ما وراء الخبر

حريق أنبوب نفط “بوري” وإعلان نهاية خليفة وحمد: الخيال الأقرب إلى الحقيقة

 

البحرين اليوم – (متابعات)

على ذات الوتيرة المضحكة التي يسيّر بها آل خليفة البلاد والعباد منذ عهود الغزو؛ أطلق خليفة سلمان – رئيس الحكومة – تصريحا بعد عودته في ١٢ نوفمبر ٢٠١٧م إلى البلاد من تايلند وسياحته في الجزر التي يملكها، وتلك الأخرى أيضا في الفلبين. جمّد خليفة، كعادته، كل حسابات العقل ومسافات الزمن، وأكّد في تصريح نُشر الثلاثاء ١٤ نوفمبر الجاري “عزم الحكومة على المضي قدما في خطوات التنمية بوتيرة أكثر تسارعا”، وأعطى المواطنين “آمالا ووعودا” بأنه “لن يسمح لأية محاولة لعرقلة المسيرة”.

ربما لا يكون هناك أي جديد بشأن هذه التصريحات الرمادية التي اعتاد عليها خليفة منذ أربعة عقود، وبنفس المضامين الشبيهة بالهياكل العظمية، وخاصة في الأوقات التي تكون فيها البلاد غارقة، أكثر وأكثر، في الفساد والاستبداد والإفلاس. ولكن اللافت أن الرجل – الذي تتعدد فيه الأوصاف بسبب طول تشبثه بكرسي الحكومة – أطلق “الديباجات” هذه المرة في ظل علامات تستدعي الانتباه، ومنها أنه تحدث بتصريحه الأخير في محضر “المشير الركن” خليفة أحمد القائد العام لما يُسمى بـ”قوة دفاع البحرين”. وهو ما يدفع إلى الذهن الأنباء التي سرتْ على مستوى “الإشاعات” قبل أيام، وفي فترة غياب خليفة سلمان عن البلاد، وأشارت إلى أن هناك تحضيرات جارية لتسليم “المشير” رئاسة الحكومة، وإحالة خليفة إلى “التقاعد”، تماشيا مع “التغييرات الدراماتيكية” الجارية في السعودية، بُعيد حملة “السكاكين الوهمية” على الأمراء والأثرياء، بزعم مكافحة “الفساد”.

لاشك أن هناك قصدا ما وراء تنظيم تلك الزيارة بين “الخليفين الشريرين” وتصويرها وإذاعتها في الإعلام الرسمي، ولأسباب تتجاوز السبب “المعلن” الذي تحدثت عنه الوكالة الرسمية وهو تسليم خليفة دعوة لحضور عقد قران نجل “المشير”، وهو سبب عائلي وخاص جرى تظهيره من أجل ترتيب “الزيارة” وتسويقها للناس كما يقول أحد المعلقين، ولكنه يضيف لـ(البحرين اليوم) بأنه “ليس واضحا حتى الآن ما إذا كانت الزيارة ترمي إلى تثبيت الإشاعات بشأن “إزاحة” خليفة والإتيان بالمشير محلّه، أو على العكس، نفي هذه الإشاعات جملة وتفصيلا”، حيث لا “يجرؤ” صاحب التعليق على الذهاب إلى “قراءة قد تكون محض خيال رغائبي فيما وراء الزيارة”، بحسب تعبيره.

وقد حرص خليفة سلمان على أن يُظهر عودته إلى البلاد عبر تنظيم حفل استقبال مصوَّر في قصره، استدعى فيه أفراد من العائلة والموالين له. وخلال ذلك، أطلق خليفة ديباجات إضافية حول الوضع الداخلي وظروف المنطقة العربية، وكأنه يرغب في أن يُسجّل “موقفه” من الأحداث الجارية بعد أن فاته مواكبة أهم المجريات في فترة غيابه في تايلند والجزر الفلبينية التي اعتاد أن يتلقى “النقاهة الصحية” فيها. حفل الاستقبال قد يكون أيضا معتادا بالنسبة لآل خليفة الذين يريدون أن يكونوا في واجهة الأخبار، كما هو حال الطغاة في العموم، إلا أن أحد المعارضين السياسيين يرى أن “المتغيرات غير العادية التي تجري في السعودية لابد وأن يكون لها ارتداداتها في البحرين، لكون النظام الخليفي مرهونا بآل سعود، في السياسة والأمن والاقتصاد”، كما أن أي “مشروع يعده الأمريكيون في السعودية، لابد وأن يكون له نظير أو استكمال في البحرين. وقد يكون استلام السفير الأمريكي الجديد جاستين هيكس سيبيريل الفرصة المناسبة لتظهير ذلك والتعجيل به”.

ويشير المعارض البحراني الذي فضّل عدم ذكر اسمه إلى أن “حادثة حريق أنبوب النفط في بوري الأخير، لا ينبغي أن يكون بعيدا عن تلك الارتدادات التي قد يكون الحاكم بأمر السعودية اليوم في طور إعدادها وتجهييزها للبحرين، وبما له صلة بما جرى تسريبه بشأن إزاحة خليفة سلمان من رئاسة الحكومة، وهي تسريبات تقاطعت مع تسريبا أخرى عن علاقة بعض الذين يجري التحقيق معهم من الأمراء والأثرياء المقبوض عليهم في السعودية، بخليفة وبالحاكم الخليفي حمد عيسى أيضا”، ولا يستبعد المعارض أن يكون “المخطط الجاري تنفيذه في السعودية؛ سيستلزم إبعاد خليفة وحمد معاً من الحكم في البحرين”، وذلك على ذات “النغمة التغييرية التي جرت في السعودية” بعد تصعيد محمد بن سلمان الدراماتيكي إلى قاب قوسين أو أدنى من العرش وتسليمه كل مقاليد البلاد.

وتستند هذه القراءة على تحليلات تشير إلى أن “الوجهة” التي يُراد للسعودية ولملحقاتها (وعلى رأسها آل خليفة) أن تُدَفع نحوهها؛ تتطلب تغيير الوجوه الحاكمة، والإتيان بوجوه أخرى “شابة ومتحررة من الإرث القديم، وخاضعة بالكامل لمحرّكي المخطط الأمريكي المتسارع في الخليج”. وليس مجهولا بعد الآن أن تلك “الوجهة” ليست بعيدة عن إسرائيل، وهو ما يعني أن الوجوه التي يُراد أن “تُمسك” أمور السعودية والبحرين – باعتبارهما أكثر الدول الخليجية وضوحا في التعاطي مع الإسرائيليين – ستكون منساقة بلا تردد للحاق بمتطلبات الأهداف الأمريكية والتلاقي مع إسرائيل، وذلك على النحو الذي بدا مع محمد بن سلمان وناصر بن حمد – على وجه الخصوص – في الفترة الأخيرة.

وبالعودة إلى “حريق أنبوب النفط في بوري”؛ فإن هناك منْ قرأ هذه “الحادثة المفتعلة”، وفي توقيتها المريب؛ على أنها رسالة من مُحرّكي المخطط في السعودية إلى آل خليفة أجمعين، العجائز منهم والمراهقين، ومفادها التذكير بأنه من الممكن أن يتم قطع “الأنفاس الأخيرة” عن شرايين البحرين، وإيقاف تدفق النفط إليها، وترك البلاد للمجهول المفتوح على كارثة الإفلاس التام. وهي رسالة قد يُراد منها إجبار خليفة وحمد على التعجيل بالرحيل وتنفيذ التغييرات الشكلانية في وجوه الحكم، أسوةً بما تمّ في السعودية. وفي هذا السياق، يمكن قراءة زيارة حمد “العلنية” إلى السعودية والإمارات الأسبوع الماضي، حيث كان مطلوبا أن يرى بأم عينيه التموضع السعودي الجديد، وأنّ الأمور لم تعد تحتمل تأجيل تنفيذ الأوامر “الأجنبية”. علما أن هذه الزيارة تزامنت مع تقرير وكالة “بلومبرغ” الذي سرّب فيها “مسؤولون” مجهولون طلب البحرين لمساعدات مالية جديدة من الرياض وأبوظبي، مع التذكير بالمحنة السوداء التي تنتظر المنامة الآيلة على الإفلاس.

ربما تكون هذه القراءة المتداولة في أوساط سياسية محلية؛ غارقةً في الخيال والتناقضات معاً، ولكن الحقائق غالبا ما تكون كذلك كما يقول ساردو التاريخ الذي يُعيد نفسه منذ زمن طويل. في التحليل الموضوعي، فإنه من العصيّ أن يكون ثمّة تغيّرا غير مسبوق، وكسْراً فادحا لركني الدولة “الأيديولوجي والعائلي” وبحجم ما يحصل في السعودية هذه الأيام؛ ليس له من تداعيات متسارعة ومتشابهة على أرض البحرين المكبّلة بعبودية آل خليفة، ليس فقط بحكم التبعية وقوانين “الذّيْل”، ولكن أيضا لإتمام المغازي والأهداف الكامنة وراء ما يجري في “مملكة محمد بن سلمان”، وتثبيتاً للمرامي بعيدة المدى التي يرمز إليها الجسر الرابط بين البلدين، والذي يرتبط في الذاكرة الشعبية بـ”الدماء والفساد والاحتلال”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى