ما وراء الخبر

قمة الكويت و”الاتحاد الخليجي”: بؤرة فشل آل خليفة

 

البحرين اليوم – (متابعات)

لم يكن مفاجئا أن تنعقد قمة مجلس التعاون الخليجي في #الكويتفي يوم واحد فقط، وأن تستمر جلسة الاجتماع لأقل من ثلاثين دقيقة. هي، بلا شك، القمة التي تؤرّخ اضمحلال هذه المنظومة التي كانت قد تأسّست بفضل “الهيمنة السّعودية” التي باتت اليوم شيئا من الماضي، وأصبح من الممكن القول بأن القمة رقم (٣٨) جسّدت طبائع الانتقام والتشفي وفقدان البصيرة لدى معظم القائمين على المجلس، ولاسيما بعد أن تبيّن “الفشل الذريع” في إنجاز أي “شيء يُذكر” بشأن الهدف “الدفين” من وراء تأسيس المجلس، وهو مواجهة “المارد الإيراني” الذي خرج من القمم في العام ١٩٧٩م بعد انتصار ثورة #الإمام_الخميني، وحيث تلاشت – مثل أحلام اليقظة – كلّ الحروب والمؤامرات التي وُجّهت “#الجمهورية_الإسلاميّة”، وبتمويل من أغلب أعضاء هذا “النادي” الذي تهاوت نجومه، وأضحى شبيهاً بمتحف الشموع المعرَّض للذوبان التدريجي بفعل حرائق من صُنع يديه.

بالعودة إلى الوراء قليلاً، ومن نقطة الدماء الغزيرة التي تفجّرت في الخليج، أي البحرين؛ يتذكّر الجميع كيف كان #آل_خليفةيحلمون، في النهار قبل اللّيل، بإعلان “الاتحاد الخليجي”، وكيف كانوا يمنّون النّفسَ بالإسراع في إدماج هذه الجزيرة المسلوبة في “إطار خليجي” يُتيح للخليفيين السباحة في المليارات الخليجية من جهة، والتغطّي بالدعم العسكري والسياسي المشترك لمواصلة قمع الثورة البحرانية، من جهة أخرى. عندما تحرّكت مجنزرات ومدرعات #آل_سعود إلى البحرين، في مارس ٢٠١١م، كانت أهازيج الخليفيين وطبّالتهم تهلّل بأنهم باتوا على مقربة من تحقيق ذلك الحلم الذي نفخت فيه “طلائعُ” القوات الإماراتيّة روحاً أكبر وهي تُشارك المرتزقة في قمع الثورة وقتل المتظاهرين. أوعز آل خليفة إلى الكتبة والمهرّجين لإطالة المقالات والأمنيات حول “#الاتحاد_الخليجي”، وعَقَدَ “المشير”، خليفة أحمد، المؤتمرات والمؤامرات لكي يقول بأن “الخلاص آت من بوابة الكونفدرالية الخليجية”، تلك العبارة التي “لَحس” بها عقله الكويتيُّ عبدالله النفيسي وهو يستقبله في مكتبه بمقرّ “قيادة قوة الدفاع” بعد نحو ٣ أشهر من الهجمة الدموية الكبرى ضد ربيع #البحرين. سرعان ما تحوّل النفيسي إلى مريد طاريء لـ”المشير”، يزوره كلّما حلّ في البحرين، وباتت آذان “المشير” مدفناً جديداً لهلوسات “الاتحاد الخليجي” التي بدأ “المفكر الإستراتيجي” يدخل من بوابتها الساحرة آنذاك.

انتفخ المشير كثيرا بأحلام الاتحاد الخليجي، وبدأ ينافس مريده “المهجور” في التحليل السياسيّ بشأن الخليج ومستقبله الاتحادي، وكيف أن البحرين تمثّل المرتكز في رسم سياسات الوحدة بين دول الخليج. مقابلاتٌ صحافية، وتصريحات تنقلها الوكالة الرسمية؛ كان يُشّدد فيها “الحاكم العسكري” على أن “أمن الخليج” هو الوجه الآخر “لموضوع الاتحاد بين دول مجلس التعاون، فالاتحاد هو الحصن الذي سيحمي دولنا الخليجية”، كما قال ذات نشوة. وحيث إن “المشير” مأزومٌ أكثر بثورة البحرانيين؛ فإنه لم يتردّد في التمجيد والتبشير بـ”الاتحاد العسكري” لدول الخليج، وكان يُولي “قوات درع الجزيرة” وجحافل الإماراتيين الكثيرَ من التعظيم كلّما تحرّك لسانه بموضوع “الاتحاد” أو خطر على باله. إلا أن “لوْثة” النفيسي لم تقف عند هذا الحدّ، بل تمادى “المشير” في الهلوسات وبشّر منْ يهمّه الأمر بأن هناك “تفاؤلا كبيرا” بمستقل مجلس التعاون، وقال بأن المجلس يتجه نحو “الاتحاد والوحدة الخليجية”!
.
لم يتحقق شيء من ذلك، ليس فقط لأن سلطنة عُمان لديها وجهة نظر مختلفة عن “الكاتلوج السعودي” الذي يتحرك به الخليفيون؛ ولكن أيضا لأن هناك تطورات عديدة هشّمت “الهيمنة الأُحادية” في #مجلس_التعاون، وهمّشت بالتالي فاعلية الأتباع الصّغار. فالسعودية، في الداخل والخارج، ليست على ما يُرام، وهي ليست في حال يمكنها أن تتجهّز/ تتورّط لمشاريع اتحادية أو اندماجية لها كلفتها الاقتصادية وإزعاجها السياسيّ غير المقدور على تحمُّله. كما أن آل سعود، وبسبب سياسة الاندفاع والتأزيم “الإستراتيجي” التي يتورّطون فيها – بتأثير من الهمز واللّمز الأمريكيين – وجدوا أنفسهم في وضعيّة ارتكاب الأخطاء الفادحة، ثم الإنشغال في معالجتها، والبقاء طويلا تحت تداعياتها المُهلكة. في مثل هذه الحال، استوحش السعوديون في استعمال آل خليفة، وأفحشوا في تحويلهم إلى أدوات لتبليغ رسائلهم الإقليمية واستخدامهم لتفريغ عجزهم عن أداء “البلاء الحسن” في صراع النفوذ مع #إيران. تسبّب ذلك، من جانب آخر، في “التجرؤ” على آل سعود، فما عاد للسعودية تلك الهيبة داخل دول مجلس التعاون، وذلك على النحو الذي أظهرته، على وجه الخصوص، مفاعيل الأزمة مع #دولة_قطر.

عند هذه الأزمة “يرقد” مجلس التعاون الخليجي، وعلى الهيئة التي ظهر فيها في الكويت الثلاثاء ٥ ديسمبر ٢٠١٧م. فأمير الكويت أصرّ على عقْد القمة ولو جاءت في أقصى مظاهر الهزال والضعف، وكان مهمّاً بالنسبة إليه ألا يُصَاب بالإهانة بأنْ يكون من نصيبه عدم انعقاد القمة، فكانت تحذيراته التي سبقت موعد القمة بأسابيع “رسائل تنطوي على ما هو أكثر من حروفها الظاهرة”، وهو ما أرْغم آل خليفة على أن يخالفوا قرارا غير ناضج أعلنوه مسبقا بعدم حضور قمة المجلس في حال شاركت الدوحة فيها. وليس مهماً بعد ذلك، بالنسبة للكويت، أن يغيب الملك السعودي أو الحاكم الخليفي، أو حتى وزير الخارجية خالد أحمد الذي كان إعلانه المسبق بعدم حضور القمة بسبب قطر؛ “مفضوحاً” بالكامل، ومثارا كالعادة للسخرية. وفي النتيجة، كسبَ أمير الكويت عقْدَ القمة، “ولتكن بعدها قمة أو لا قمة.. لا يهم!”، واستطاعت قطر أن تبدو وكأنها غير محاصَرة وهي تُشارك القمة بأميرها الذي لم يفلحوا في انتزاع “الاعتذار” منه، أو إجباره على القبول بشروط “الاستسلام والخضوع”.

وفي الخيبات أيضا؛ فإن آل خليفة لم يكونوا فقط أمام تلاشي حلم “الاتحاد الخليجي”، ولم يقف الحدّ عند جعلهم يُشاركون في قمة الكويت صاغرين، بل إن الخيبة الأكثر إيلاما من الشوك المسموم؛ هو إعلان الإمارات بالتزامن مع انعقاد القمة، بأنها بصدد “تشكيل لجنة تعاون ثنائي مع السعودية منفصلة عن مجلس التعاون الخليجي بشأن القضايا السياسية والاقتصادية والعسكرية”، وكأن آل خليفة خارج الحسبان.. إلا في أوقات الحاجة لإبلاغ الرسائل الرديئة، والقذرة.

إذا كان “للأقدار” من دروس هنا؛ فإن مقتل علي عبد الله صالح في #اليمن، وعشية انعقاد القمة، ينبغي أن يكون “الظّرف” الذي يُفصح عن مضمون الرسائل المحفورة تحت “عروش” المشيخيات المريضة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى