تقارير

القتل المتوحش: العسكرة ورغبات الانتقام في البحرين

 

البحرين اليوم – (خاص)

 

الأحكام الجماعية بالإعدام التي أصدرتها مؤخرا المحكمة العسكرية في البحرين؛ تعكس طبيعة “التوحش” المتوغلة في بنية النظام العسكري الذي صار من الواضح أنه يقود دفة الحكم في البحرين، وأنه بات الطرف الأقوى في معادلة الحكم بالبلاد.

قبل أن تصدر المحكمة العسكرية أحكام الإعدام على ستة مواطنين مدنيين بتهمة “التفكير” في اغتيال “المشير” خليفة أحمد؛ كان البعض يقف مشككا في مقولة “عسكرة الدولة” في البحرين، معتبرا هذا الوصف وصفا شعاراتيا وغير واقعي. جاء التعديل الدستوري الذي تقدم به الحاكم حمد عيسى الخليفة ليقول على لسان وزير العدل أمام مجلس الشورى؛ أن التعديل الدستوري يستهدف إحالة المدنيين للقضاء العسكري، وحيث إن ذلك لا يصح إلا في حالة إعلان الأحكام العرفية، فيجب تعديل الدستور ليكون متاحاً للقضاء العسكري ممارسة نفوذه في أجهزة الدولة، وأن يكون رئيس القضاء العسكري – “المشير” نفسه – حاكما عسكريا جديدا وبغطاء دستوري.

معنى ذلك، أن القانون والدستور الذي وضعه حمد عيسى الخليفة بطريقة منفردة في فبراير ٢٠٠٢ بات ضيقا أيضا على نزعات الانتقام العسكرية، وأن المؤسسات الهشة التي طُرحت بديلا عن المستوى الأدنى من المؤسسات الديمقراطية؛ لم تعد مهمة أيضا، بل عليها أن تصوِّت بالموافقة والتأييد، وفي أكبر فضيحة سياسية. فلم يكن مجلس النواب والشورى سوى راقص محترف لتمرير إرادة الحكم العسكري في التحايل الدستوري وبغرض تطبيق الأحكام العرفية المضمرة.

بعد إتمام التعديل الدستوري؛ تقدمت الحكومة بمشروع قانون تعديل القضاء العسكري بما يُجيز للقضاء العسكري محاكمة المدنيين مباشرة تحت عنوان الإرهاب وعناوين أخرى. وبالنظر لبنود تعديلات قانون المحاكمات العسكرية؛ يصبح من الممكن والجائز محاكمة أي شخص تحت أي بند من تلك البنود.

 

المطلوب أولا.. آية الله الشيخ عيسى قاسم

 

تعود أصول قصة المحكمة العسكرية إلى بداية الاعتصام المدني الجماهيري أمام منزل آية الله الشيخ عيسى قاسم في يونيو ٢٠١٦م بعد صدور مرسوم “الملك” بإسقاط جنسية الشيخ عيسى قاسم، وفرض الحصار الجماعي على منطقة الدراز. وقتها؛ نشطت أجهزة الاستخبارات فيما تُسمى “قوة دفاع البحرين” وفي جهاز “الأمن الوطني”؛ لتلفيق تهمة تتوافق مع مضمون مرسوم إسقاط الجنسية الذي أصدره حمد عيسى تحديدا في تاريخ ٢٠ يونيو ٢٠١٦م ونُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ ٣٠ يونيو من العام نفسه. وكانت وزارة الداخلية ادعت في بيان لها أن الشيخ عيسى قاسم “قام منذ اكتسابه الجنسية البحرينية بتأسيس تنظيمات تابعة لمرجعية سياسية دينية خارجية، حيث لعب دوراً رئيسياً في خلق بيئة طائفية متطرفة، وعمل على تقسيم المجتمع تبعاً للطائفة وكذلك تبعاً للتبعية لأوامره”. وتابع بيان الداخلية مزاعمه: “قام المذكور بتبني الثيوقراطية، وأكد على التبعية المطلقة لرجال الدين، وذلك من خلال الخطب والفتاوى التي يصدرها مستغلاًّ المنبر الديني، الذي أقحمه في الشأن السياسي لخدمة مصالح أجنبية وشجع على الطائفية والعنف، كما رهن المذكور قراراته ومواقفه التي يمليها بصورة الفرض الديني من خلال تواصله المستمر مع منظمات خارجية وجهات معادية للمملكة، ويقوم بجمع الأموال دون الحصول على أي ترخيص، خلافاً لما نص عليه القانون”. انتهى الاقتباس من بيان الوزارة.

بعد مداولات عديدة، واستعراض خبرات أمنية من دول مجاورة؛ جاءت الخطة الأولى متضمنة اعتقال المقربين من الشيخ عيسى قاسم، وإجبارهم على الاعتراف بدوره في التخطيط لعملية اغتيال “المشير”. وبالفعل؛ قامت قوات جهاز الأمن الوطني باعتقال السيد علوي السيد حسين – أحد المقربين من الشيخ والملازمين له منذ عقود – وذلك باختطافه من مقر عمله في ٢٤ أكتوبر ٢٠١٦م. وفي حديث عن تفاصيل اعتقال السيد علوي؛ ذكرت عائلته بأنه كان متواجداً في مكان عمله الذي يقع قرب المطار، وبالتحديد في موقع حديقة قديمة حُوِّلت إلى مشروع جديد. وقد داهم أربعة عناصر من قوات الأمن بلباس مدني ومدججين بالسلاح؛ غرفة الاجتماع أثناء جلسة للسيد علوي مع مهندسين ومدراء المقاول المتعاقد معه، وذلك في الساعة الرابعة عصراً. قوات الأمن اعتقلت السيد علوي، وصادرت هاتفه النقال وجهاز آخر يحتمل أن يكون “الآيباد” الخاص بالعمل، ومن ثم اقتادت المعتقل إلى جهة مجهولة، كما أن أحد عناصر قوات الأمن قام بمصادرة السيارة التابعة للشركة التي يعمل فيها السيد علوي. إضافة إلى ذلك؛ فإن زملاء المعتقل السيد علوي في مكان عمله فوجئوا صباح اليوم التالي باختفاء حاسوبه الخاص من مكتبه. وتعرض وقتها للإخفاء القسري لأكثر من ثمانية شهور، دون أي اتصال بأهله أو محاميه، ولم يعرف أحد عنه شيئا، إلا أن التخمينات كانت تدور حول تعذيبه لإجباره على تقديم اعتراف ضد الشيخ عيسى قاسم، ليكون شاهد إثبات في تقديم الشيخ إلى محاكمة بتهم جنائية أكبر مما ذكره بيان وزارة الداخلية حول غسل الأموال والتحريض على العنف وكراهية النظام عبر الخطب الأسبوعية.

فشلت مخابرات الجيش والأمن الوطني في نزع اعترافات من السيد علوي تدين الشيخ قاسم، وعلى ضوء هذا الفشل حُوِّلت القضية إلى مسار آخر، وهو تشكيل “خلية” مترامية الأطراف لا يجمع أعضاءها أي رابط، اسمها قضية “التفكير” في اغتيال “المشير”، وأن التدريب الذي تلقّاه أعضاء الخلية “التنفيذيون”؛ هو مقبرة الدراز، الأمر الذي اعتبره نشطاء “سخفا وسخافة، ونكتة باهتة لا تثير ضحكا بالأساس”.

إشكالية رغبات الانتقام، ونزعات التوحش هو أنها لا تُتقن فنون الكذب، وهي لا تتعلم من أخطائها مطلقا. وهذا ما حدث أيضا في تلفيق قضية كيدية للأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان عندما زجّت النيابة العامة ضده تهمة تسريب أخبار تحركات الجيش لدولة أجنبية في محاولة منها لتحويل قضية الشيخ علي إلى محكمة عسكرية أيضا تحت بند ” الجرائم التي تقع على المنشآت الحيوية أو الهامة أو المواكب الرسمية متى كان تأمينها أو حراستها تحت مسؤولية قوة دفاع البحرين أو الحرس الوطني”.

 

 

ملحق: نص مرسوم حمد عيسى في توسيع القضاء العسكري ليشمل المدنيين

 

أصدر حمد عيسى آل خليفة، مرسوماً ملكياً من أربع مواد تضمنت التعديل على قانون القضاء العسكري، في مادتين: الأولى «استثناءً مما ورد في أي قانون آخر، يختص القضاء العسكري بنظر الجرائم الآتية عند ارتكابها عمداً من شخص غير خاضع لأحكام هذا القانون بصفته فاعلاً أو شريكاً داخل المملكة أو خارجها»، ويشمل ذلك «الجنايات الماسة بأمن الدولة الخارجي والمنصوص عليها في قانون العقوبات، متى وقعت في العمليات التي تتولاها قوة دفاع البحرين أو في حالة إرهاب مسلح من الخارج». كما يشمل أيضاً «الجرائم التي تقع في نطاق الأماكن الخاضعة لقوة دفاع البحرين أو الحرس الوطني بما في ذلك السفن والطائرات والمركبات والمباني والمعسكرات والمنشآت ومناطق التمركز والمناورات ومحاور التقدم للقوات ومواقع العمليات». ويخضع لهذا التعديل «الجرائم التي تقع على أموال أو ممتلكات أو معدات أو آليات أو مهمات أو اتصالات أو أشياء أو أسلحة أو ذخائر أو سجلات أو وثائق أو أسرار قوة دفاع البحرين أو الحرس الوطني وكافة معلقاتهما أينما وُجِدت». كما يندرج تحت ذلك «الجرائم التي ترتكب ضد منتسبي قوة دفاع البحرين أو الحرس الوطني متى وقعت بسبب أو بمناسبة تأديتهم أعمال وظيفتهم»، وتشمل أيضاً «الجرائم التي تقع على المنشآت الحيوية أو الهامة أو المواكب الرسمية متى كان تأمينها أو حراستها تحت مسؤولية قوة دفاع البحرين أو الحرس الوطني»، و«الجرائم المرتبطة بأي من الجرائم الواردة في البنود السابقة».

ويجوز للقضاء العسكري إحالة أي من الجرائم الداخلة في اختصاصه وفقاً للبنود السابقة إلى القضاء المدني أو لأي جهة قضائية مختصة. وفي المادة الثانية تضمن التعديل «استثناءً مما ورد في أي قانون آخر، للنائب العام بعد موافقة القضاء العسكري أن يحيل إلى هذا القضاء أي من الجنايات الواردة في قانون حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية، أو أي من الجنايات الماسة بأمن الدولة الخارجي أو الداخلي والواردة في قانون العقوبات، وما يرتبط بها من جرائم». ونص المرسوم على استبدال المادة 46 من قانون القضاء العسكري لتصبح «تختص المحاكم العسكرية بالفصل في الدعاوى الداخلة في اختصاص القضاء العسكري وفقاً لأحكام هذا القانون».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى