منوعة

في التصعيد “الخليفي” ضد قطر: راقصة الخليج أو “الملك الكومبارس”

 

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: باقر المشهدي

كاتب متخصص في شؤون الخليج

 

يبدو أن مشهد الأزمة القطرية قد أصبح أكثر تعقيدا بعد إعلان أمير الكويت، صباح الأحمد، فشل المفاوضات التي قادها منذ تفجر الأزمة القطرية في يونيو الماضي. تصريحات الصباح، الأسبوع الماضي، فُهمت على أنها تنبؤ بالمسارات الخطيرة التي قد تواجهها دول المنطقة في ظل استمرار الانقسام الخليجي، الأمر الذي يعني انهيار منظومة مجلس التعاون، والعودة بالمنطقة إلى مرحلة حروب القبائل وعدواتها القديمة. فضلا عن ذلك كله؛ فإن دخول الأزمة القطرية مرحلة القطيعة والطرد تعني أيضا بدء التحضير لأعمال عسكرية قد تقوم بها الرياض وأبوظبي ضد الدوحة، أو الاتجاه لفرض عقوبات مماثلة على الدول غير المنطوية (الكويت/ عمان) تحت لواء الرياض وابوظبي.

الجديد في المشهد أيضا هو دخول “ملك” البحرين، حمد عيسى، على خط الأزمة بشكل غير معتاد، ومطالبته بطرد قطر من مجلس التعاون الخليجي بعد أن فرضت بلاده تأشيرات على القادميين من الدوحة إلى المنامة. وكانت تصريحات وزير الخارجية خالد أحمد على حسابه في توتير ترجمة فعلية لما أراد “الملك” قوله. وبالفعل تلقت مجموعة الموالين هذه التوجيهات لتصب جام غضبها على النظام القطري، ولا تستثني الدول المحايدة، وبالتحديد دولة الكويت، ومطالبتها بالانخراط في الحلف الثلاثي، وإلا سيم معاملتها مثل معاملة قطر.

المراقبون اعتبروا أن توجيهات حمد عيسى الخليفة للرأي العام المحلي، والتصريحات التي تدور في فلكه؛ هي في الحقيقة تعليمات مباشرة صادرة من أبوظبي والرياض لدفع البحرين إلى الواجهة، في الوقت الذي تبدو البحرين أضعف دول المنطقة، ولا تقوى على مواجهة إعلامية تقودها قناة “الجزيرة” القطرية، فضلا عن التورط في مواجهة عسكرية أو سياسية. ويؤكد بعض المراقبين على أن رغبة كل من الرياض وأبوظبي هي طرد قطر من مجلس التعاون، على غرار ما حدث لسوريا في الجامعة العربية، إلا أن الرياض وابوظبي قدّما البحرين لتعلن عن هذه الرغبة.

 

اقتصاد القبيلة

 

الاستغلال السيء للموارد الاقتصادية في البحرين، وتوجيه الصرف ناحية البذخ الشخصي لأبناء “الملك”؛ إضافة إلى استنزاف ثلث ميزانية الدولة في تغطية الاحتياجات الأمنية الوهمية؛ تسبب في الانهيار الاقتصادي للبلاد. وهذا الانهيار من شأنه أن يضع البحرين في مرمى الممالك الغنية المجاورة مثل الرياض وأبوظبي، رغم الهيمنة التاريخية التي باتت معروفة لدى الجميع. فواحد من ضمن أهم الأسباب التي تدعو للتأمل في تصعيد الموقف “الخليفي” هو الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالنظام في البحرين. فقد كشفت وكالة ” بلومبيرغ” الاقتصادية الامريكية مطلع نوفمبر الجاري أن حكومة البحرين طلبت من السعودية وأبوظبي دعما ماليا لتعزيز احتياطي النقد الأجنبي لديها. ونقل التقرير عن نشرة البنك المركزي في البحرين أن احتياطي الأجنبي المحلي انخفض منذ ٢٠١٤ حوالي ( ٧٥% )، وقال التقرير إنه دون دعم خارجي سيكون صعبا على البحرين أن تحافظ على سعر عملتها أمام الدولار، خصوصا أن الانخفاض في الإحتياطي قد وصل في أغسطس إلى أكثر من ٥٠٠ مليون دينار. وعلى هذا الأساس؛ تتصرف حكومة البحرين اعتقادا منها أن الدعم السعودي والإماراتي سيكون سخيا كلما أمعن مسؤولي النظام في البحرين في رفع سقف التصريحات ضد قطر ودول الخليج الأخرى.

 

استعداء المحايدين

 

إذا كانت الأزمة الاقتصادية وتداعياتها تمثل دواعي داخلية صرفة؛ فإن الهيمنة الإماراتية والسعودية الفاقدة للصواب تشكل جوهر الأزمة الخليجية ومستقرها الدفين. تمدُّد وسعة الهيمنة السعودية/ الإماراتية يقابله عناد قطري واضح، ويقابله حياد غير سياسي تقوده كل من الكويت وعُمان. وربما كانت تصريحات أمير الكويت الأخيرة حول انتهاء مبادرته؛ استشعارا بخطر قرب فرض الهيمنة على بلاده التي من المفترض ان تستضيف قمة مجلس التعاون في ديسمبر المقبل. إلا أن موقف الكويت الرافض لطرد قطر من مجلس التعاون؛ فُهِم سعوديا وإماراتيا على أنه انحياز لقطر، أو على الأقل هو موقف يُبقي قطر قوية ومتماسكة أمام الحلف الثلاثي ودول الحصار. فما لم تقو السعودية والإمارات على قوله مباشرة؛ قاله نظام البحرين بعد إيعاز أماراتي وسعودي لها.

 

الجبروت العسكري

لعل السؤال الجدير بالمناقشة هو: لماذا يقبل النظام في البحرين القيام بدور “الكومبارس”؟ ولماذا يختار أن يكون نظامه راقضَ الحفلة؟

الإجابة المباشرة تعكسها الإجراءات التعسفية التي تقوم بها السلطات في البحرين تجاه مطالب الإصلاح الديمقراطي، والحد من الاحتكار الفعال للسلطة والثروة. إذ تزامنت توجيهات حمد عيسى وتصريحات وزير خارجيته مع اعلان البدء في محاكمة الشيخ علي سلمان على خلفية اتصالات هاتفية أجراها مع وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم في ٢٠١١م والتي جرت بالتنسيق مع الديون الملكي، وبمعرفة حمد نفسه في إطار مساعي قطر لحل “الأزمة” بعد دخول القوات السعودية البحرين في مارس ٢٠١١. كما ترافق ذلك مع بدء المحكمة العسكرية عملها في محاكمة مدنيين اعتقلوا قبل تشكيلها وقبل إضافة التعديل الدستوري الذي طالب به “المشير” خليفة أحمد ليكون أحد أعمدة صناع السياسة الداخلية في البحرين. وبالتالي؛ فإن اختيار دور الراقصة ودور الكوبمارس من شانه ان يضخ لخزينة الحاكم الخليفي أموالا إماراتية وسعودية بحجة سدّ العجز وحماية الإحتياطي المنهار، إلا أن الجميع يعرف أن مصير تلك الأموال هو الحسابات الشخصية لحمد وأبنائه. في المقابل، يأتي هذا التصعيد الخطابي للتغطية على السياسة الخاطئة التي تنتهجها السلطة ضد المعارضة السياسة، ومحاولة السلطة وأد المطالب الديمقراطية بإعلان الطابع العسكري للدولة، واعتبار البحرين حكما عسكريا بلباس مدني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى