ساهر عريبيمقالات

لماذا لا يسعى المفوّض الأممي السامي لحقوق الإنسان لولاية ثانية؟

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: ساهر عريبي

إعلامي عراقي مقيم في لندن

قرّر المفوض الأممي السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين، عدم السعي للبقاء في منصبه لولاية ثانية مع قرب إنتهاء ولايته الحالية في شهر أغسطس من العام المقبل. القرار لم يفاجيء المراقبين المطلعين على سيرة المفوض السامي طوال السنوات الثلاث الماضية التي انقضت من عمر ولايته البالغة أربع سنوات، خاصة مع تبريره لقراره بأسباب جيوسياسية.

فالأمير لم يجانب الصواب بذلك التعليل، خاصة وأنه أشار إلى أن استمراره في منصبه قد يتطلب الركوع وإغفال بيانات هامة والحد من استقلال وقوة صوته بحسب تعبيره. فلقد كان المفوض السامي وما يزال في مرمى هجمات العديد من الأنظمة القمعية في العالم التي لم يشأ أن يغمض عينيه عن انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان، بالرغم من التوجّه السائد في مجلس حقوق الإنسان التابع لهيئة الأمم المتحدة في جنيف، والقائم على التغطية على انتهاكات تلك الأنظمة التي ترتبط بعلاقات اقتصادية وعسكرية وسياسية وثيقة مع عدد من الدول الأعضاء المؤثرة في المجلس، مما جعله في حالة صدام مع تلك الدول القمعية وحماتها الدوليين.

ويأتي في مقدمة تلك الأنظمة؛ النظام الحاكم في البحرين الذي ما انفك المفوض السامي ومع مع بدء أعمال كل دورة من دورات مجلس حقوق الإنسان التي تعقد ثلاث مرات كل عام؛ يوجّه له انتقادات لاذعة على خلفية سجله الحقوقي السيء. وكان أشهرها تلك التي وردت خلال كلمته التي ألقاها خلال الدورة 34 لمجلس حقوق الإنسان التي عقدت في شهر مارس الماضي في جنيف، والتي أشار فيها إلى أن السلطات الحاكمة في البحرين فرضت قيوداً متزايدة على المجتمع المدني والسياسيين، الذين تعرضوا للاعتقال والاستجواب والترويع ومنع السفر مشدداً على أن القمع لن يقضي على مظالم الناس في البحرين، ولكن سيزيد هذه المظالم، على حد وصفه.

مثل هذه المواقف أثارت غضب السلطات الحاكمة في البحرين التي وصفتها بالمنحازة والإدعاءات الزائفة، حتى وصل الأمر بوزير خارجية البحرين خالد أحمد الخليفة إلى الخروج عن أصول اللياقة الدبلوماسية عبر الإستهزاء بالمفوض السامي، واصفا إياه بمن لاحول له ولا قوة! وأما السعودية فهي الأخرى كانت ممتعضة من أداء المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وتحديداً من المفوضِ السامي زيد بن رعد الحسين. وكان سبب التوتر السعوديِ هو أن الرياض تلقت عبر مندوبِها السابق في جنيف فيصل طراد، رسالة حذّرت فيها المفوضية من أنها لن تقف صامتة إزاء الانتهاكات الجارية في السعودية، وخاصة تزايد حالات الإعدام والتضييق على الناشطين، ومنهم المدون رائف بدوي الذي طالب المفوض السامي بالغاء حكم بجلده، لكن السلطات السعودية لم تستجب للطلب.

ومما أثار غضب السعودية أيضا هو مطالبة الحسين المتكررة بإجراء تحقيق دولي في جرائمها ضد المدنيين في اليمن، وكانت آخرها في شهر سبتمبر الماضي الذي لفت فيه إلى أن المنظمة الدولية تحققت من مقتل 5144 مدنيا في الحرب باليمن، أغلبهم في ضربات جوية للتحالف بقيادة السعودية. فيما لم يتوقف مكتبه من انتقاد الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان وعددها 47 دولة متهما إياها بعدم الاضطلاع بمسؤولياتها بجدية ،وحثها على التحقيق فيما وصفها بالكارثة التي هي بالكامل من صنع البشر. غير أن جهود المفوض السامي لتشكيل لجة تحقيق في جرائم الحرب باليمن ذهبت أدراج الرياح، إذ تم إفشال مشروع القرار الهولندي بهذا الشأن تحت ضغوط من الدول الكبرى الحليفة للسعودية.

ومع بدء الأزمة القطرية وجه المفوض السامي انتقادات إلى دول الحصار الأربع، وخاصة إجراءاتها التي أثرت بشكل كبير على العوائل المختلطة التي تعرضت إلى تفكك أسري، بالإضافة إلى القرارات التي اتخذتها كل من البحرين والإمارات والقاضية بمعاقبة كل من يتعاطف مع المتضررين من الأزمة القطرية، معتبرا أن تلك القرارات تنتهك الحق في حرية التعبير عن الرأي التي كفلتها المواثيق والأعراف الدولية.

وأما على الصعيد الدولي؛ فدخل المفوض السامي في مواجهة مع الإدارة الأمريكية الجديدة التي هدّدت بإلإنسحاب من مجلس حقوق الإنسان واصفة إياه بمنبر للنيل من أسرائيل. تهديدات سرعان ما رد عليها المفوض السامي داعيا القادة السياسيين الذين يشنون حملات ضد حقوق الإنسان العالمية أو يهددون بالانسحاب من المعاهدات الدولية أو الإقليمية والمؤسسات الداعمة؛ إلى تذكر ما حققه العالم على مدى سبعة عقود على صعيد حقوق الإنسان، وبما ستخسره البشرية إذا نجحت تهديداتهم في القضاء على حقوق الإنسان العالمية.

وأما المواجهة الثانية مع الإدارة الأمريكية فقد وقعت بعد قرارها الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وإصدارها أوامر لوزارة الخارجية ببدء إجراءات نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، وهو القرار الذي عارضه الحسين بشدة.

هذه المواقف جعلت الحسين شخصا غير مرغوب فيه لدى السعودية وحليفتها الإدارة الأمريكية، وكلاهما دولتان عضو في مجلس حقوق الإنسان. ولذا فتبدو نجاح مساعيه للترشح لولاية ثانية تنتهي في أغسطس من العام 2022 ضعيفة. فالإنتخاب لهذا المنصب يتم عبر ترشيح من الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة، وعبر تصويت الجمعية العامة للمنظمة الدولية. ولايبدو اللوبي الأمريكي والأنظمة القمعية في العالم راغبة في بقائه في منصبه، بل تسعى لإزاحته منه في أسرع فرصة، إلا إذا غير من سياساته.

وقد بدا واضحا من تصريحاته الأخيرة أن معادلة بقائه في منصبه مرهونة بركوعه بحسب وصفه، لكن الحسين آثر عدم الإنحناء لإرادة منتهكي حقوق البشر وحماتهم الدوليين الذين سيبحثون عن مرشّح يحول المفوضية ومجلس حقوق الإنسان إلى مؤسسات لتلميع صورة الأنظمة القمعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى