين، تواصلت التظاهرات في شهر رمضان وفاءاً للشهداء الفدائيين، وتأكيدا على التضامن مع الشيخ قاسم بعد الحصار المفروض عليه وعلى البلدة وأحيائها، في الوقت الذي حاول النظام الترويج لصورة مخالفة لحقيقة ما يجري عليه وعلى البلدة، حيث بثّ تقريرا متلفزا حول أوضاع البلدة بعد الاجتياح، وقام نجل الحاكم الجلاد ناصر حمد بزيارة خاطفة للمركز الرياضي في البلدة، كما نظّم عدد من الأفراد زيارةً مبرمجة إلى رئيس الوزراء خليفة سلمان باسم أهالي الدراز. وقد فشلت هذه الوسائل في التغطية على الرفض الشعبي الذي استمر في البلدة، رغم الانتشار العسكري الكثيف الذي قمع عدة تظاهرات دعت إليها حركة شباب الدراز خاصة.

حمد وترامب تحت الأقدام

ومع بدء شهر رمضان، أعلن إئتلاف ١٤ فبراير عن إطلاق فعالية موسمية جديدة تحت عنوان “اليوم الوطني لطرد القاعدة الأمريكية في البحرين”، وذلك في أول جمعة من شهر رمضام من كلّ عام. وقد انطلقت تظاهرات بهذه المناسبة داس فيها المحتجون صور ترامب وحمد، وأكدوا رفضهم لوجود القوات الأمريكية في البلاد، داعين إلى سحب الأسطول الأمريكي الخامس من المنامة.

ومن بين التظاهرات والاحتجاجات الخاصة التي شهدها رمضان هذا العام، كانت التظاهرات التي دعت إليها قوى ومجموعات تتبنى العمل المقاوم” (مثل سرايا الأشتر، والمقاومة البحرانية وغيرهما)، وحثت فيها على التظاهر والنزول في الشوارع لتأكيد التأييد الشعبي للمقاومة. وتعتبر هذه التظاهرات هي الأولى من نوعها التي تدعو إليها هذه المجموعات، وقد لبّى المواطنون هذه الدعوة، وخرجت تظاهرات تقدمتها لافتات حملت أسماء المجاميع الثورية، كما نُفذت لتأكيد هذا الموقف عملياتٌ ميدانية واشتباكات شديدة مع القوات والمدرعات الخليفية.

مداهمات الدراز بعد الانفجار

وفي السياق، تم الإعلان عن عملية استهدفت آلية عسكرية تُشارك في الحصار المفروض على منزل الشيخ قاسم وبلدة الدراز، ونتج عن العملية مقتل أحد المرتزقة. وقد شكلت هذه العملية حدثا فاصلا خلال شهر رمضان، وقد أعقبها تنفيذ حملات واسعة من القمع ومداهمة المنازل واعتقال المواطنين وبينهم نساء.

وبسبب ذلك، نفذت مجموعات ثورية سلسلة من العمليات الرافضة للتعدي على النساء (غيرة الفدائيين مثلا)، وهي عمليات أخذت طابع الاحتجاج الغاضب وشكلت إشعارا باستمرار النهج الثوري في التعاطي مع الجرائم والانتهاكات الخليفية، كما أكدت عدم نجاح منهج القمع والحصار الخانق في إطفاء القدرة المحلية على إدارة هذا اللون من الاحتجاجات، والتي تأخذها عنوانها الملموس مع إغلاق الشوارع، ورؤية ألهبة النيران وهي تلتهم المركبات العسكرية.

تظاهرات مجاميع المقاومة

ومن الملاحظ أن العمل الثوري سجّل حضوره أكثر من مرة في بلدة الدراز، رغم الوجود العسكري والحصار الخانق المفروض عليها، وتم الإعلان عن عمليات قال منفذوها بأنها إنذار بأن القوات لن تجد الأمان المفترض رغم كثافة الانتشار العسكري وإجراءات المراقبة المشددة على مداخل البلدة وأحيائها.

كما أن الشوارع الرئيسية التي كانت – على المعتاد – اختيارا خاصا للعمليات النوعية؛ شهدت خلال شهر رمضان عمليات إغلاق بالإطارات المشتعلة مع سلسلة غير قليلة من الاشتباكات الشديدة مع الآليات الخليفية، ومن ذلك الشارع المعروف باسم شارع ١٤ فبراير، وشارع التحرير الدولي الرابط بين العاصمة المنامة والسعودية.

النموذج السعودي: الجرائم السعودية وصداها في البحرين

شكّل النموذج السعودي، على الدّوام، مصدرَ الإتباع والإلهام لآل خليفة، واتضح ذلك بنحو “أبشع” بعد زيارة ترامب إلى السعودية، ولقاء الأخير بحمد، وهو اللقاء الذي سجله المراقبون باعتباره “الضوء الأخضر” لتوسيع السعوديين من الحملة الدموية على مدينة العوامية، شرق السعودية، وتدمير حي المسورة التاريخي، ليأخذ آل خليفة الضوء نفسه لشنّ الهجوم على بلدة الدراز، والبدء في توسعة منحى ومحتوى الهجمات التي بدأت وتيرتها الجديدة منذ سنة ماضية.

الدراز ترامب ظريف

وكان لافتا أن المنظمات الحقوقية الدولية تبنت ذات الرؤية بشأن نظرية “الضوء الأخضر” بعد زيارة ترامب، كما أن تعليقات سياسية صدرت من بعض الجهات، منهم وزير خارجية إيران وحزب الله؛ أكدت على هذا المعني في سياق التعليق على القمة الأمريكية في السعودية. وتحدث نشطاء أيضاً عن بصمات سعودية “واضحة” في “نوعية” الجرائم التي تم ارتكبها قبيل شهر رمضان وخلال الشهر الكريم، بما في ذلك الجرائم التي طالت النساء وتشديد الحصار على بلدة الدراز ومنزل الشيخ قاسم، وبالاستفادة من الوسائل السعودية المعروفة في التضليل وفي قلب الحقائق.

العوامية الدراز

وسّع السعوديون على نحو “جنوني” الهجوم على بلدة العوامية، وتم تدمير أحياء مختلفة من البلدة، وتطبيق سياسة “الأرض المحروقة”، وباستعمال الأسلحة الثقيلة، وتخلل ذلك تنفيذ  عمليات اغتيال لعدد من الناشطين. وتغطّى النظام السعودي بذريعة “الهجوم على رجال الأمن” للإمعان في هذه الحرب، وبالاستعانة بغطاء أمريكي واضح، مع توجيه إعلامي مضلل للتغطية على ما يحصل في البلدة التي جرى الاستمرار في خطة شيطنتها وتحويلها إلى “وكر للإرهاب”.

تلقف آل خليفة هذا “النموذج”، وتم تطبيقه في البحرين، حتى باتت الأذرع السعودية متقاطعة مع أذرع الخليفيين، وبالامتداد من العوامية إلى الدراز، وذلك بحسب التصريحات واللافتات والشعارات التي تطرقت إلى أوضاع المنطقة الشرقية والبحرين، وبعد زيارة ترامب على وجه الخصوص. وعلى هذا النحو، سُمع من الموالين لآل خليفة دعوات التحريض للأخذ بساسية الاجتثاث والتدمير التي تتبعها السعودية في المنطقة الشرقية، وتنفيذها في البحرين، كما فعلت الكاتبة التابعة للنظام، سوسن الشاعر، التي “دعت” النظام إلى تدمير بلدة الدراز والبلدات البحرانية على نحو ما يفعل آل سعود في حي المسورة في العوامية، بدعوى القضاء على “أوكار الإرهابيين والمخربين” و”تجفيف” الينابيع التي يعتمدون عليها.

إعدامات السعوديةالعوامية الدرازبعد زيارة ترامب عوامية بحرينانقلاب محمد بن سلمانمنازل السكان الأصليينالعوامية الدراز

الأزمة مع قطر: فحش في شهر رمضان

مع اندلاع الأزمة الخليجية؛ أخذ الملف البحراني حضورا آخر في إطار الصراع الجديد بين المحور السعودي ودولة قطر، وقد تمدّد هذا الموضوع على أكثر من مستوى من التعاطي في الدول الخليجية، وذلك مع الاتهام السعودي/ الخليفي بوقوف النظام القطري وراء اندلاع الاحتجاجات في البحرين في العام ٢٠١١م، وهو اتهام لم يقف عند حدود “التكهن” بعد أن أضحى مادة “دسمة” في حرب التراشق الإعلامي والسياسي وخاصة بعد إعلان النظام الخليفي عن الاتصال الهاتفي بين مستشار الأمير القطري والشيخ حسن سلطان، القيادي في جمعية الوفاق (المغلقة)، والزعم بأن هناك تنسيقا بين الدوحة والمعارضة لدعم ثورة ١٤ فبراير. وعلى الرغم من النفي القطري وتثبيت تقرير المحقق شريف بسيوني وجود مبادرة قطرية لمعالجة أحداث البحرين، وأن الاتصال جاء في هذا السياق؛ إلا أن الخليفيين والسعوديين وسّعوا من الهجوم على قطر من خلال الاتهام المذكور وإلى أقصى درجات الفبركة والتدليس والفجور في الخصومة.

حمزة الحسن خسران السعودية مع قطر

وقد دخل نجل الحاكم الخليفي، ناصر حمد، على خط التراشق المضاد، ووجّه تهديدات إلى الدوحة خلال كلمة ألقاها في شهر رمضان أمام قوات الحرس الوطني، وهي التهديدات التي تناولها القطريون عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالسخرية اللاذعة، وسُجلت في هذا المجال أوسع حملة مضادة من جانب الدوحة ضد الخليفيين وشخص ناصر، كما بدا من الهاش تاغ الأشهر الذي تم تداوله في هذه الحملة، والذي حمل عنوان “نصّور يالمعجزة“.

وقد اكتسح الملف القطري جزءا واسعاً من الانشغال المحلي، وخاصة بعد تهديد النظام بعدم التعاطف مع قطر، واعتقال المحامي عيسى ابو رشيد على خلفية دعوى رفعها ضد الحكومة الخليفية بسبب مشاركتها في الحصار على قطر ومنع مواطني البلدين من السفر، وما نتج عن ذلك من أضرار اجتماعية بالنسبة للأسر المختلطة. وعلى الرغم من الإفراج لاحقا عن المحامي، إلا أن بيان المفوضية السامية لحقوق الإنسان الذي انتقد فيه الحصار على قطر، وحذّر من آثاره السلبية على المواطنين العاديين؛ كان مدخلاً لإعاقة العلاقة مجددا بين آل خليفة والمفوضية السامية، حيث أُعلن بعد البيان المذكور عن تأجيل زيارة المفوضية إلى البحرين، وذلك على الرغم من اللقاء الذي جرى قبل بين ذلك بين عبد الله الدوسري – مساعد وزير الخارجية الخليفي – والمفوص السامي زيد بن رعد، والذي رشح عنه الإعلان عن الموافقة على زيارة المفوضية للبلاد.

زيد بن رعد والبحرين

ولخّص هذا المؤشر السلبي التدهورَ العام في الموقف الخليفي تجاه المؤسسات الحقوقية الدولية، والذي انعكس عمليا مع توسيع حملات الاستهداف ضد النشطاء الحقوقيين، وعلى النحو الذي عبّر عنه الاستهداف الممنهج الذي تولاه جهاز الأمن الوطني ضد النشطاء والمعارضين السياسيين والمدونين، والذي تعرضوا للتعذيب الجسدي والنفسي والابتزاز من أجل وقف نشاطهم المعارض، وهي السياسة التي أخذت أبعادا أوسع مع محاولة تجنيد وابتزاز النشطاء الموجودين في الخارج، وعلى النحو الذي كشفت عنه مفصَّلا المدونة (بحرين دكتور @BAHRAINDOCTOR) في سلسلة من التغريدات على حسابها في موقع تويتر.

فاتورة قطر البحرينقطر محطة تعاون مع البحرينقطر والمنطمات الحقوقية البحرانية

ينصور يا المعجزةهجوم خالد على قطرهجوم متجدد على العوامية

العبارة الأخيرة: عيد الفطر معفّرا بالدّماء

حلّ عيد الفطر ٢٠١٧م معفّرا بدماء الشهداء، كما جاء في عنوان التقرير المتلفز الذي أعدته (البحرين اليوم) بمناسبة حلول عيد الفطر هذا العام.

خامنئي ولابحرين

لقد كان شهر رمضان الفائت محمولا بمدى واسع من الأفعال السوداء، وتوالت على المواطنين جريمة تلو الأخرى، في انعكاس لـالطبع الخليفي والسعودي أيضا الذي لا يحمل اعتبارا أو احتراما للمناسبات والقيم الدينية، فلم يراعوا ما يقتضيه هذا الشهر الكريم من “كرم” و”رحمة” و”غفران.. لا مع الوضع في البحرين ولا في العلاقة مع قطر، فضلا عن عموم المواطنين في الخليج المتضررين من كلا الملفين المأزومين. إلا أن الشعور الدفين الذي استولى على الناس، بعد كلّ ما جرى يجري؛ هو أنّ هذا الإيغال في التوحش المنظم ينبىء بالسقوط المدويّ للداعم الأساس لآل خليفة، وهم آل سعود، وهو المعنى الذي الذي افتتح به قائد الثورة الإسلامية في إيران، السيد علي خامنئي، مجالس شهر رمضان، وأكد بأن “آل سعود يتجهون إلى السقوط والزوال الحتمي”، ما أخذ معناه الواضح مع مجيء محمد بن سلمان إلى ولاية العهد، وانطباق التحليلات التي أكدت بأن ابن سلمان في طريقه السريع نحو العرش، وعلى حساب “ثبات” بيت آل سعود الذي يُتوقع أن يشهد تقوّضا من الداخل مع احتمال اطّراد التململ بين الأمراء واشتداد المواجهة بين الأجنحة.
العراق وإبعاد الشيخ قاسمومع انقضاء شهر رمضان، يترقب البحرانيون المخطط الأسوأ الذي يُحاك ضد الشيخ قاسم، وذلك بتسفيره خارج البلاد، في الوقت الذي يوحي بأن محاصرة الشيخ في منزله، منذ ٢٣ مايو الماضي، يُخفي رغبة خليفية في تقطيع أواصر الصلة والتواصل بينه وبين الناس، وعلى نحو تدريجي وعلى طريقة الإماتة البطيئة وكسر الرابط المادي مع الشيخ، وإلى أن يُصار إلى مرحلةٍ يتم تغيبب الوعي العام عن حضور الشيخ والملامسة الروحية معه، في خطوةٍ تقلّل بعدها – بحسب الاعتقاد الخليفي – ردود الأفعال الشعبيّة في حال الإقدام على خطوة الإبعاد.

ومن المؤسف أن حجم الجرائم والانتهاكات التي وقعت خلال شهر رمضان، وبعضها كان استمراراً لما كان قبله؛ لم يجد فعلاً سياسياً مناسباً من القوى السياسية أو الدينية داخل البلاد، وهو ما ينبىء عن حجم التقويض الفعّال الذي تعرّضت له الشخصيات والجماعات السياسية المعارضة، وخاصة بعد قرار حلّ جمعيتي (الوفاق) و(وعد)، وبعد نجاح أدوات الإسكات والترهيب والتهديد والتعذيب في إبعاد معارضين بارزين عن تصدُّر المشهد السياسيّ، والنأي بنفسهم عن الوقوع في “الأخطاء” التي ينتظرها النظام منها، للمبادرة في اعتقالهم أو إيقاع الاضطهاد الإضافي عليهم. إلا أنّ هذا الغياب لم يؤد – كما كان متوقعا – إلى انتكاس الحراك الشعبي أو تضعضع المبادرات الثورية التي كانت، منذ البدء، هي الأساس في إبقاء الثورة وإشعال جذوتها، في الوقت الذي تأكد – بعد كل ما جرى – بأن الرهان على القوى الثورية هو مرتكز الوعي لدى عموم الناس وحصنهم في تحمُّل التضحيات، وفي توقُّع الإنجازات.. مهما تعثرت المسالك، أو تعفّرت الأجواء بالدماء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى