حسين كاظممقالات

“الكوميديا السوداء”.. المشير الخليفي مثالا

 

البحرين اليوم – (خاص)

 

حسين كاظم

كاتب من البحرين

  

من السهل فهم سياق الشخصيات العسكرية في الخليج، فالتشابه بينهم كبير، إلى حد الاسغراب من هذا التواؤم في السمات والصفات النفسية والإجرائية، خذ هذه العناوين وطبقها على عدد من الشخصيات العسكرية في الخليج.

الاستعراض، الكذب، المبالغة، التهديد الخالي من الوقائع، وإدعاء النجاحات التي لا يعرفها أحد إلا هم، حيث لا وجود لها على الأرض.

لنطبق تلك العناوين على المتحدث الرسمي باسم ما يعرف بالتحالف العربي من أجل إعادة الشرعية في اليمن أحمد عسيري مثلا، وننظر بعين التروي والتأمل؛ هل تنطبق عليه أو لا؟

وليس المقام هنا التذكير بوعود عسيري بشأن إنهاء الحرب في أشهر أو النجاحات المبهرة التي كان يقشرها تقشيراً على رؤوس الصحفيين في المؤتمرات الصحفية، فذلك يستوجب دراسة مطولة علها تحتوي ترسانته الكبيرة من الدعاوي، لكن كإشارة فقط في سياق الكوميديا السوداء، فإنه غرد على حسابه بتويتر نهاية الشهر الماضي بأن اليمن خرجت عن سيطرة الحوثيين وأنصارهم، ولم يبق إلا القليل، مع العلم أن الصواريخ اليمنية لا تزال تسقط على رؤوس العسكريين داخل السعودية.

وعوداً للعناوين السابقة التي نزعم أنها تنطبق على أبرز الوجوه العسكرية في الخليج، يمكن استحضارها في قراءة شخصية ناصر نجل الملك الخليفي حمد بن عيسى، وهو بالمناسبة المرشح القادم لرئاسة الجيش الخليفي، خلفاً للمشير الحالي.

ولا نحتاج للتذكير أن الاستعراض والمبالغة لناصر بن حمد قد أخسرت البلاد الملايين من أموال الشعب، جرياً وراء بناء صورة هوليودية للأمير المدلل، وهو يخترق كل سوح الرياضات ويحرز أعلى المراحل ويحظى بالألقاب والميداليات مدفوعة الثمن.

 

هذان النموذجان مقدمة مختصرة لما يمكن أن يكون توطئة مناسبة لشخصية المشير خليفة بن أحمد، الذي استعرض مؤخراً إنجازات “الجيش” وكأنه يتحدث عن جيش مصر أو سوريا أو الأردن أو الجزائر، كان ذلك في العاشر من الشهر الجاري في مقابلة مع صحيفة مقربة من الديوان الملكي، فرّغ فيها المشير كل ما في أحشائه من استعراضات ستضحك حلفاء آل خليفة بالتأكيد قبل غيرهم.

وليس هنا المجال أن نستدعي نقطة نقطة من تلك المقابلة، ونبين وجهها الكالح، ولا تستأهل المقابلة أن نطبق عليها “تحليلاً سياسياً” وهي غارقة في الكوميديا السوداء الدامسة حد وجه صاحبها. لكن من الجيد أن نشير بأمثلة من تلك المقابلة، إجراءً لذكر المصداق إذا ذُكر المفهوم، ليس إلا.

أشار المشير-ولعله لقب بالمشير لأنه كثير الإشارة-بأن النظام القطري لا تاريخ له، وكأنه يقول أن آل ثاني شتات لا أصل لهم في المنطقة، في حين أن آل خليفة الذين أتوا من الزبارة لهم أصل؟! المشير المثير أشار أيضا إلى أن الجيش الخليفي قوة كبيرة، وهذه الجملة تكفي لوحدها بالرد على نفسها، إذ يعد الجيش الخليفي من أصغر جيوش العالم، ويعتمد بشكل كبير على الحماية الأمريكية، إذ تحظى قوات المارينز بحظوات ومميزات في داخل البحرين أكثر مما يحظاها ضباط الجيش الخليفي، ولك أن تفكر في هذه المفارقة وفي يدك مقابلة المشير، ولا أعلم إن كنتَ ستضحك أم ستبكي أم ستغضب، وفي هذا الحال بالذات ستتعرف على أهم أركان النظام الخليفي وكيفية الممارسة السياسية والأمنية وبأي طريقة تدار البلد.

أما وعيده لإيران وفخره بطائرات الـ إف 16 كلها في كفة، وإدعائه في مشاركة قواته في حرب الـ 73 في كفة أخرى، خصوصا وأن قرار المشاركة جاء في وقت إنهاء الحرب، كما اعترف-كثير الإشارة-في مقابلته.

ورغم أن مقابلته مفيدة للترويح عن النفس، فقراءتها كقراءة قصص ألف ليلة وليلة، ألا أن الأهم فيها هو التوقيت، ولا أقصد قربها من تاريخ الخامس من فبراير ذكرى إنشاء الحرس الوطني كما يقول، بل توقيتها المقصود في قربها من تاريخ 14 فبراير، الذي كان المشير قبله من مجرد ركن، حتى إذا ما ضرب صدور العزّل في دوار اللؤلؤة بالرصاص، صار مشيراً، ومن المعروف أن العلم العسكري يمنح لقب المشير، للأوية والأركان التي تخوض حروباً ضروساً تستخدم فيها الجبهات المتعددة (البر، البحر، الجو..)، لكن مشير آل خليفة لم يخوض أي منها، سوى قمعه للمتظاهرين في 2011.

حتى حرب تحرير الكويت، شاركت دول الخليج كقوات رديفة، وراء الخطوط الخلفية، وكان الأمريكان والبريطانيين هم القوة الأكبر فيها والأهم، في كل تلك السياقات، سيهزأ البحرانيون بمقابلة المشير، بعدما هزأوا برصاصه، وجعلوه يعوض نقصه بالاستعراضات المبالغ فيها، وذلك في حد ذاته هزيمة نفسية مدوية لـ “كثير الإشارة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى