ما وراء الخبر

سقوط المخادع محمد خالد: مشاهد من انحلال “البلطجية الطبالة”

البحرين اليوم – (متابعات)

 

شكلت ظاهرة “البطلجية الطبالة” في البحرين واحدة من أهم المظاهر التي طبعت الصراع السياسي الجاري في البلاد، وخاصة بعد ثورة ١٤ فبراير ٢٠١١م، ويمكن اعتبار هذه الشريحة المتلونة بوصفها تطورا للمجموعات الاستعمالية التي نشأت على ضفاف المساعي الحثيثة التي يبذلها النظام لتثبيت صراعه ضد السكان الأصليين، ولإكمال محاولاته الدائمة للهروب من الاستحقاقات التي ارتبطت بالثورات والاحتجاجات على مدى تاريخ هذه البلاد. ولكن هذه الظاهرة جرى تضخيمها خلال ثورة ١٤ فبراير بعوامل ومعدّات إضافية، تختلف عن تلك التي تكوِّن جماعات “الوساطة” والوجاهات السياسية الوظيفية العاملة وفق مصالح النظام. ولعل أهم هذه العوامل والمعدات، هو أن “البلطجية الطبالة” تشكّلت من فئات اجتماعية مطبوعة بالتشوه الأخلاقي، ولها فاعل أساسي وهو المصلحة المادية، والتكسُّب السريع من “الشيوخ”، مع وفرة هائلة من الغلو الطائفي والحقد على المواطنين الشيعة. ولهذه الأسباب؛ فإن “البلطجية الطبالة” مصابون بمرض التفجُّر والاشتعال والانكسار من الداخل، ومن السهولة أن تشبّ الخلافات الداخلية فيما بينهم، فضلا عن انقلاب النظام عليهم وحرقهم في أية لحظة يجد فيها أنهم خرجوا عن “الحدود المرسومة” أو أن مهمتهم الفتنوية يجب أن تتوقف أو يُعاد تشكيل حطبها من جديد.

ما حصل في حكاية حساب تويتر “نائب تائب” يعكس جوانب عديدة من هذه الصورة التي اتضحت أكثر مع اعتقال “الإعلامي” محمد الشروقي وآخرين بتهمة الوقوف وراء هذا الحساب الذي “نشرَ غسيل” رفاقه من البلطجية الطبالة، في حرب أشبه ما تكون بالحروب التي تتقاتل فيها الخبائث، ويتشارك في تأجيجها الأشرار فيما بينهم، وبأعواد من الخليفيين أنفسهم. فضحَ الحساب المذكور أبرزَ الوجوه التي كانت ترمي بأسوأ سمومها في وجه الثورة وشعبها، وخاصة في سنتها الأولى حينما كانت وظائف “البطلجية الطبالة” على أشدها، وأثبت مشغلو الحساب – وهم من “أهل الدار والكار” – ما هو ثابت عن فُحش أسماء طالما ترصّدت للثورة والأبرياء، وحرّضت على شعبها ورموزها، أمثال عبدالله هاشم، عادل عبدالله، محمد العثمان، ومحمد خالد وآخرون.

 

من الممكن الإحاطة بالخبث المدمِّر وسوء العاقبة التي تقدمها حكاية “نائب تائب”؛ من خلال الوقوف عند الفضائح المكشوفة عن “محمد خالد”، والذي كان واحدا من أشد الوجوه القميئة التي لم تتوقف عن نشر فجورها في استعداء البحرانيين، والتحريض عليهم والاستقواء ضدهم بمدرعات ودبابات آل خليفة وآل سعود، بما في ذلك التعدي السافر على عقائدهم ورموزهم، ولا يزال يتذكر المواطنون هذا الوجه السيء وهو ينشر الفواحش وينشر أسوأ القبائح في كل محطات الثورة، مستغلا عاداته السيئة في الارتزاق من آلام الناس ومعاناتهم، وباحثا عن مختلف السّبل لنيل الرضا بأن يكون عبدا أسود القلب واللسان لدى أسياده القتلة والطائفيين، ولكن بأسلوب المخادعين وعديمي الأخلاق.

وكما هو حال سلالة الطّبالة البلطجية؛ فعلَ محمد خالد كل الأفعال ورمى بكل الأقوال التي تقرّبه من محاور الشر الخليفي، من خليفة سلمان ومن ناصر حمد، ومن خليفة أحمد إلى ضباط التعذيب في الأجهزة الخليفية. وكانت دسائسه ضد الرمز المعتقل الأستاذ حسن مشيمع، وانبه المهّجر خارج البلاد، جانبا من تلك الصورة السوداء، ولعل تداعيات “نائب تائب”، القابلة للتدحرج، ستكشف المزيد من طينة النفاق الأسود الذي عُجن به محمد خالد وأمثاله، وبأيدي الخليفيين أنفسهم.

في الوقت الذي يتمدّد محمد خالد تحت أقدام الخليفيين وضباط القتل والتعذيب، وينشر أكاذيبه حول الولاء المخادع لآل خليفة، فإن ابنه، عمار، يلعب اللعبة نفسها، ولكن مع حكام قطر، الذين باتوا اليوم في خانة أعداء آل خليفة. عمار الذي يعمل في قناة “الجزيرة” القطرية، ويحمل الجنسية القطرية، وفق “نائب تائب”، لم يكن غريباً عن عادات وأخلاق والده وهو يؤدي دوره المعهود في ملعب العبودية الخاص بالخليفيين، من غير أن يتردد في أن يكون ذيلا هابطا يتبع كل واحد منهم، مع تبرعات لا تتوقف عن توزيع القبائح، كالتي خرجت من فمه المطّاط في تجمع “ساحة الشرفاء” في الأول من مارس ٢٠١١م، حين نفخ في أنابيب الفتن الطائفية الفاضحة، وأعلن عن أكذوبة “أسود السنة” والاستعداد لشن الهجوم على “المخربين والمخرفين” و”المجوس من أصحاب قم” المعتصمين في دوار اللؤلؤة.

يومها، كالَ محمد خالد الأوصاف الساقطة بحق الشيعة والرموز والنشطاء، وخصّ إطلاق أحطّ الكلمات ضد الأستاذ حسن مشيمع، وأطلق عليه “اللعنات” مرارا وتكرارا واصفا إياه بـ”المجرم”، كما كذّب ولفّق ضده كلاما مفبركا، حيث نسب إليه زورا وبهتانا القول بأن “البحرين هي لأهل الشيعة”، والإدعاء بأن “الباسيج” يستعدون لمحو “السنة” و”النواصب” من البحرين، كما روّج أكاذيب الهجوم على نساء “أهل السنة” وإرسال المعتصمين في الدوار للشاحنات إلى المحرق للهجوم على المواطنين السنة فيها.

كان ذلك خلاصة العفن الذي تم طبخه في مجالس آل خليفة وآل سعود، وجرى تعميمه في كل مكان للتأليب على ثورة البحرين، وتشويه حقيقة مطالبها في التغيير الديمقراطي الشامل والحقيقي، وقد وفّر الخليفيون كل الوسائل والمنابر و”المزابل” لنشر هذا العفن، والتأسيس عليه، بما في ذلك فبركة الاتهامات والملاحقات وعمليات الاضطهاد المفتوحة التي حصدت آلاف الضحايا والمعذبين، وكان ذلك يُعدّ في كل الغُرف السوداء في ديوان “المشير”، وفي قصر “الصافرية”، وفي الدواويين التي كان يجول فيها خليفة سلمان آنذاك وهو يقوّي من عزيمة الطّبالة، ويعطي الحماية للقتلة، أمثال عادل فليفل، الذي امتدحه خليفة وأشاد بـ”غضبته” التي تعلّم منها محمد خالد، وتبادل بها مع بقية وحوش “الشرفاء”.

يدور الزمان على أهل النفاق، ويُصبح محمد خالد في دائرة السوء الذي يحيق به مكرا وفضحا، ومن لدن أولئك الذين كانوا معه في خندق التحريض الطائفي وترويج الأكاذيب، وسقطت عليه الروائح النتنة التي كان ينفخ بها على المواطنين والرموز، وأصبح حاله مثل بائعة الهوى التي تسترت طويلا خلف البرقع والقناع، ليُكشف حالها في نهاية المطاف، وقد كان حالها معروفا لمن أمعن، ولو قليلا، في قولها وفعلها. إذن، المتزلف إلى مجالس آل خليفة، والكذّاب الأشر الذي خدع البلهاء بأنه “حامي الديار من شر الأشرار” وأنه “قاهر المجوس والكفار”؛ يبينُ اليوم بعض ما تحت ثوبه المفروش على أكثر من ماخور، وكعادة طُلاّب المصلحة والسُّعاة من أجل الغنيمة التي يلوح بها الفائز والأقوى. فصاحب اللحية الكثة الذي يروّج نفسه في صفوف السلفيين، من صنف “الدواعش”؛ يُخفي ميوله الإخوانية على النحو التي يُظهرها ابنه القاطن في الدوحة، والذي يقتدي بأبيه في التزلف إلى الشيوخ القطريين، ويلتقط معهم صور النفاق التي تضمن له إغداق العطايا، والمزيد من الحماية والأمان العبودي، وهو في ذلك يتأسّى بأكمل ما يكون بأبيه حمّال الأكاذيب، ونقّال الفتن، والطافح بخصال الفاشيين التكفيريين.

في مثل هذه الأيام، قبل سبع سنوات، تعود ذكرى كلمة محمد خالد في “ساحة الشرفاء”، وهي الأيام ذاتها التي تعود فيها ذكرى عودة الأستاذ إلى البحرين، وسطوع وجهه في سماء دوار اللؤلؤة. واليوم، وبعد هذه السنوات، يتعملق الأستاذ في سجنه، رغم المعاناة التي لا حدود لها، ويتساقط محمد خالد إلى أسفل سافلين. يخرق مشيمع جدرانَ السجن ويُسقط قناة “العربية” بعد أن كسب الدعوى المرفوعة ضد القناة من قِبل “الأوفكوم” ومنع بثها في لندن. يهزم الأستاذ – وهو في سنّ السبعين – سجانيه، الصغار والكبار، ويبقى أقوى من القضبان ومن خطوط السرطان. أما الكذّاب محمد خالد؛ فتلتف خطوط لحيته على رقبته، مثل حبل المشنقة، ليظهر مثل الساحرة المخادعة التي كُشف سُرّها، وبدأ الصبيان برجمها بالحجارة. انكشفت أكذوبة “أسد السنة”، وفاز “أسد الممانعة”، واُرخي الستارُ عن مسرحيات المهرِّج الذي جرّب حظوظ الكذب في “تجمع الفاتح” تارة، وفي “ساحة الشرفاء” تارة ثانية، وفي مجالس الخليفيين تارات أخرى. خابَ الكذّاب، وانتكسَ الطّبال البلطجي، والفأل لبقية فاقدي الضمير وحُرّاس الرذيلة. أما مشيمع ورفاقه، فظلّ محاطا بالتهليل والتعظيم، ومطوَّقا بالأزهار والرياحين، وبمشاعر الوفاء من شعبٍ أعجزَ جيوش الطبالة وعبيد النظام البلطجي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى