حسين كاظممقالات

اللامركزية: نظرية متطورة جسرها عبدالوهاب حسين بين ضفتي النظرية والواقع

البحرين اليوم – (خاص)

حسين كاظم

كاتب من البحرين 

ونحن على أعتاب ذكرى 14 فبراير، لا بد من جرد الفوائد التي خلفتها سبع سنوات في مدى تطور الوعي السياسي والحقوقي، ومدى فاعلية ذلك على الأرض، ولابد هنا من إشارة إلى العديد من جوانب الفائدة التراكمية التي خلفتها ممارسة/تجربة “التمرد على النظام” وهي تحتاج إلى وقفات تحليلية وفهم تفكيكي يعيد صياغة المفاهيم من جديد.

أحد تلك المفاهيم التي تداولها البحرانيون “قبل” الثورة، وفعلوها في الثورة بشكل كبير، هي نظرية اللامركزية، وهي نظرية قديمة في الإدارة، نظّر لها هنري فايول، و ليورنارد وايت، وهنري ماديك، وغيرهم، وكتبوا عن أهم مميزاتها ومخاطرها.

وقد أطلق الأستاذ عبدالوهاب حسين في عام 2006 مصطلح اللامركزية، وقد قوبل باستهجان من قبل تيار عريض، وقد حسبوا أن المصطلح قد أطلق نقضاً لقيادة ما، وهو فهم تبين لاحقاً خطؤه، ففي فبراير 2011، وحين انطلقت الثورة في البحرين، لم تكن القيادات التقليدية متهمة بشكل مباشر في إشعالها، ولم يكن دور أي قيادي أو سياسي بارزاً فيها، نعم، تلقت الثورة مباركة منهم بعدئد، وقد قال عبدالوهاب حسين في دوار اللؤلؤة بتاريخ 28 فبراير 2011 “المركزية في اتخاذ القرارات بالخطوات الاحتجاجية هي مقتل إلى الثورة، وأن اللامركزية هي السبيل إلى حيوية الثورة ونجاحها وتقدمها”.

في هذا المقال لن نتطرق للإيجابيات والسلبيات والتداعيات لطرح اللامركزية، وسنكتفي بمعالجة الإشكال المطروح من قبل مناهضي هذا الطرح ، والقائل بأنه جاء لـ “محاربة القيادة التقليدية”، وأن تقويض القيادة التقليدية، هو في حد ذاته تقوية للنظام الخليفي الذي يحارب ويستهدف الجميع، ومن ثم سأحاول الإجابة على سؤال مفاده: ما مدى أهمية هذه المعالجة في هذا الوقت؟

اللامركزية في بعدها النظري الإداري، صيغة تقسم المسؤولية على عدد من مراكز القوة داخل الجسم الإداري، وتخفف المسؤولية عن المركز، وتعطي فرصة كبيرة ومهمة لسرعة إنجاز المهمات، كون القرارات لن تمر بطريق طويل من البيروقراطية.

في الجانب السياسي، وخصوصا في وضع كالبحرين ونظام قمعي كآل خليفة، ستكون اللامركزية “حامية” للقيادات التقليدية كونها غير مثقلة بعبء كل المسؤوليات التي يفرضها الحراك المطلبي وإن كانت معنية بكل ذلك، نظراً للطبيعية النفسية والبيئة الدينية للشعب البحراني.

وقد انطلقت شرارة 14 فبراير، بعيداً عن تحميل عبء القرار على أي من القيادات، ورغم أن الخليفيين قد اعتقلوا كل القيادات وفرضوا الإقامة الجبرية على الشيخ عيسى قاسم العام الماضي، ألا أنهم لم يستطيعوا استصدار قرار قيادي بوقف الحراك، ولا بتجميد نشاطه، ولا بإخماد شعارات تعتبر في قمة التشدد.

اللامركزية قد دافعت عن المقام القيادي وفي نفس الوقت امتصت كل ابتزاز سياسي من استهداف القيادات، ووضع على  الطاولة خيارات واسعة لتدوير زوايا الورطة الخليفية، وجعلها تستمر بفضل هذا النوع من الطرح.

في 2018، من الممكن حصد عدداً من النجاحات التي حققتها المعارضة وبروز وجوه سياسية وحقوقية مختلفة، بفضل استمرار هذا الحراك، ودفع الناشطين إلى ضرورة التحرك والعمل، ما جعل المراكمة في الخبرات السياسية والحقوقية وحتى الإعلامية، وإقامة شبكة علاقات عامة مع شخصيات دولية، عاملا لنجاح المعارضة في تدشين فرص جديدة لتطوير أداءها، وكل ذلك الفضل أتى من عدم قدرة الخليفي على إخماد الثورة، على الأقل في شراراتها التي قد تزجر الميدان من جديد نحو واقع أفضل.

أما عن أهمية التذكير بمفهوم/نظرية اللامركزية في هذا الوقت، هو أن العامل الفاصل في استمرار الثورة وتضييع فرص إفشالها هو المساحة التي يجب دائما التذكير بها، خصوصا في ذكريات الثورة، كذكرى انطلاقها وذكرى شهدائها وغير ذلك، ثم من الانطلاق من موقع اللامركزية إلى مواطن تطويرها، وعدم الاكتفاء بصيغتها الأولى، لتحريك الطاقة في داخل الجسم المعارض بشكل دائم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى