ما وراء الخبر

الجبير المغيّب.. والسبهان المستذئب: خبرة “القط إكس” وحمولة الوهابية المخفية في جلباب محمد بن سلمان

حساب الجبير

البحرين اليوم – (متابعات)

في إدارة الشؤون الخارجية للدول؛ المعتاد أن يكون الكلام لوزير خارجية هذه الدولة أو المتحدث باسم الوزارة. وحين يكون هذا الوزير صامتاً، أو غائباً، أو مغيّباً، فإن ذلك يعني أن الأمور غير طبيعية، أو أن هناك انقلابا في الموازين المعتادة.

بحسب التواريخ؛ كان آخر حديث معلن لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير هو عبارة عن كلمة ألقاها في ٢٦ أكتوبر ٢٠١٧م بندوة في العاصمة البريطانية لندن داخل أحد الفنادق. وكرر فيها الاتهامات الموجهة إلى إيران بشأن الإرهاب وخلافه، وكان الجبير حريصا على مطابقة اتهاماته مع الاتهامات الأمريكية المعتادة ضد إيران مع تصعيد دونالد ترامب الأخير ضد طهران من قناة “الاتفاق النووي”. وقد ردت الخارجية الإيرانية حينها على الجبير وقالت إن اتهاماته “مثيرة للضحك”.

وفي حين كان للجبير ظهورات ولقاءات في مناسبات دبلوماسية تتعلق باستقبال نظرائه في السعودية، وفي حفل تنصيب سفراء سعوديين جُدد، إلا أنه لم يُرصد له تصريح فيما يتعلق بالشؤون الخارجية الأخيرة التي تتعلق بالشأن اللبناني. وقد كان حضور الجبير هامشيا في اللقاء المسرحي الذي تم تنظيمه الاثنين ٦ نوفمبر ٢٠١٧م بين الملك السعودي سلمان وسعد الحريري في محاولة سعودية للرد على خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله أمس الأحد والذي ألمح فيه إلى أن الحريري قد يكون مختطفاً وأكد بأن أُجبر سعودياً على تقديم الاستقالة من رئاسة الحكومة.

لاشك أن الجبير يفقد الكثير من المواصفات “السعودية” الذي تؤهله لتنفيذ المهام الأصعب، أو الأقذر، ولعل الطابع “الناعم” الذي يغلب عليه كان سببا في استثنائه من معرفة أهم ما يدور في “مطبخ” السياسات السعودية في الداخل والخارج، ولاسيما وأن بعض المصادر أكدت بأن الدائرة المغلقة لولي العهد محمد بن سلمان وجّهت إلى الجبير “لوما يُشبه المساءلة” على مصافحته وتقبيله لوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في وقت سابق من شهر أغسطس الماضي خلال لقاء إسلامي بتركيا. عدا ذلك، فإن التاريخ الخاص للجبير، ومنذ أن كان ترجمانا وخادما للأمراء السعوديين حين يزورون الولايات المتحدة؛ لا يحفّز المجموعة “الطائشة” التي تدير السعودية الآن على توجيه كبير الاعتبار للوزير الذي تسري بعض الأنباء عن “التفكير الجاد” في إقالته من منصبه لصالح “الذئب السعودي” الجديد، ثامر السبهان، الذي يقول بعض العارفين بأنه نجح في تكديس أبشع مواصفات “القط إكس” (بندر بن سلطان)، وبرفقة أسوأ ألفاظ الوهابية المستترة تحت جلباب محمد بن سلمان.

حساب السبنهان

في بيئة مثل لبنان، وبتاريخه المتعدد الحروب والأزمات؛ اختبر السبهان العديد من قدراته في إدارة الفتن وتمويل المرتزقة “السياسيين” و”العسكريين”. واستطاع بخبرته القديمة في إدارة الأمن الخاص للأمراء والملوك، ومن رصيده العسكري الشبيه بعمل “العصابات السرية”؛ (استطاع) إدارة الملحق العسكري في السفارة السعودية ببيروت عدة سنوات، وهو العمل الذي شكل واجهة للعمل المخابراتي والتجسسي في لبنان، وشكّل نقطة تعاون وثيقة مع أجهزة المخابرات الإقليمية والدولية، ولاسيما فيما يتعلق برصد حزب الله وجمع المعلومات عنه والتخطيط ضده والتأليب عليه.

وكان المخطّط المرسوم أن يواصل السبهان هذا الدور – وبشكل يتمدد إقليميا – من العراق مع تعيينه سفيرا في بغداد بعد امتناع سعودي طويل عن افتتاح سفارتها هناك. إلا أن الوضع العراقي المركب، وصعوبة إمساك آل سعود بالخارطة التي أحكمت إيران السيطرة عليها؛ أظهرت السبهان في واحدة من أسوأ إخفاقاته، ولاسيما وأنه ظل عاجزا عن استعمال أدوات العمل الدبلوماسي في تولي السفارة، وفضحَ نفسه سريعا ومرارا بهجومه على الحشد الشعبي ومحاولته المكشوفة لتوتير علاقة العراق مع إيران وإثارة الفتن المذهبية، وكانت النتيجة طرده من العراق في أكتوبر ٢٠١٦م.

تحالف ضد الحزب

عاد السبهان إلى الرياض، واكتشف آل سعود بأنه كان من الخطأ توجيهه إلى العراق، وأنه كان بالأحرى استخدامه، حتى النهاية، في البيئة التي استطاع أن يجمع فيها خبرة أكثر، ونجح فيها من استزراع العديد من المرتزقة، أي لبنان. مُنح السبهان منصب “وزير دولة” في الخارجية السعودية للشؤون العربية، وأُعيد توجيهه بصلاحيات توازي صلاحيات وزير الخارجية لتفريغ خبرته المتراكمة في الملف اللبناني، وقد أُعطي الضوء الأخضر خصوصاً لكي يُفرغ كل ما كان يودّ قوله عن حزب الله حينما كان يعمل في لبنان “جاسوسا” برتبة مستشار عسكري في السفارة.

يمكن تأريخ التسلسل التصاعدي للسبهان، وبما له صلة بالوضع الراهن الذي تخوضه السعودية ضد حزب الله ولبنان، بتاريخ ٨ أكتوبر ٢٠١٧ حينما أشاد بالعقوبات الأمريكية على حزب الله، والذي وصفه السبهان بـ”الحزب الميليشاوي الإرهابي”. وقال إن الحل يكون “بتحالف دولي صارم لمواجهته، ومن يعمل معه لتحقيق الامن والسلام الاقليمي”، وفق تغريدة نشرها السبهان على حسابه في موقع تويتر. وقد جاءه الرد في ذلك اليوم من السيد نصرالله حينما وصف السبهان بأنه “زعطوط”، في إشارة إلى عدم قيمة ما يقوله، وأن الحزب والمحور الذي ينتمي إليه في وضع أكثر حالا من أي وقت مضى.

مواجهة بالقوة

واصل السبهان حديثه عن الإرهاب، وضرورة مواجهته. وعاد إلى الحزب في ١٣ أكتوبر ٢٠١٧ وأطلق “تحذيرا” قال فيه: “لا يتوقع حزب الارهاب ومن يحركة ان ممارساته القذرة ضد المملكة ودول الخليج ستكون بلا عقاب. المملكة ستقطع يد من يحاول المساس بها”. وواصل بعدها “التبشير” والتحذير باجتثاب الحزب الذي رمز له بوصف الإرهاب، معبرا عن أسلوب “القوة” في هذا التحذير عبر رفعه لشعار “نحن في زمن الحزم”. ثم عاد وأفصح عن هذه “القوة” بخصوص الحزب خاصةً في تغريدة نشرها بتاريخ ٢٦ أكتوبر ٢٠١٧م قال فيها: “للجم حزب المليشيا الارهابي يجب معاقبه من يعمل ويتعاون معه سياسيا واقتصاديا واعلاميا والعمل الجادعلى تقليمه داخليا وخارجيا ومواجهته بالقوة”.

واصل السبهان هذه النغمة حتى تاريخ ٣١ أكتوبر حينما أعلن عن لقائه مع سعد الحريري في الرياض، وتبشيره بأن هناك “الأفضل” الذي ينتظر اللبنانيين في الأيام المقبلة. وكانت “البشارة” هي إعلان الحريري، من مكان مجهول في الرياض، استقالته من رئاسة مجلس الوزراء اللبناني عبر خطاب متلفز بثته قناة “العربية”، ما أثار تساؤلات عديدة حول “الشكل والمضمون والمكان والزمان” الذي ظهر فيه الحريري، وهو ما تناوله مراقبون وسياسيون في لبنان وخارجها بالكثير من التحليل، في حين كان لتزامن الاستقالة مع حملة “الاعتقالات” الواسعة للأمراء والأثرياء والمسؤولين؛ سببا إضافيا لتوسيع التحليلات وتجنيحها في أكثر من اتجاه. إلا أنه بالعودة إلى شارح أحلام آل سعود، السبهان، فإن ما حصل – بشأن الاستقالة – هو “بتر” لأيدي الإرهاب، وأن “لبنان بعد الاستقالة لن يكون ابدا كما قبلها، لن يقبل ان يكون بأي حال منصه لانطلاق الارهاب الى دولنا وبيد قادته ان يكون دولة ارهاب او سلام” كما قال في تغريدته بتاريخ ٤ نوفمبر ٢٠١٧م.

السيد نصر الله قال بأنه لا يجد هناك ما يدفع للتعاطي “الجدي” مع ما يُقال عن تهديدات “سعودية” بشنّ “عاصفة حزم” على لبنان، وهو محق بلا شك في حال نُظرَ إلى الأمر من الناحية “المنطقية” ووفق المعطيات الظاهرة، إلا أن الأمور في قصور آل سعود هذه الأيام لا يحرّكها أهلُ المنطق والعقلاء، وهي تُدار من مجنون البيت الأبيض و”حكماء صهيون”. ولعل النصيحة التي يتعين على حزب الله وحلفائه الأخذ بها اليوم هي “خذ الحكمة ولو من أفواه المجانين”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى