ساهر عريبيمقالات

الأمم المتحدة وسياسات الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: ساهر عريبي

إعلامي عراقي

 

أصدرت الجمعية العامه للأمم المتحدة قرارا في جلستها الثامنة والستين عام٢٠١٣ أعلنت بموجبه الثاني من نوفمبر من كل عام يوما عالميا لإنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة بحق الصحافيين. وتم اختيار هذا التاريخ إحياءا لذكرى مقتل الصحافيين الفرنسين لود فيرلون وجيزلين دوبونا بعد اختطافهما في بلدة كيدال شمالي مالي.

ودان هذا القرار التاريخي جميع الهجمات وأعمال العنف التي تُرتكب ضد الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام، وحثّ الدول الأعضاء على حماية الصحافيين واتخاذ تدابير محددة لإنهاء الافلات من العقاب ومساءلة مرتكبي الجرائم ضدهم و تقديمهم للعدالة، وتعويض الضحايا من الصحافيين وتعزيز بيئة آمنة ومؤاتية للإعلاميين لممارسة عملهم بشكل مستقل، ومن دون أي تدخل غير مبرر.

وجاء هذا القرار بعد أن تصاعدت وتيرة الإعتداءات ضد الصحافيين خلال العقد الأخير الذي لقي فيه قرابة الـ ٩٠٠ صحافي مصرعهم خلال تغطيتهم لمختلف الأحداث، ونشرهم أخبار ونقل الحقائق لعامة الناس. ولفت القرار إلى أن 7 بالمائة فقط من حالات العنف ضد الصحافيين تم حسمها قضائيا في العالم، مما يعني أن سياسات الإفلات من العقاب أوجدت مناخا أدى إلى تشجع ارتكاب المزيد من الجرائم ضد الصحافيين.

وعلى هذا الصعيد، احتلت منطقة الشرق الأوسط الصدارة وفقا لأحدث تقرير حول حرية الصحافة نشرته منظمة “مراسلون بلا حدود” في أبريل من هذا العام، ورسمت فيه خارطة قاتمة حول حرية الصحافة في أنحاء مختلفة من العالم، واصفةً الشرق الأوسط بالمنطقة الجغرافية الأسوأ ترتيباً على الإطلاق. ويبرز على هذا الصعيد اسم البحرين كواحدة من أسوأ دول المنطقة.

وقد أكدت المنظمة أن البحرين استعادت مكانتها في القائمة السوداء لأسوأ دول العالم على صعيد حرية الصحافة بعد أن احتلت المرتبة الـ ١٦٤ مشيرةً إلى زجها للصحافيين في السجن عقب اعتقالات جماعية، مع إبقائهم خلف القضبان لمدد طويلة وإلى حدّ مفرط.

وفي أحدث إجراء قمعي ضد الصحافيين، وبالتزامن مع هذا اليوم العالمي، أصدرت السلطات الحاكمة في البحرين أحكاما مطولة بسجن صحافيين بحرانيين، وهما كل من علي المعراج ومحمود الجزيري مع إسقاط جنسيتهما. ويعكس هذا الإجراء حقيقة أن السلطات أدارت ظهرها للمجتمع الدولي، ولم تعد تكترث لنداءاته وقراراته.

وأما السبب الكامن وراء ذلك فهي أيضا سياسات الإفلات من المحاسبة والعقاب على الصعيد الدولي. ويتحمل مسؤولية ذلك المجتمع الدولي نفسه الذي يغض الطرف عن الإنتهاكات الجسيمة، ليس لحقوق الصحافيين بل لحقوق الإنسان في العديد من دول العالم، ومن بينها البحرين. فهذا المجتمع يقف متفرجا وصامتا حيالها، مفضلا مصالحه الإقتصادية وتجارة الأسلحة على محاسبة تلك الانظمة الشمولية، ما أطلق يد تلك الأنظمة في ارتكاب الجرائم ضد مواطنيها عامة والصحافيين بشكل خاص.

ويبدو ذلك جليا في البحرين التي ترتكب فيها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وعلى الصعيد الإعلامي فإن الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام تعرّضوا ومنذ اندلاع الحراك الشعبي المطالب بالديمقراطية في فبراير من العام ٢٠١١؛ إلى الإستهداف وقضى عدد منهم نحبه داخل المعتقلات، ومنهم الناشر كريم فخراوي، والمدون زكريا العشيري، فيما قتلت القوات الحكومية بعض الصحافيين الميدانيين أثناء توثيقهم للأحداث كالمصور أحمد اسماعيل، و يقضي عدد من الإعلاميين أحكاما مطولة بالسجن حاليا، ومنهم المصور أحمد الموسوي وحسين حبيل وأحمد حميدان وآخرين، مما يجعل البحرين الدولة الأكبر على صعيد اعتقال الإعلاميين في المنطقة نسبة إلى عدد السكان.

ولذلك، يبدو أن قرار المنظمة الدولية الداعي إلى إنهاء سياسات الإفلات من العقاب من الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين؛ غير ذي جدوى طالما أن المؤسسة الدولية والهياكل والأجسام التابعة لها – مثل مجلس حقوق الإنسان – تبدو عاجزة عن اتخاذ أي إجراء لمحاسبة الأنظمة التي تنتهك حقوق الإنسان وخاصة الصحافيين، وهو ما يعني تشجيع تلك الأنظمة على ارتكاب المزيد من الإنتهاكات طالما أنها في مأمن من المساءلة والعقاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى