عباس الجمريمقالات

“التجنيس” الاستراتيجية الأكثر فتكاً للملك ووزير ديوانه

البحرين اليوم – (خاص)

عباس الجمري

كاتب من البحرين

 

 

المقاربة الأولية التي يقاربها الساسة في موضوع التجنيس أنه “استراتيجية للتغيير الديمغرافي في البحرين غرضها تغيير المعادلة الشعبية وتحجيم المعارضة”، وهذه المقاربة صحيحة بالطبع وأساسية لأنها العنوان الأول للتجنيس السياسي.

لكن استراتيجية التجنيس التي اتخذها الملك ووزير ديوانه خالد بن أحمد لديها أبعاداً كارثية أخرى غير تلك المقاربة السياسية التي يكررها الساسة كلما فتح موضوع التجنيس.

المقاربة السيسيولوجية هي الأخطر في هذا الموضوع، فالتجنيس بصيغته الأولى يعتمد على عنصر (طبقة فقيرة من بلدان أخرى) (توفر لهم الدولة عملاً وحياةً أفضل)، فيخلق وعياً مفاده: العامل المعيشي هو الأساس لديهم، وعامل التحييد أو الموالاة هو العامل الأساس في استراتيجية الملك، أي أنه اتفاق غير مكتوب ينص على (الحياة الكريمة مقابل الحياد أو الموالاة للنظام).

من هنا تتفرع مشكلة التجنيس في أن تمسك المجنسين بالأرض لمدة ما هم فيه من حياة جيدة، تستدعي ترتيب استقرارهم في البحرين، والذي يؤدي لتوالدهم في هذا البلد المستضيف من ثم تمازج الجيل الثاني والثالث لهم مع السكان الأصليين، وهو ما يرتب معادلة (الأثر والمؤثر) في العادات والتقاليد والثقافات واللهجات والطباع والسلوكيات، بل حتى نوع المشاكل والجرائم، التي قد تبدو طارئة في بداية سنوات التجنيس، لكنها ستغدو طبيعية في مجتمع متعدد الأعراق.

ومن المهم الإشارة إلى أن مشكلة التجنيس ليست كأي مشكلة سياسية يمكن حلها بتوقيع أو مرسوم أو قرار، كمشكلة المعتقلين مثلا التي يمكن حلها بتوقيع، أو مشكلة المتضررين التي يمكن جبرها بالتعويض أو غيرها، لأنه-وكما سلف-أن الجيل الثاني والثالث وما يتلوهما من أجيال لن يعرفوا بلدا غير البحرين، وعليه تكون مطالبات ترحيلهم صعبة، وإذا كان آباؤهم لديهم (وعي المعيشة والرزق) فهم سيكون لديهم وعي (الأرض).

على ذلك الأساس يعول الملك كثيراً على استراتيجية التجنيس، التي حلّت عقدة كانت مستقرة في نفس عائلة آل خليفة وهي عقدة (الأكثرية الشعبية) و(الشرعية الشعبية)، وقد باتت هذه الاستراتيجية متسارعة ببركة المشروع الإصلاحي المزعوم، والذي حول البحرين لبلد متشظٍ وتكثر فيه الجريمة.

ومن يعتقد أن التجنيس إنما يستهدف الشيعة فقط، فعليه أن يلحظ نقطتين: الأولى أن المجنسين في مناطق السنة أو في المناطق المختلطة بين الشيعة والسنة. الثانية: أن السنة تضرروا سياسيا واجتماعياً بشكل سريع، فيما سيتضرر الشيعة سياسياً لاحقاً، أما عن تضرر السنة سياسياً، فلا ننس أن بعض القبائل السنية الكبيرة والأساسية في المجتمع السني، حينما جاءت في القرن الثامن عشر للبحرين مع الخليفيين، كان التحالف قائم على مبدأ (نصرتكم لنا مقابل حظوتكم في العطايا منا)، وهو تماماً كالمبدأ الذي أبرمه آل سعود مع عوائل آل شيخ وآل فرحان وبن لادن والدواسر وغيرهم. وأما الضرر الاجتماعي على الطائفة السنية، فيمكن ملاحظة ما تحكي الصحف الرسمية عن الجرائم الغريبة عن طباع المجتمع في البحرين.

أما التضرر السياسي للشيعة فهو معروف، وأشير له في بداية المقال، لكن الأهم هنا أن مشكلة التجنيس لا يمكن حلها ببساطة، إلا بقيام عملية جراحية غير مأمونة الأعراض الجانبية لها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى