مقالات

عندما يبيع الحاكم سيادة بلده: صفقة بيع سيادة البحرين للإمارات

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: باقر المشهدي

متخصص في شؤون الخليج

 

في العرف السياسي؛ نالت البحرين السيادة في اختصاصاتها الداخلية والخارجية في أغسطس ١٩٧١، وهو تاريخ استقلالها عن الوصاية البريطانية التي بدأت مع عائلة آل خليفة منذ ١٨٢٠، وعبر معاهدات عديدة سلّمت فيها العائلة الخليفية زمام الأمور للإدارة البريطانية.

تُعرف السيادة في الدولة الحديثة على أنها “السلطة العليا المطلقة التي تفردت وحدها بالحق في إنشاء الخطاب الملزم المتعلق بالحكم على الأشياء والأفعال”، بمعنى أن تكون السلطة في الدولة هي صاحبة الكلمة العليا واليد الطولى على إقليمها وعلى ما يوجد فيه وفوقه. يقسّم علماء السياسية الدول ذات السيادة إلى دول كاملة السيادة، لها مطلق الحرية في اتخاذ ما تراه مناسبا لأوضاعها، مقابل دول منقوصة السيادة نظرا لخضوعها لدولة أخرى أو تبعتها لها كما في حالات مثل الانتداب أو الاستعمار أو الوصاية.

حقيقة الأمر أن البحرين – ومنذ قبولها عضوا مستقلا في الأمم المتحدة – لم تمارس سيادتها الداخلية والخارجية بشكل مستقل، بل إنها ظلت مسلوبة السيادة الكاملة وبرغبات حكامها من آل خليفة! وكل ما في الأمر أن حكم آل خليفة استبدل الوصاية البريطانية بأخرى سعودية، زادت قوة نفوذها بعد ١٩٨١، وتُرجمت تلك الزيادة في ربط البحرين بجسر بحري ربط جزيرة البحرين بالسعودية منذ ١٩٨٦.

تاريخيا، فإن حكم آل خليفة لم يكن يستقر دون اللعب بمبدأ السيادة وتوظيفه لصالح بقائهم في سدة الحكم، حتى ولو بيعت تلك السيادة في سوق النخاسة! كما كان يفعل حاكم البحرين محمد بن خليفة والذي كان لديه ثلاثة أعلام لدول كبرى (إيران، العثمانيين، البريطانيين) يستبدل رفعها حسب مصالحه الشخصية. هذه السيولة في بيع الولاء سرعان ما أصبحت محددة مع التدخل البريطاني وغير مسموح بها، لذا كان على الحاكم لاحقا وعلى أبناء وسلالة الحكم التابعة لآل خليفة؛ أن يُظهروا التبعية التامة لبريطانيا.

في الوقت الحالي، وخصوصا في ذروة ثورة ١٤ فبراير ٢٠١١؛ أعاد حمد عيسى الخليفة نظرية “التبعية المتعددة” كأسلوب لضمان بقائه في سدة الحكم على حساب مصالح البلد القومية، فَرَهن البلاد للقوى التي تكفّلت بحمايته وحماية ثروته ومضاعفتها، وصار واجبا عليه أن يسوق هذه التبعية تحت عناوين مقبولة ومتناغمة مع بعض الثوابت “الوطنية القومية”، من قبيل الوحدة الخليجية، والتلاحم الخليجي، ومواجهة خطر إيران الخارجي، وغيرها من المقولات التي تعفيه أمام شعبه “الجديد” من تبعات بيع السيادة والتفريط في استقلالية القرار السياسي.

والحقيقة أن لضعف شخصية الحاكم دورا كبيرا في تحقيق التبعية والخضوع للهيمنة السياسية، رغم أن بعض منظري السياسة الدولية يرون “حتمية” تبعية الدول الصغيرة للدول الكبرى المجاورة. وإذا ما تم جمع كلا العاملين معا؛ فسنكون أمام خضوع مضاعف وتبعية عمياء تُلغي كل فقرات الاستقلال الذاتي للحاكم وللدولة أيضا. وهذا ما ينطبق على وضعية البحرين تماما!

شخصية “الملك” مليئة بالضعف أمام التحديات التي تواجه ملكه، سواء كانت تلك التحديات ناتجة من أسرته والمحيط الذي يحيط به (الخوف من الانقلاب الداخلي وسلب الصلاحيات) أو من الشعب الذي يرفض إطار الاستبداد والدكتاتورية المقننة. ويحيط بالبحرين قوى سياسية طامعة في النفوذ والهيمنة، مثل السعودية والإمارات، بحكم الثروات المالية الهائلة التي يتحكمون بها ويعتمدون عليها في بسط هيمنتهما ونفوذهما.

في اتون سياق ما عُرف بالربيع العربي؛ نشأت علاقة تنافسية واضحة بين ثلاث دول عربية هي: قطر والسعودية والإمارات، وسعت كل دولة إلى محاولة بسط هيمنتها على أكبر مساحة ممكنة من الوطن العربي، ومحاولة صدّ أو احتواء ثورات الربيع العربي، ومنع تأسيس ديمقراطيات شعبية في تلك الدول يكون نتيجتها رفع تبعية الأنظمة القابعة في السلطة لهذه الدول الثلاث.

من هذا السياق، كان هناك تنافس سعودي إماراتي للاستفراد بالهيمنة على البحرين، والتفرُّد في قراراها السيادي، واستثمار هذا الإنفراد في كسب صراعات كامنة قد تظهر بصورة قوية، مثل صراع السعودية وقطر، حيث تفجّر الصراع في الفترة الأخيرة بصورة لم يعد بالإمكان تلافي تداعياتها بعد أن كان صراعا كامنا لعدة عقود. وبالفعل، فهناك صراعات كامنة بين السعودية والإمارات قد تنفجر مباشرة أو بطريق غير مباشر، كما هو السائد في صراع الإمارات والسعودية في اليمن أو لبيبا أو تونس. فخلف التحالف الظاهري بين الرياض وأبوظبي هناك “صراع هيمنة” و”تنافس نفوذ” أكبر مما يظهر للعلن.

خطورة الموقف أن الحاكم الخليفي في البحرين يحاول أن يعيد لعبة تعددية الولاء وتجزيئية السيادة الوطنية وبيعها للأطراف المتنافسة، فتارة يعلن ولاءه التام والكامل لبريطانيا، ويعبّر عن حبه وتعلقه بفترة الوصاية البريطانية، وتارة نراه يلقي بثقله التام على السعودية ويسلمها أمور البلاد الداخلية، وثالثة يعطي الإمارات ما تريده من حصة في القرار السياسي والسيادي.

وإذا كان الحديث عن النفوذ السعودي حديثا مكررا ومعروفا للقاصي والداني، فإن النفوذ الاماراتي بات في الفترات الأخيرة ولاسيما بعد ٢٠١٤ أقوى مما كان سابقا، بل إنه أصبح منافسا قويا أيضا للنفوذ السعودي.

وهذا نجده واضحا في ملف تدخُّل الإمارات وإصرارها على تنفيذ أحكام الإعدام في يناير ٢٠١٧ لثلاثة من الشباب المؤمن في البحرين على خلفية مقتل أحد الضباط الاماراتيين في ٢٠١٤، حيث تشير بعض المعلومات إلى أن محاكمة الشباب سامي مشيمع، عباس السميع، وعلي السنكيس، وإقرار إعدامهم وتعذبيهم؛ كان تحت وصاية إماراتية صريحة وواضحة، وتحت عنوان “قبلي سخيف”، وهو الثأر لمقتل الضابط الإماراتي طارق الشحي، كما قال عبدالله بن زايد، وزير الخارجية الإماراتي، في زيارته لوالدة الشحي، وتناقلته وسائل التواصل الاجتماعي. ومنذ هذه الحادثة؛ أصبح للإمارات “قوة حجة” أمام السعوديين وحاكم البحرين، وهي أن لـ”عيال زايد” دم في البحرين يقابله حصولهم على حصة من القرار السياسي والسيادي.

وقد ساعدت عوامل عديدة في رفع مستوى النفوذ الإماراتي في البحرين وسيطرتها على التدابير السياسية الداخلية والخارجية. ومن تلك العوامل:

  • انشغال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في شؤونه الداخلية وانخراطه في مشروع تأسيس “الدولة السلمانية” وإحكام السيطرة المطلقة على البلاد.
  • الفائض المالي والاقتصادي التي تحظى به أبوظبي بالمقارنة مع استنزاف الموارنة السعودية في حروب خارجية.
  • التوغل الإماراتي العسكري في بنية الأجهزة الأمنية في البحرين وبصورة بنيوية وقيادية، خلافا لدور المساندة التي كانت تتبعه القوات السعودية.
  • انخراط الإمارات في المشروع الأمريكي الإستراتيجي الجديد بشكل يجعل من أبوظبي “مؤشر بورصة” السياسية الأمريكية في المنطقة.

نتيجة لهذه العوامل وعوامل أخرى أيضا؛ يمكن القول أن الحصة الأكبر من سيادة البحرين الداخلية تحوّلت إلى الإمارات، وأن الحاكم في البحرين قرر أن تكون أبوظبي هي اللاعب الأغلى في مزاد البيع السيادي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى