مقابلات

الناشط السياسي الشيخ أحمد نوار لـ “البحرين اليوم”: معظم الجماهير في كل التيارات كفرت  بثقافة القبول بالأمر الواقع وتجاوزنا تعددية السقوف إلى سقف “إسقاط النظام”

 البحرين اليوم – (خاص)

لعل العامل المشترك في إجابات الناشط السياسي الشيخ أحمد نوار هو “عامل التفاؤل” بنجاح الثورة، في هذه المقابلة التي أجرتها “البحرين اليوم” مع نوار، نجد أن وضوح الرؤية السياسية بارز في كيفية معالجته لموضوع الصراع مع آل خليفة، يستدعي نوار عددا من الرؤى التي أطلقها الأستاذ عبدالوهاب حسين قبل وبعد الثورة، ويجد الشيخ أحمد أن لا أحد يرتضي اليوم القبول بالأمر الواقع، ويؤكد على أن الجماهير لا تزال متمسكة بمنهج الرموز، ورغم تسليمه بأن اعتقالهم مثّل خسارة كبرى إلى الشعب البحراني، ألا أنه يعود ويؤكد أن ذلك لم يثنِ أحداً عن مواصلة النهج وتفعيل الرؤى التي جذروها في وعي الشعب، في هذه المقابلة يتلمس الناشط السياسي المقيم في ألمانيا حزمة من الإمكانات التي يمكن للمعارضة أن تبلورها، في طي ما اسماها “عقدة الحزب والجماعة” والولاء للثورة والوطن، وهذا نص المقابلة:

 

·         في الذكرى السابعة للثورة البحرانية، يستحضر البحرانيون أثر الرموز المعتقلة في إذكاء جذوة الثورة، فهل تعتقد أن أثرهم الرمزي وشعاعهم التعبوي لا يزال حاضراً في الميادين والساحات؟ وكيف يمكن تعويض غيابهم؟

 

ان ثورة الرابع عشر من فبراير لم تكن لتنفجر لولا هؤلاء الرموز المضحية، والتي ساهمت في التأصيل للثورة على الظلم فكريا، والتقعيد لها شرعيا، ومن ثم المساهمة الفعالة في القيادة الميدانية قبل الثورة ووصولا للثورة المباركة في الرابع عشر من فبراير.

وأنا أعتقد أن أثر الرموز لا زال باقيا مشعا في الميادين وفي نفوس الجماهير، ويمكن أن أستدل على ذلك بدليلين، دليل شكلي ودليل منهجي، أما الدليل الشكلي فهو اصرار الشباب والثلة الباقية في الميدان على رفع صورهم وطبعها ونشرها في وسائل التواصل الاجتماعي وفي كل مناسبة من مناسبات الثورة، وما هذا الإرتباط العاطفي إلا دليل على بقاء هؤلاء الرموز في الميدان وإن تم تغييب أجسادهم، وأما الدليل المنهجي فهو بقاء منهجهم الرافض للظلم والرافض للانخراط في سياسات آل خليفة، بل وامتداد هذا المنهج وتوسعه بحيث أن ما قبل الرابع عشر من فبراير كان الرموز المعتقلة يعانوا من منهج القبول بالأمر الواقع، أما اليوم أصبح منهج المواجهة والمقاومة لسياسات النظام منهجا قائما ومتوسعا وهو المنهج الذي يمثل إرث هؤلاء الرموز الأبية، وبات اليوم منهج القبول بالأمر الواقع هو الذي يعاني ليجد له مقبولية وشرعية.

ومن هنا أصل الى نقطة مهمة جدا وهي أنه إذا أردنا أن نكون أوفياء لهؤلاء الرموز فعلينا أن نحافظ على إرثهم الفكري ومشروعهم السياسي المقاوم.

نعم، لا إشكال أن تغييب هؤلاء الرموز خلف قضبان السجون يمثل خسارة كبرى لنا كشعب وكجماهير وكثورة، لكن هذا لا ينبغي أن يشكل عائقا أمام إكمال مسيرتهم ومنهجهم، والتفكير الجدي في خلق كوادر رديفة تشكل مصدر ازعاج جديد للنظام وسياساته.

 

 ·       هل تعتقد أن ثمة أهمية لوضع رؤى جديدة لحراك 2018، يؤدي إلى تغيير في المعادلة السياسية، أم ليس هناك إمكانية لذلك؟

 

إني أتصور أن وضع رؤى جديدة ومراجعة كل المرحلة السابقة لا يحتاج لعناء كبير لإثبات ضرورته والحاجة اليه، فالمراجعة والتقييم أساس مهم من أسس التطور الفردي أو الاجتماعي، والثورة وأساليبها ليست خارجة عن هذا السياق، وأعتقد أن ذلك ممكن بشرط إخلاص النيات والخروج من دائرة الجماعات والتشكيلات والتفكير الجدي في مصلحة الثورة في إطار من رضا الله عز وجل.

وحينما أقول (وضع رؤى جديدة) لا يعني بالضرورة التنازل عن الرؤى السابقة والمناهج السابقة، بقدر ما يعني ضرورة المراجعة والتفكير في ضرورات المرحلة الحالية، فهناك بعض الرؤى السابقة أجد أنها أثبت الواقع صدقها كأطروحة اللامركزية في الحراك الميداني، هذه الأطروحة التي لا تعني إلغاء فكرة القيادة بل بينهما كمال الانسجام لمن يفهم نظرية القيادة وأطروحة اللامركزية التي يفرضها الواقع الميداني، وليس المجال هنا لبيان الانسجام المقصود بين القيادة واللامركزية، وعلى كل حال أثبت الواقع أن اللامركزية في الحراك الميداني أفشل كل خطط النظام لحد الآن في القضاء الكلي على الحراك الميداني، وما كان لهذا الحراك الاستمرار لولا هذه الاطروحة.

وأعتقد أن بقاء الحراك الميداني مستمرا بهذا المستوى لسبع سنوات، مهد الأرضية لتطور الحراك من مرحلة لمرحلة جديدة، وهذا ما كان يخشاه النظام،  ولذلك كان يسعى لمحاصرة الحراك في مستوياته الأولى ولكنه فشل فتدحرجت الثورة الى مراحل متقدمة.  

 

·       النشطاء في الخارج لهم نشاط حقوقي وإعلامي واضح، لكن ليس ثمة ائتلاف للنشاط المعارض يضم الأطياف كلها، خصوصا وأن النظام الخليفي قد استهدف جميع الأطراف وجميع الفئات؟

 

حينما أريد الحديث بصراحة في هذا المحور فأحد المشاكل التي يتلمسها المتابع هو أن كثيرا أو بعضا من المعارضين في الخارج لا زالوا مسكونين بعقدة الحزبيات والجمعيات والحركات والتيارات، ولم يستطيعوا أن يخرجوا من هذه العقدة، مما يُشكل عائقا أمام أي عمل مشترك أو ائتلاف يضم الأطياف كلها.

وأجد نفسي خائنا حين أفكر في حزبي أو تياري أو جمعيتي بعيدا عن التفكير في الثورة والوطن، ولعل شياطين الانس والجن لهم دور كبير في الحيلولة دون تحقيق التقارب والتنسيق والتكامل بين كل أطياف المعارضة في الخارج.

لذلك كلما تأخرنا في تنظيم صفوفنا كمعارضين خارج البحرين، كلما ابتعدنا أكثر عن تحقيق الأهداف الكبرى للثورة.

ولا بد لي هنا من استذكار فضيلة الأستاذ المجاهد عبد الوهاب حسين الذي طالما أكد على ضرورة “التكامل” واصطدم بعدة معوقات لكنه استمر في محاولاته، وهنا نحن مطالبون جميعا في السعي لتحقيق هذا التكامل قدر الامكان وقدر المتاح.

  

·       هناك من يقول أننا تجاوزنا تعددية السقوف، لكن ذلك القول لا يقف على تفسير واحد، فالبعض يرى أننا تجاوزنا تعددية السقوف بمعنى أن النظام أثبت فشله ولا مجال إلا لإزاحته، وهناك قراءة أخرى تقول أننا تجاوزنا تعددية السقوف بمعنى أنه لا يمكن تحقيق أي سقف أصلا، ولا بد لتسوية مع النظام، ما القراءة التي تميل لها ولماذا؟

 

نحن تجاوزنا تعددية السقوف، لا لأن السقوف باتت مستحيلة ولا يمكن تحقيقها، فهذا الفهم ينطلق من ثقافة العجز وثقافة الضعف التي تتعارض مع الرؤية الدينية القرآنية، وتتعارض مع الواقع السياسي في البحرين والمنطقة، ولا أعتقد أن أي طرح من هذا القبيل سيكتب له النجاح لأنني أعتقد أن معظم الأطراف المؤثرة في الساحة ومعظم الجماهير من كل التيارات باتت لا تستسيغ هذا الطرح وباتت تكفر بثقافة القبول بالأمر الواقع.

نعم، أظن أنه رغم أن الشريحة الكبرى من الجماهير ومن التيارات باتت تكفر بهذا النظام وتجاوزت اشكالية السقوف، رغم ذلك كله لا زال هناك غموض في السقف الذي يمكن أن يتفق عليه كل الأطراف، ولعل ذلك بسبب عدم المراجعة الحقيقية للخيارات وللمرحلة، ولغياب الجلوس حول طاولة واحدة يُمكِّن الأطراف المختلفة من الوصول لنتائج مفصلية في هذا الشأن.

  

·       تحديات الشعب البحراني كثيرة، منها الأمنية ومنها الاقتصادية، فضلا عن أن أفق السياسة موصد، والنظام يضرب على وتر الهم المعيشي في الداخل، ويرفع راية الغطاء السعودي الإماراتي المضاء بالضوء الأمريكي الأخضر خارجيا، هل كل تلك التحديات خلقت رؤى تشخيصية جديدة للمعارضة والنشطاء لفهم التعامل معها وفق الأطر المناسبة، أم تعتقد أن ذلك قد أربك المعارضة والشعب سوياً؟

 

لا استطيع أن أنفي وجود إرباك في أداء المعارضة، ولا أستطيع أن أدعي وجود رؤية واضحة للأداء السياسي، لكن في نفس الوقت أرى أن الصورة ليست قاتمة وليست سوداء، بل أنا شخصيا متفائل بالمرحلة القادمة. فكما أن الثورة انطلقت في ظروف كانت تشكل مصدر تشاؤم عند الكثيرين، فكذلك أرى أن الظروف الحالية تُمهد لمراحل متقدمة من الثورة قد لا يتنبأ بها أحد، وهذه المراحل بدأت تتشكل وتتضح ملامحها شيئا فشيئا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى