ما وراء الخبر

شرير آل خليفة: بعد “القبلتين”.. وخيانة أولى القبلتين

 

البحرين اليوم – (متابعات)

حالُ النظام في البحرين، خلال السنوات الماضية، يمكن اختصاره بأحواله المضطربة “والوقحة” الذي ظهر به خلال الأيام الأخيرة.

من بين العادات القبيحة التي دوام آل خليفة على التمسّك بها؛ هو أنهم كانوا يفعلون المنكرات والفواحش الكبرى، في وضح النهار، ثم يقيمون مجالس الذّكر والعزاء والتغطّي بأعظم ما ابتكرته البشرية من قيم وشعارات إنسانية. منذ ١٤ فبراير ٢٠١١م؛ كان الخليفيون يسفكون الدماء، وينتهكون المقدسات، ويُمنعون في اضطهاد السكان الأصليين، ثم حين تنزل عليهم بعض النكسات – وتحت وطأة الضغط المحلي والدولي – يرفعون ذيلوهم الملطخة بالعار، ليمارسوا طقوساً من النفاق الممنهج الذي يُذكّرنا بطواغيت التاريخ الوقحين.

ولأن القائمة طويلة، فيكفي أن نسترجع جملة من مشاهد الأسبوع الماضي. وأول المشاهد هو ظهور حمد عيسى من بوابة علاج الشيخ عيسى قاسم، ليُحدّثنا عبر “مرسال الصّور”؛ عن عواطفه “الجياشة” تجاه الشيخ، وينقل لمدير مستشفى البحرين الدولي، فيصل الزيرة، أمانة تقبيل الشيخ قاسم على جبينه. من العسير على أيّ امريء يتحلّى بأدنى درجات “السويّة” و”الاتزان”؛ أن يفعل ما يفعله حمد في الملأ. فلا يخفى على أحد – بمن فيهم الزيرة – أن حصارا مفروضا منذ أشهر على الشيخ بأمر من حمد شخصيا. وحينما يقول الزيرة، وقبل أن ينتهي دوره ويُجمّد التدوين في حسابه بموقع “تويتر”؛ بأن الحاكم الخليفي يمكنه إنهاء الحصار “في الحال”؛ فإن في ذلك أكثر من رسالة تدين المتحدِّث والمتحدَّث عنه على حدّ سواء. إلا أن الأمور، من جهة أخرى، يمكن تفحّصها بالنظر إلى الطبيعة “الشريرة” لحمد، وهي الطبيعة الشاخصة أمام العميان، إلا أن أصحاب “التسويات المخزية” يفضّلون عدم الإقرار بها أو الجهر بها، على أمل أن تستوي “الآلوة الحارة” وتكتمل الطبخة المرجوّة. فحمد عيسى لازال يُراهن على سرقة ودٍّ ما مع/ من الشيخ قاسم، وهو ظنّ أن معاناته الصحية يمكن أن تكون “فرصة” لإعادة المياه إلى مجاريها، وباستغلال الذاكرة التي تجمعهما حينما زار حمد الشيخ قاسم في العام ٢٠٠٩م في المستشفى وطبعَ على جبينه تلك القبلة الشهيرة. إلا أن “النفس الشريرة” لحمد لم تدفعه هذه المرّة لأنْ يفعل ذلك مباشرة، واكتفى بنقلها عبر “الواسطة”، وعلى أن تتكفّل الصور التي جمعته مع الزيرة بإكمال الفراغ الذي لا يريد حمد الإفصاح عنه. وهو فراغ لا أحد يستطيع أن يُقنع البحرانيين بأن يفسّروه بغير اليقين أن هذا الشرير لا علاج له غير “السقوط” والبقاء تحت الأقدام.

من المفيد هنا تكثيف المشهد أكثر لاستخلاص جوانب أخرى من الطبع الشرير لحمد، والذي امتدّ على مدى سنوات الثورة على وجه الخصوص. لا يقتصر أمر “الوقاحة” عند حدّ أن حمد هو المسؤول المباشر عن اضطهاد الشيخ ومعاناته، ولكن أيضا لابد من التنبيه إلى مقدار “الإسفاف” في استخدام ملف علاج الشيخ، والإمعان في الاستهتار بهذه المعاناة. لقد سارعَ حمد، بعد لقائه بالزيرة، إلى أن “يستعرض” شعبيته في إحدى المجمعات التجارية، وظهر وكأنه يبحث عن معجبين من الأطفال والمراهقين لالتقاط صور “السلفي” معه. ليس هذا المثال الوحيد الذي بدا فيه حمد مثل “المنبوذ” الذي يشحذ، أو يختطف انجذاب الناس معه، ولكنه مثال حيّ، ومتكامل، على الكيفية التي يفرش فيها الشرير طباعه في انتزاع “اللحظات المناسبة” – كما يظن – لسرقة المشاعر الطيبة إليه. إنه “حمار أجرب” لا يكفّ لحظة عن البحث عن سُبل للتلميع وتبييض الوجه الملطخ بالفظاعات. ولكن ذلك – ولأننا أمام شرير بالطبع الأصيل – لا يكون من غير مرافقة أسوأ الناس في قابليات المواطنين، أي ناصر حمد، الذي ينظر إليه المواطنون على أنه أحد أبرز الأسباب في إشعارهم بالإهانة ودفع الآخرين لتوجيه السخريات إلى البلاد، وذلك بسبب بطولاته الوهيمة وشرائه للمراكز الأولى في المسابقات الرياضية، وأيضا لأنه من مسببي الإفقار والمعاناة للبحرانيين بسبب سرقاته من خزينة الدولة، وصرْفها على هواياته الرياضية ورحلاته في الخارج لاختطاف الأضواء إليه أثناء السباقات. وقد اكتملت الصورة السلبية التي يحملها البحرانيون تجاه ناصر، ومن خلفه حمد، بعد أن بات ممثلا لآل خليفة في مشروع التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، بعد مشاركته قبل نحو شهرين في مدينة لوس إنجلوس الأمريكية بمركز يهودي موال لإسرائيل.

في الشريط الأخير لمشهد ناصر وإسرائيل؛ يكون الوفد الخليفي الذي زار مدينة القدس المحتلة الجزء الآخر من مشهدية آل خليفة النموذجية. كان من الطبيعي، بحكم الطبيعة الشريرة لحمد، أن يُقْدِم الخليفيون على إيفاد موالين لهم إلى القدس المحتلة، وفي وقتٍ متزامن مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمةً لإسرائيل. فحمد يريد أن يتسابق، وبخطى واسعة، في إظهار مصداقية تبعيته لترامب، والتي بدأت قبل أن يصل الأخير إلى البيت الأبيض، حينما أقامت السفارة الخليفية حفلا في مثل هذه الأيام من العام الماضي بفندق وسط واشنطن يملكه ترامب. وكلّف مئات آلاف الدولارات. سرعان ما تلاقى الشر الأمريكي الجديد بشرور آل خليفة المستفيضة، ومنحَ ترامب حمد عيسى شرفَ المصادقة على شرّه الأصيل حينما جلس لجانبه في السعودية في مايو الماضي، وأكّد له على العلاقة الوثيقة بينهما، وأنه لن يسمح بتوتيرها. وقد كان ذلك إيذاناً بحلب مزيد من المليارات في صفقات التسلح، والتخلّف الأمريكي في المقابل عن ملف حقوق الإنسان في البحرين، ولتأتي زيارة الوفد الخليفي إلى القدس إشعاراً – يمزج بين الشر والعمالة – على أن آل خليفة مستعدون بالفعل لأن يذهبوا إلى النهاية في تأدية المهام الأقذر، وأن يُقدِّموا أنفسهم في الأوقات التي يتحرّج فيها الشيطان من الظهور بالفواحش.

لاشك أن الخليفيين وجدوا أنفسهم في وضع لا يُحسد عليه بعد الغضب المحلي والفلسطيني والعربي على زيارة وفدهم للقدس. ومن غير المتوقع أن يكون “الإرباك” في تحديد “الموقف الرسمي” من هذه الزيارة؛ هو إحالة على مراجعة للموقف الحقيقي تجاه إسرائيل، والذي بات معروفاً بعد تصريحات حمد وعلاقاته العلنية مع الإسرائيليين. فقد أفشل البحرانيون “الحيلة” الخليفية التي تمت فبركتها للخروج من بعض “الحرج”، وذلك بعد أن أوعزت السلطات لكتّابها وإعلامها لتوجيه “الضربات” ناحية جمعية “هذه هي البحرين”، وإثارة الجدل حول كونها مشْهَرة أم لا، وما إذا كانت زيارة وفدها للقدس هو لأمر “ديني” أم “سياسي” وإلى أى منحى يمكن أن تكون الزيارة لصالح الفلسطينين وليس ضدهم. وبدلا من ذلك، سلط البحرانيون الضوء على المهام “الحكومية” التي تقوم بها هذه الجمعية، وتحديدا في تلميع صورة آل خليفة في الخارج، وفي ملف الاضطهاد الديني خاصة، والذي يمثل البقعة الأكبر في جرائم آل خليفة، تماما كما هي بقعة الجرائم المشتركة مع إسرائيل. وهو ما يعني – وبما له صلة بالمشهد المكثف الذي حفل به الأسبوع الماضي – إنّ شرير آل خليفة كان يصرّ على ارتكاب الجريمة.. ولكن في الوقت ذاته يجنح نحو البروز ضاحكاً، مرتديا لباس الفارس، ومتنقلا بين الناس في “المولات”. يفعل ذلك مع جريمته تجاه الشيخ قاسم، ومع جريمته بحق السكان الأصليين وهويتهم الدينية والتاريخية، وعلى ضفاف جريمته المكتملة الأركان بتطبيعه مع الكيان الإسرائيلي. ليس من المبالغة، بعد ذلك، أن يقول أحدهم إنّ آل خليفة هم خامس الشرور في هذه المنطقة، بعد الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية والإمارات!

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى