ما وراء الخبر

وسط أفراح “حلية” قيادة المرأة للسيارة في السعودية: تحلّل آل سعود وانحلال العقد الوهابي

 

البحرين اليوم – (متابعات)

أثار قرار الملك السعودي سلمان بالسماح للمرأة في السعودية بقيادة السيارة، الثلاثاء ٢٦ سبتمبر ٢٠١٧م (أثار) ردود أفعال متفاوتة على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي حين استقبلت النساء في البلاد القرار بالترحيب الحار، واعتبرته الناشطات “انتصارا” لحملات سابقة تعود إلى عقد التسعينات؛ فإن البعض اعتبره مؤشرا على طبيعة الحكم السعودي “الجديد” في ظل الوضع المضطرب الذي تموج به العائلة السعودية مع الصعود الدراماتيكي لولي العهد محمد بن سلمان الذي تُرجّح العديد من الأوساط السياسية وصوله إلى العرش في وقت قريب بعد الإنقلاب المفاجيء الذي نفذه على ولي العهد السابق محمد بن نايف الذي يخضع للإقامة الجبرية.

الناشط والمدون منصور الحادج ذكّر بتصريح لمحمد بن سلمان قبل أشهر برّر فيه عدم السماح للمرأة بقيادة السيارة إلى أن “المجتمع لا يزال لا يقبل ذلك”، وأضاف بأنه “لا يمكن أن يُفرض على المجتمع أمرا لا يرغب به”. وهو تبرير تساءل معه المغردون عن “التغيرات” التي طرأت داخل المجتمع “السعودي” ليتقبّل هذا الأمر بعد بضعة أشهر، بحسب تبرير ولي العهد الذي يرى متابعون بأنه يتحرّك من خلال جملة من المستشارين “المتناقضين” الذين سيتسببون في نهاية المطاف في “غرق البلاد” ومن بوابة “الانفتاح الاقتصادي المنفلت” بحسب ما يختصر بعض الباحثين رؤية “الشاب المتهور” التي أعلنها تحت شعار “٢٠٣٠”.

وغير بعيد عن ذلك، فقد سارع مدونون وناشطون إلى استدعاء أطنان التغريدات و”الفتاوى” التي كانت تحرّض ضد المرأة على مدى العقود الماضية، وتبرُّر القرار الرسمي المفروض بأمر الواقع بعدم السماح لها بقيادة السيارة بتبريرات فقهية وتآمرية من الخارج، كما استرجع مدونون آخرون الاضطهاد الذي تعرضت له النساء الناشطات في حملات المطالبة بهذا الحق خلال السنوات الماضية، حيث تعرضن للاحتجاز والتحريض الإعلامي وتشويه السمعة من بوابة “الفتاوى الوهابية”.

ورغم أن أنباءا تم تسريبها منذ مطلع الشهر الجاري بصدور هذا القرار، وبروز بعض المؤشرات بشأنه قبل أيام (من قبيل توقيف خطيب وهابي سعودي عن الخطابة لتهجمه عن المرأة، والسماح للمرأة بدخول استاد أُقيمت فيه احتفالات بما يُسمى العيد الوطني)؛ إلا أن هناك منْ وضع صدور القرار في سياق ما يُطلق عليه عليه البعض تهكما بـ”العلمانية الوهابية” التي يريد ابن سلمان إدخال “المملكة” فيها لعبور الطريق نحو رؤيته في الانفتاح، وهي طريق يجد “الملك المقبل” أنها “ضرورية” لإعادة تبيئة “النخبة النجدية” التي يتحالف معها، وبما يسمح له بإطلاق الحزمة المتبقية من “التغييرات الجذرية” في نظام الحكم السعودي المقبل، وعلى النحو الذي يجعل من “دولة أرامكو المنفتحة وفق النموذج الأمريكي” نموذجا معمّما في البلاد، وبشكل لاهث، وصولا إلى فتح الباب على مصراعيه لخارطة السياحة التي ينتظرها مشروع “البحر الأحمر” الذي تحدث عنه الإعلام الرسمي قبل شهرين، وقيل حينها بأن “المايوه” سيكون مسموحا به على شواطيء الجزر السياحية التي سيتضمنها المشروع المذكور، وهو ما يعني بالنسبة لصانعي “السعودية الجديدة” ضرورةَ الإسراع، ومن غير تردُّد، في تقليم أظافر “الوحش الوهابي” الذي يسكن في مخدع آل سعود منذ أن أسسّوا “المملكة السعودية”. أي أن يشرب الجميع السّم، ولكن بالمفرَّق!

من الأفضل الأخذ بنصحية منْ يدعو للتريث قبل التهليل نحو آل سعود بسبب إصدار هذا القرار، كما فعلت الخارجية الأمريكية التي أصدرت بيانا باركَ القرار بعد صدوره بدقائق. ولكن يصحّ لمعارضي آل سعود الراغبين في التفاؤل أن يجدوا في هذا القرار سبباً للبشارة. فعلى المسافة ذاتها التي “تتحلّل” فيها السعودية من بعض سواءاتها الوهابية، فإنها تدفع بنيتها الأم نحو التحلّل والضمور التدريجي، وما يقوم به حكام آل سعود الجُدد هو إسهام غير مقصود – وقد يكون مدفوعين إليه على طريق السياسات التآمرية التي تحكم هذا العالم – في مسبّبات الانفجار الداخلي، وإشعال الحرب بين القطبين اللذين أسّسا الحكم السعودي. وسوف يكون على “القيادة السعودية” أن تُدرك أن “الشاب الحيوي والمنفتح” – بحسب تعبير السفير السعودي في واشنطن وهو يروّج للقرار – هو ذاته أحد الأضلاع التي يمكن أن تكون سببا في إحداث الهشاشة العميقة داخل النظام الوهابي والثورة عليه آجلا، وبالتالي توطئة الطريق لتفسّخ “العقد” الذي تأسّس عليه التحالف الوهابي السعودي. وفي كلّ هذا التموّج، لابد من استحضار العقل الأمريكي في إدارة “سعوديةِ محمد بن سلمان”، وهي إدارة يعرف دونالد ترامب، وزوجته المصون، في أي اتجاه ينبغي أن تُوخذ، وما الحدود التي يجب أن تتوقف عندها، وبميزان المصالح الأمريكية أولا وأخيرا.

قد يكون من المصادفة أن يكون يوم الإعلان عن هذا القرار هو نفسه اليوم الذي أعلنت فيه منظمة هيومن رايتس ووتش عن تقريرها الجديد الذي وثق الكراهية المذهبية التي تعانيها الأقليات الدينية في السعودية، وخاصة الشيعة، من جانب رجال دين تابعين لآل سعود ومن المؤسسة الدينية المتحالفة معهم. لم ينشغل آل سعود بالحوادث التي راح ضحتها أعداد كبيرة من النساء، من ربات المنازل والمعلمات والطالبات وغيرهن، بسبب منعهن من قيادة السيارة، ومنها الحادثة التي وقعت في يوم صدور القرار لطالبات جامعيات وأخريات من المنطقة الشرقية. كما أن القرار ليس فيه رائحة تفوح برغبة من لدن النظام السعودي في التخلي عن النظام التمييزي الذي ينخر بنية النظام كله. والأكيد أيضا أن الاعتقالات القمعية، وعمليات الإعدام، والاستبداد المشرعن، والاضطهاد الديني والمذهبي، و”الإباحيّة” السياسية والدموية في داخل البلاد وخارجها، وشرور الوهابية المستحلبة من شرور آل سعود أنفسهم.. كلّ ذلك لن يكون على “أجندة” محمد بن سلمان الذي اختصر معدنه قبل أشهر حينما قارب عدائه لإيران من خلال عقيدة المهدي المنتظر، وبلكنة فيها تشنيع بهذه العقيدة التي يؤمن بها الشيعة.

إنّ السماح لقيادة المرأة السيارة في السعودية، هو قرار جزئي يحقّ ولاشك للنساء ولغيرهن الفرح به، مع ما ارتبط به قرار المنع من إجحاف وإساءة وتمييز ضد المرأة، ولكن قرار “التحريم والحلية”؛ سيظل مؤشرا، وإلى حدّ فجيع، على طبيعة النظام السعودي الذي يحتكر لنفسه الحقّ في إصدار ما يشاء، ومحو ما يشاء، وبالكيفية التي يريدها، وبالمسطرة التي يحدّدها، وبالتوقيت والمساحة والأغراض التي يرسمها الأمريكيون. هذه هي تحلّلات وإباحيّات حليّة قيادة المرأة للسيارة في بلاد “الوهابية السعودية”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى