ما وراء الخبر

الزحف على البطون نحو انتخابات ٢٠١٨: منْ يكسر أخشاب “الطرواديين”؟

البحرين اليوم – (متابعات)

ليس هناك أيّ شيء مفاجيء قد يصدر بعد الآن مما تبقى من الجمعيات السياسية في البحرين، بشأن الانتخابات البرلمانية المقبلة في العام ٢٠١٨م. بالنسبة لآل خليفة، فإن المشهديّة السياسية اليوم باتت أشبه بالحانة المستباحة، وليس هناك من أي قلق أو خشية من أي صوت “سياسي” يمكن أن يُزعج “العرس الخليفي”. والأمر هنا لا يقتصر فقط على جمعية “المنبر التقدمي” أو غيرها من الباقيات “غير الصالحات” من مشروع الخليفيين التخربيبي، ولكنه يتصل مباشرة بالاختبارات الأخيرة التي يحاول النظام تنظيمها وتجريبها قبيل إزاحة الستار عن “مسرحية” الانتخابات التي باتت ممجوجة من المراقبين بعد أن اقتلع النظام كل المعارضين السياسيين، ليختم بالشمع الأحمر على أشهر الأكاذيب التي كان يتفاخر بها حمد عيسى (كذبة “الجمعيات السياسية”) وذلك حينما كان “ملك الأكاذيب” لازال ثملاً وهو يؤدي دوره المكتوب في العبور من الاستبداد المقنن إلى الاستبداد المبطن (١٩٩٩-٢٠٠٢)، ومن الأخير إلى الاستبداد المعلن (٢٠٠٢-٢٠١٠)، ومنه إلى الاستبداد المعكسر (٢٠١١- حتى اليوم).

على الأقل، وخلال العقود الماضية، ما كان يحدث هو أن النظام كان في كلّ مرة يجري تجريب “ديكور سياسي” معين وفق طبيعة النموذج الاستبدادي السائد. كان متاحا في المجالس والمنتديات السياسية، وحتى ما قبل أغسطس ٢٠١٠م؛ النقاش حول الخيارات المختلفة التي تحاجج في إمكان الاجتهاد والدخول في “الديكورات” السياسية التي “يمنحها” النظام لتجميل الاستبداد القائم، وكان السياسيون يفعلون ذلك بذرائع تبدأ من “الواقعية السياسية” ولا تنتهي بـ”فكاهيات اللبن المسكوب” التي تحولت إلى “مانفيستو” سياسي عند بعض وجوه المعارضة. ولكن، منذ دخول البلاد مرحلة الاستبداد الذي يقوده العسكر المجانين والمراهقون – بكل ما يعني ذلك من توتاليتارية قبلية فتاكة وقليلة الحياء – فإنه لم يعد ثمة أفقا سياسيا واعيا يمكن أن يتداول مثل تلك الاجتهادات التي تضحك على نفسها – أو تتضاحك على الآخرين – بترديد تلك الأقاويل والمقولات.

من هذه الزاوية؛ يمكن فقط التعاطي مع إعلان جمعية “المنبر التقدمي” الاثنين ٣٠ أكتوبر ٢٠١٧ مشاركتها في الانتخابات المقبلة. فلا حاجة هنا لتنبيه الناس وتحذيرهم من آثار الوهم المبرمج الذي أعلنته الجمعية بشأن برنامجها الانتخابي وأهدافها الوردية التي تريد تحقيقها في “مملكة التعذيب”. فهي (جمعية المنبر) تتوقع من الناس أن يمسحوا من رؤوسهم خلسةً ذاكرة القمع والاضطهاد غير المسبوق ليمنحوا النظام الذي يقلتهم ويمعن في إذلالاهم دون توقف؛ طوقَ النجاة بعد أن تلاشت كل أشكال الشرعية التي يحلم بها. كذلك، فإن هذا الإعلان يفترض أن يسخر فيه هؤلاء “البقايا”؛ من عقول الناس للمرة السادسة والقول بأنْ هاهنا “يد سحرية” يمكن أن تفعل التغيير المنشود الذي عجزت عنه أقطاب المعارضة – المعتقلون والملاحقون والمضطهدون اليوم – حينما كانوا يجرّبون حظهم مع تجربة المشاركة في البرلمان. والحال، أن سخريةً مثل هذه من هؤلاء “البقايا”؛ تُكرِّس في الواقع العادات القبيحة التي اعتادت عليها “البغايا” وهي تبيع خطابات الشرف في أسواق النخاسة.

جمعية “الطرواديين”

منذ أن تبلورت “معالم” المشروع الطروادي قبل نحو سنتين، كان واضحا أن الأمور آيلة إلى ما انتهت إليه اليوم، وخاصة لجهة اجتثاث المعارضين السياسيين، وسحق كل المنابر والواجهات والشخصيات التي من شأنها أن تُعيق المشروع الذي تم الاتفاق عليه بين الأحصنة الخشبية وضباط آل خليفة. وعندما بادرت (البحرين اليوم) إلى قرع جرس الإنذار بفضح هذه المشروع وشخوصه؛ كان مطلوبا حينها أخْذ الأمور على محل الجد، وألا يضعف المعنيون بالشأن العام أمام البكائيات أو العضلات التي داوم عليها، مثلا، حصانُ آل خليفة الطروادي محمد حسن العرادي، وخاصة في الفترة الأخيرة التي بدأ فيها الشروع في تأسيس جمعيته الخشبية (جمعية مبادرات)، وإلى حين إشهارها بأعضائها من ذوي السمعة السيئة.

في ٢٩ مايو ٢٠١٦ جاء في أحد تقارير سلسلة “حصان طروادة ما نصّه: “إن المعلومات الخاصة لدى (البحرين اليوم) تؤكد سعي مجموعة “طروادة” للعمل على إنشاء جمعية سياسيّة في عام ٢٠١٧م – أي قبل عام من انتخابات البرلمان الخليفي – وستتولى تلك المجموعة – ومتزعمها العرادي – قيادة هذه الجمعية وبطموح أن تنجح في استمالة منْ لديه قابلية للإنضمام إلى مشروعها من أعضاء القروب، وهم إذ يدركون صعوبة هذه المهمة “القذرة”، إلا أنهم – وبتأييد وتمكين من جهاز الأمن الوطني – لن يتوقفوا عن الاستمرار في هذه المحاولات”.

وبالفعل، تم الإعلان عن الجمعية السياسية قبل ٢٠١٨م، كما أطلق العرادي دعوة مجددة في الفترة الأخيرة لإحياء اللقاءات من خلال قروب “البحرين مستقبلنا” الإلكتروني، ليكون مشغَلا ومختبرا لصياغة العمل الذي تتجهز له جمعية “الطرواديين” قبيل موعد الانتخابات المقبلة التي يُراد لها – خليفيا – أن تكون جسر العبور نحو “الشرعية المفقودة”، وبالاستفادة من التوصيات التي يقدمها جهاز الأمن الوطني بعد تجربته الرهيبة مع المعارضين والنشطاء في “غرف الموت”. في هذا السياق، من المتوقع أن يجري العمل على رفع منسوب تلك اللقاءات في المناطق والبلدات، وبما يُتيح للنظام الفرص المؤاتية لتمرير الانتخابات “العسيرة” وسط هذه الأجواء المشحونة بالاضطهاد الممنهج وعمليات الإسكات والقمع الشاملة.

وفي هذه الحال، سيكون على الزاحفين على بطونهم نحو الانتخابات أن يتوقعوا أن الممانعة لن تكون هذه المرة فقط عبر خيار المقاطعة والمفاصلة الذي سيعلنه الناس في الشوارع والميادين، أو فقط بإغلاق المجالس والطرق في وجوه الطرواديين من رجال البزنس وحملة العمائم الخشبية؛ ولكن أيضا ينبغي أن يقدّم السياسيون المعارضون في الداخل – ممن لازالوا على خيار “الصدق مع الذات والآخرين” – النموذج الآخر الذي يعرف به الزاحفون نحو البرلمان بأن سيل الخدع والضحك على الذقون والاستهتار بالوعي وإنكار الواقع؛ لن يمر مرور الكرام، ولابد أن يتبلغ الفاحشون في الاستخفاف – ومنْ وراءهم من ضباط أجهزة القمع وغرف التعذيب – بأن الدعايات الممجوجة حول “كسر الجمود” وتهيئة الطريق للخروج من “النفق المظلم” و”الأزمة”؛ لا تكفي لإسباغ المشروعية الأخلاقية والسياسية على المشاركة في البرلمان. اليوم، وبعد كل ما جرى ويجري، لم تعد هذه المشاركة “خيارا” من بين خيارات ممكنة، بل هو “انشطار” ضد المجتمع والناس والمعارضة، و”انكسار” أمام إغراءات النظام وإرهابه، وهو بالتالي خيار الذين رضوا أن يكونوا مجندين لخدمة النظام وتنفيذ تعليماته.

وكيف كيف يفعل المعارضون السياسيون ذلك؟

بعد إغلاق جمعية “الوفاق” (يونيو ٢٠١٦)؛ تراجعَ نشاط أعضائها في الداخل، وبعد تفعيل “الجلسات” الخاصة لتعذيب وتهديد وابتزاز المعارضين والنشطاء في جهاز الأمن الوطني، ومع نتائج الهجوم الدامي على الدراز (مايو ٢٠١٧) ومحاصرة منزل الشيخ عيسى قاسم؛ انتهى النشاط السياسي العلني للجمعية المعارضة الأكبر داخل البحرين. ومن الواضح أن تكرار التجربة مع جمعية “وعد” هو الهدف المرصود من وراء استدعاء شخصياتها البارزة، ومن قرار حلها الأخير. كما كانت هناك أكثر من محاولة، بعضها بدأ منذ فترة، لمحاصرة “وعد” بالطرواديين وأشباههم من مشروخي الخيارات والمزدوجين، فضلا عن تسليط الإكراه والترهيب والقمع نحوها، وبأكثر من وسيلة. وحتى الآن، يبدو أن “البقية الصالحة” لاتزال تحتفظ بإرث عبدالرحمن النعيمي وبخُطى إبراهيم شريف، وهو “صمود سياسي” غير معروف نهايته حتى الساعة، ولكن من الثابت أنه الوحيد المتبقي اليوم في جسد “المعارضة السياسية” داخل البلاد، وهو ما يجعله محمَّلا بالعديد من التوقعات ولاسيما بخصوص إفشال التلويث السياسي الذي يتولاه مجندو آل خليفة الطرواديين، سواء أولئك الذين أسقطوا كل الحياء وانحشروا دون تردد في الصناديق الخشبية، أم أولئك الذين لازلوا يلعبون اللعبة القديمة التي اخترعها “اليساريون المحافظون” بوضْع قدم في الشرق وأخرى في الغرب، لكي يسلموا – كما يظنون – من اضطهاد النظام وانتقامه، ومن لعنات الناس والتاريخ على حد سواء. ولكن، ذكاء الناس ألمع من كل هذا الهراء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى