ما وراء الخبر

وكر الفضائح في السفارة الخليفية بلندن: أما آن أوان ملاحقة الصناديق السوداء لفواز الخليفة؟

البحرين اليوم – (متابعات)

بجهود حثيثة، ومن خبرته الطويلة في ملاحقة النشطاء؛ يتولى سفير آل خليفة في لندن العمل على إحراز شيء آخر غير البحث عن “نجاح آخر” في ملاحقة النشطاء في بريطانيا. أقرب ما تكون مهمة فواز الخليفة إلى توسيع نطاق “البلطجة”، وتحويل/ تدريب العاملين في السفارة الخليفية إلى بلطجية محترفين جاهزين لتعقّب النشطاء والتشويش عليهم وفبركة القضايا “الخاسرة” ضدهم. يعلم فوّاز أن النشاط المعارض في الخارج ليس محلاّ لانقضاض ناجز وقاطع يُحسَب في سجل أجهزة المخابرات الخليفية، كما أن إمكانات فوّاز الشريرة وقدرات نظامه الأمني أعجزُ ما تكون عن تطويق هذا النشاط وإسكاته نهائيا، كما هو الحاصل مع السياسة المتبعة تجاه النشاط السياسي المعارض داخل البلاد. ليس هناك من خيار غير البلطجة إذن، وإشعار النشطاء في الخارج أن هناك سفارة “قذرة” تعمل بذات السياسة والأدوات المتبعة في جهاز الأمن الوطني، بما في ذلك ابتزاز المتواجدين في الخارج وإطماعهم بالمغريات المتاحة واستخدام أولئك الذين يكونون على حافّة “العمالة”.

بنحو من الأنحاء، يمكن اعتبار “المعركة” التي يقودها فواز في لندن على أنها “آخر” المعارك الطاحونية ضد المعارضة البحرانية في الخارج، وهي بالتالي “الخلاصة الموجزة” للخسارات المتتالية لآل خليفة وهم يناطحون الهواء منذ سنوات لأجل القضاء على ثورة اللؤلؤة والإجهاز على مخزونها المتجدِّد. ولهذا السّبب تحديدا، فإن الدعم “الأسود” الممنوح لسفارة الخليفيين في لندن يفوق ما تتوفر عليه “الأوكار” الأخرى في بقية العواصم الأوروبية، حيث يعوّل آل خليفة على أن تكون سفارتهم في لندن “قوة ضاربة” تحصد لهم النقاط الوازنة في المعركة الجارية مع المعارضة العصيّة كما هو ظاهر على التصفية والإنكسار، كما أن المطلوب أن تكون هذه السفارة “جسرا عابرا” بين آل خليفة والداعمين البريطانيين الذين يراهنون عليها لكي ينقل للخليفيين الخبرات الكافية لـ”تنعيم” القمع وتبييض الصفحات السوداء داخل السجون.

لهذه الأسباب وغيرها، يمكن اختيار الدور البلطجي لفواز الخليفة بوصفه تمثيلا دقيقا لطبيعة العلاقة “الوثيقة” بين آل خليفة والبريطانيين، وهي العلاقة التي طالما أكد النشطاء المحليون والدوليون على أنها كانت، على الدوام، “حائط الصدّ” الأساس في وجه الإدانات الدولية للنظام الخليفي، وقد استعان بها الخليفيون مرارا للإمعان في الجرائم والانتهاكات، رغم كل الضغوط الحقوقية والمواقف الأممية. هذه العلاقة أعطت الخليفيين “ضوءا أخضر” ليس في الاستمرار في مسلسل الانتهاكات والتعديات، ولكن أيضا في البحث عن الوسائل “القمعية” الجديدة الكفيلة بإسكات النشطاء والإجهاز على النوافذ والمواقع التي يتحرك من خلالها النشاط المعارض، بما في ذلك المؤسسات السياسية المنضوية تحت سقف القانون الخليفي المحلي. ولذلك، لن يكون مثيرا للاستغراب أن يكون موقف الشيخ علي سلمان في العام ٢٠٠٤ الرافض للانتخابات البرلمانية – والذي انتقده البريطانيون علانية – هو الخيط الأخير الذي جرّ على الشيخ سلمان وجمعية “الوفاق”؛ الشّرور الخليفي المتدحرج، والمصحوب بسيل من التلميعات والتبريرات البريطانية، وكما يتضح مثلاً من ردود الحكومة البريطانية “المنمطة” على الأسئلة المكتوبة التي يرفعها النواب البريطانيون.

ثمة صناديق سوداء عديدة تتجمّع في سفارة الخليفيين بلندن، ولعلّ ملف استهداف الناشط البحراني السيد أحمد الوداعي وعائلته في البحرين؛ هو من الملفات المثيرة للاهتمام لكونه يُعطي صورة بانورامية لطبيعة ما يُفضّل وصفه الوداعي على أنه “بلطجة” ممنهجة، ومحاطة بأدوات الإكراه والابتزاز المعهودة في “غرف الموت” التي فاحت بعض روائحها من جهاز الأمن الوطني بمبناه في مدينة المحرق. يتقاطع في نشاط السيد الوداعي الوجهان المتلازمان اللذان لا يريد الخليفيون أن يكون نموذجا للنشاط المعارض في الخارج، فمن جهة هناك نشاط حقوقي محترف، يتحرّك وفق أدوات العمل الحقوقي الدولي، ويُتقن بمهارة إدراة الملفات الحقوقية عبر الأروقة الحقوقية والسياسية على حدّ سواء، ومن جهة أخرى يتوفّر السيد الوداعي على حضور مبكّر في ميدان فضح العلاقة الملتبسة التي يتسلل منها البريطانيون لتقديم العون والمساندة لنظام “القمع” في البحرين، وقد شارك الوداعي في إبراز هذه “الفضيحة” من خلال نشاط احتجاجي ميداني متعدّد أثار أشدّ “الإزعاج” في نفوس الخليفيين، كما هو الحال مع الاعتصام في حلبة سباقات رويال وندسور بالمملكة المتحدة ومواجهة الخليفيين الحاضرين في الحلبة، وكذلك في الاعتصامات المتكررة أمام السفارة الخليفية في لندن، إضافة إلى الاحتجاجات الأخرى التي أخذت طابع “الملاحقة” الحية للمعذبين الخليفيين والسعوديين. ولم يكن الاستفراد بالسيد الوداعي سهلا بالنسبة للسفارة وللنظام الخليفي عامة، فالشاب الذي يقود “معهد البحرين للديمقراطية والحقوق” من العاصمة البريطانية لندن؛ لم يكن هدفا سهلا للاتهامات المفبركة التي اعتادت بيانات السفارة على إذاعتها في أكثر مناسبة، واتهمت فيها الوداعي بـ”الإرهاب”، وهو ما جعل الخليفيين يفضلون – في الخط العريض – أسلوب الابتزاز من خلال استهداف العائلة، كما حصل مع احتجاز زوجته في مطار البحرين وفي اعتقال والدتها وابنها وأحد أقاربها، وكان واضحا – بحسب ما أكد الوداعي في تصريحات سابقة – بأن هذا الاستهداف جرى التخطيط له بنحو كبير من “وكر” الخليفيين في لندن، ومن فواز الخليفة شخصيا.

سرعان ما انكشفت خيوط هذا الدور مع الرسالة التي بعثتها السفارة الخليفية في نوفمبر ٢٠١٧ إلى النائب البريطاني توم بريك وذكرت فيه الرسالة بأن عائلة الوداعي في البحرين تمت إدانتها بتهم مزعومة تتعلق بـ”الإرهاب”، وكان ذلك قبل نحو أسبوع من صدور حكم الإدانة من إحدى المحاكم الخليفية. دفعت هذه “الفضيحة” النائبَ البريطاني إلى مطالبة الحكومة البريطانية باستدعاء فواز الخليفة والتحقيق معه، لاسيما وأن ملف استهداف عائلة الوداعي أخذ إحاطة حقوقية وأممية ودولية واسعة. ومن المؤكد أن هذه الحادثة كانت في إحاطة الأوساط الحقوقية والسياسية في لندن، بما في ذلك منظمة العفو الدولية التي أرادت السفارة مرارا أن تناور عليها، وأن تجعلها منصّة انطلاق لعمليات التضليل الواسعة النطاق التي استهدفت التغطية على الجرائم والانتهاكات اليومية، إلا أن المنظمة الحقوقية سدّت الطريق على السفارة الخليفية أكثر من مرة، وأكدت في يناير ٢٠١٨ بأن بيانات المنظمة بخصوص الوضع الحقوقي في البلاد، واللقاءات التي جرت بين الجانبين؛ لم تكن خاضعة للرغبات الخليفية التي أرادت من المنظمة وقف إصدار تقريرها السنوي حول البحرين، وإطلاع السفارة على محتوياته قبل النشر لتسجيل الملاحظات الرسمية عليه، في خطوة متجددة من الاحتيالات التي اعتادت عليها السفارة.

بشكل عام، من الممكن القول بأن هناك “ملفا متكاملا” يمكن الاستناد عليه لملاحقة السفارة الخليفية في لندن، والبدء من خلاله في جولة جديدة من “الملاحقة المضادة” لفواز الخليفة، وحريّ بالمعنيين في المعارضة البحرانية إيلاء هذا الموضوع جزءا من الاهتمام والاعتبار، ليس لأجل تعميق “الفضائح الخليفية” المتراكمة في لندن، ولكن أيضا لإعلاء رسالة الاستهجان ضد الحكومة البريطانية التي وفّرت – ولا تزال – أوسع وأكبر سياجات الحماية للخليفيين، وكانت بذلك سببا مباشرا في تصعيد الانتهاكات والجرائم ضد المواطنين والنشطاء، وكما يتضح مع تمادي النظام في ارتكاب هذه التعديات وتجاوزه كلّ الحدود، حدود الجغرافيا وحدود الاعتبارات واللياقات الحقوقية والأخلاقية.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى