ما وراء الخبر

آسفين يا خالد أبو النجا: ثورة البحرين وضريبة “الحق فوق القوة”

DPoI4Y3WsAAFGSW

البحرين اليوم – (متابعات)

ربّما يستحق منّا الفنان المصري خالد أبوالنجا الاعتذار لأنه كان وحيداً، إلى حدّ كبير، وهو يدافع – خلال مؤتمر حكومي في البحرين – عن حلم الثورات العربيّة وربيعها في البلد الذي كادت لؤلؤته أن تماثل في بريقها، ونتائج ثورتها، ما كان ينتظره ميدان التحرير وثوّاره الأوائل، والأصلاء. لقد وجد أبو النجا نفسه محاطا بوجوه متبلّدة، “عليها غبرة ترهقها قترة”، وهي تسمع منه كلاماً تمجيدياً لثورات الشعوب العربية، ولشعارات “الحرية والعدالة الاجتماعية” التي تسنّ لها الأنظمة كلّ أعقاب البنادق!

لقد ظنّت تلك الوجوه أنها نجحت في إخفاء ما يجري في البحرين من حراك ثائر، وفي إلباس القناعِ السميك لكل الزائرين إلى البلاد، وللضيوف المدفوعي الأجر، إلا أن خرْقاً أحدثه أبو النجا من وسط “الجزيرة المكبّلة بالأغلال” وفي مؤتمر يرعاه “حاكم البلاد”، وأعادَ أبوالنجا الاعتبارَ لمسلسل “الثورات” وللأهداف النبيلة التي لا يزال يُزعج مجرد النّطق بها حُرّاسَ الاستبداد وعشّاق الأغلال، من النساء والرجال. وهو ما اختصرته المداخلات و”المغالطات المفبركة” التي رماها المعقّبون على حديث أبوالنجا، وهي مداخلات كانت شبيهة، وفي أكثر من اتجاه؛ بحملات “الدوائر الحمراء” التي ارتبطت بها وسائل إعلام النظام في مارس ٢٠١١م حينما كان ينشر التلفزيون الرسمي صورَ المشاركين في التظاهرات، والذين أيّدوا أو أبدوا قدرا من التعاطف مع ثورة البحرين، وتضع على وجوهم الدوائر الحمراء، لتأتي الأخبار في اليوم التالي وتنقل أنباء اعتالقهم أو فصلهم من الأعمال، أو موتهم داخل غرف التعذيب.

كان يُراد للفنان أبو النجا أن يتحدّث في “المنتدى الشبابي لصناعة السلام” (الذي عُقد بتاريخ ٢٧ نوفمبر ٢٠١٧م) بحسب المواصفات التي تتناسب مع ناصر حمد الخليفة، أي بأن برمي كلّ ما في الجيب وما في الغيب من هلوسات و”هوْسات” في مديح “أمير الشباب المعجزة”، وفي تعظيم البطولات الخارقة التي تتقاطر من لعاب “صبيان القصور”! وهي مواصفات جرى تأمينها في المنتدى ووفق الرؤية التي حدّدها مساران، الأول المسار الذي عُيّنت سوسن الشاعر لحمل رايته، بعد فشل وزيرة الإعلام السابقة سميرة رجب في المهمة، أي مهمة “ازدراء” الثورات لأنها الخيار الأسوأ على الإطلاق، والى الأبد، في مقابل تمجيد خيار الركوع للأنظمة القمعية وتأليه أصنامها. أما المسار الآخر فهو الذي استُجلِب لأجله مرتزقة “محترفون” لشيطنة كلّ منْ يفكّر بالثورة في بلاد الخليج عموماً، وتحويله إلى “بعبع” تابع لإيران وفلكها، وقد مثّل هذا المسار في المنتدى المذكور المرتزق “الإيراني” أمجد طه الذي علّق على مداخلة أبوالنجا في المنتدى وهو يتنطّع فوق الكرسي كمنْ يتعجّل الحصول على مقابل “الارتزاق”، وهي المهنة التي يتكسّب بها المال منذ سنوات.

أصرّ أبوالنجا على القول إنّ “لحظة الثورات” هي أهم منعطف في الزمن العربي الراهن، وقد يكون الأهم على الإطلاق. وهو تثمين لا يُهمِل أو يُغفِل التداعيات الخاطئة، أو الاستثمارات الضيقة، أو حتى تقاطع المصالح الأجنبيّة مع تلك اللحظة وحوافّها، إلا أن كلّ ذلك لا يعني غضّ الطرف عن حقيقة أن الأرض العربية، بجمهورها العربي العريض، فيها من المعاناة والظلم والقهر والفساد، ما هو كفيل بتفجير براكين تفوق ما حصل بالفعل خلال العام ٢٠١١م. قدّم أبوالنجا هذه المطالعة بوضوح بالغ، وببساطة أنيقة أشفعها بتأكيده على أنه يقرّ ببعض المآلات العنيفة للثوارت، وبركوب المؤدلجين على موجتها، إلا أن ذلك لم يكف لقبول الحد الأدنى من فكرته، لأنّ المطلوب لمن يتحدّث من أرض البحرين – التي لازال حكّامها يقاتلون لدفن ثورتها الأبكر في مسلسل الربيع العربي – هو ألا يجري على الألسن أي ودٍّ أو إعجاب بثورات الشعوب المقهورة، وكيف بتوجيه التحية لها، كما فعل أبو النجا؟! لهذا السبب يمكن تفهّم سبب الوجوه المكفهرة التي كانت تحكّ بأسنانها في كلّ ثانية كان يتحدث فيها الفنان المصري، وأيضا يمكن معرفة السبب الذي جعله هدفاً لحملات التشويه بعد انتهاء المنتدى، ودعوات البعض “لفحص” المدعويين للمنتديات الرسمية جيداً وضمان “الدقة” في معايير اختيار الضيوف”، كما قالت وفاء جناجي وهي تُبدي أسفها على ما وصفتها بحادثة “أبو النجا”، لأن الأخير لم يتلزم بمقايس ناصر حمد، الذي تراه جناحي “قدوة الشباب”!

في بروفايل صفحته على موقع “تويتر”؛ كتب خالد أبوالنجا “الحق فوق القوة، والأمة فوق الحكومة”. وفي البحرين بدأت إحدى موجات “الربيع العربي” المبكّرة، مع الأستاذ حسن مشيمع ورفاقه في العام ٢٠٠٥م، حينما أسّس حركة “حق” التي كان شعارها “شرعية الحق، لا شرعية القانون”. سيعذرنا أبوالنجا حينما يعرف أن مشيمع ورفاقه حُكم عليهم بالسجن المؤبد، وعُذّبوا بكل الوسائل، رغم طول أعمارهم واستيلاء الأمراض عليهم. سيعذرنا لأن أحداً لم يسانده داخل قاعات المنتدى المغلقة، فهو يعرف الآن أكثر أن هذه القاعات مخصّصة فقط لصنّف معلّب من الكلمات والوجوه، وهو سيعذرنا أكثر وأكثر حينما يعرف أن ثورة البحرين لا تزال تدفع ثمن خروجها على السياق الخليجي بصبّها بقمعٍ لم ينقطع منذ أكثر من ستّ سنوات، وأنه غير مسموح بالنسبة لمشيخيات النفط أن تُوجّه لهذه الثورة التحية أو تُذكَر في “قائمة” ثورات العرب، لأن المطلوب أن تُدَفن في النسيان. ولكن قطرةً واحدة، أو نافذة صغيرة، أو حجرة متواضعة.. يمكن أن تهزم أمبراطوريّات من القمع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى