مقابلات

الدكتور راشد الراشد لـ “البحرين اليوم”: آل خليفة “جوقة واحدة”.. والثورة حطمت وهم “خلود النظام”

 

البحرين اليوم – (خاص)

المعارض البحراني راشد الراشد

 

يدعو المعارض البحراني الدكتور راشد الراشد إلى التمسك بالثورة، لا لغرض الصمود فقط، بل للحفاظ على منجزاتها، ويرى الراشد أن أهم منجز للثورة التي اجتازت سبع سنوات من الاستمرار؛ هو تحطيم ما أسماه “خلود النظام”، وبات من الممكن أن تكون البحرين بلا آل خليفة في يوم من الأيام، أما الذين يروجون للمصالحة فإن التعامل المناسب معهم -والكلام للراشد- هو ذات التعامل مع النظام، لأنهم -بحسب وصفه- إما طابور خامس، أو جبناء. ولفت الراشد إلى أن النظام مستعد أن يضحي بمثل هؤلاء في أي وقت، لأنهم أكباش فداء.

في مقابلته مع “البحرين اليوم” يجد الدكتور راشد أنه لا ينبغي التعويل على المجتمع الدولي، لكنه يؤكد أن الاختلاف بين أطياف المعارضة أمر إيجابي ومطلوب، ويرى أن آل خليفة “جوقة واحدة” بوصفهم عائلة مغتصبة للسلطة، لا ينبغي اللين مع أي فرد منها، وهذا نص المقابلة:

 

  

* في الذكرى السابعة لثورة البحرين، هل تجذر عند الناس مشروع إسقاط النظام الخليفي؟

       

– مشروع إسقاط النظام الخليفي باعتباره مشروعاً لمقاومة احتلال وغزو؛ هو متجذر في ثقافة ووجدان شعبنا الأبي العزيز في البحرين، وذلك منذ اللحظات الأولى لاستيلاء آل خليفة على الحكم والسلطة في العام ١٧٨٣م. وتجذّر أكثر نظراً لديكتاتورية هذا النظام، واستبداده ورعونته في إدارة شؤون الدولة والناس.

الحقيقة أن البحرين لم تسترح من حركة انتفاضات ومواجهات مع نظام آل خليفة كسلطة أمر واقع فرضت نفسها بقوة الحديد والنار، لا بالشرعية وأدواتها. فقد شهدت شوارع البحرين وأزقتها صوراً ومشاهد لحركة شعب مستمرة يطالب بالكرامة والعدالة.

وثورة ١٤ فبراير ٢٠١١ ما هي إلا امتداد لحلقات متصلة من الثورات والهزات الشعبية المتلاحقة التي تشهدها البحرين بين حين وآخر، فهذه الثورة التي تقترب من دخولها العام الثامن جاءت كواحدة من التداعيات لما تمخضت عنه انتفاضة الكرامة في تسعينيات القرن المنصرم، والأخيرة جاءت لتراكمات حوادث عقد الثمانينات أيضاً الذي هو الآخر كان نتيجة للطوق المحكم على الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد، وما تمخضت عنه من تطورات فرْض حزمة من قوانين القمع والتنكيل بحركة الشعب المطالبة بالحقوق السياسية. وهكذا حلقات رفض الديكتاتورية والتسلط غير الشرعي في ستينيات وخمسينيات القرن الماضي، بينما لم تخلُ الأربعينيات والثلاثينيات والعشرينيات من أحداث مؤلمة وقاسية عاشها الشعب مع نظام اغتصب السلطة وقام بعملية اختطاف للشرعية واحتكار مطلق للسلطة والموارد، ومارسَ شتى صنوف الاضطهاد والقهر السياسي.

 

آل خليفة “جوقة واحدة”

*  عبرت أكثر من مرة وفي محافل عديدة أن آل خليفة جوقة واحده؛ أولا: هل يمكن شرح ذلك في ظل مقولة الأجنحة في البيت الخليفي. ثانيا: هل اعتبار الخليفيين جوقة واحده يؤثر في طبيعة الحراك بشكلجذري؟

 

– آل خليفة جوقة واحدة باعتبار أن المشكلة تكمن في طبيعة النظام السياسي الحاكم من حيث هو مستبد وديكتاتورية، يمارس كل أشكال القمع والاضطهاد. فمشكلتنا ليس مع فرد أو جناح ممن يغتصبون السلطة، وإنما مشكلتنا الجوهرية والأساسية مع اغتصاب السلطة وعدم شرعية النظام القائم، ولذلك لابد من التمييز هنا لكي لا تتحول قضيتنا الكبرى في وطن يترنح تحت وطأة احتلال وغزو واغتصاب للسلطة، وبالتالي لشمولية النظام وطبيعته الاستبدادية والديكتاتورية. وليست هي بطبيعة الحال مشكلة شخصية مع أحد.

في مواجهة الثورة الراهنة؛ اجتهد آل خليفة في أن يحولوا مسار مطالب الثورة من التغيير الجذري إلى مطالب طائفية أو حقوقية أو سياسية تتعلق ببعض أوجه أداء السلطة وفسادها. المهم أنهم اجتهدوا ألا تبقى المطالب في سياق التغيير الجذري الشامل، وعلى أن تبتعد الثورة عن المطالبة بالعدالة والكرامة الكاملة المنقوصة، والتي لا يمكن أن تتحقق إلا بإسقاط الديكتاتورية على نحو كامل.

البيت الداخلي للمعارضة

* هل هناك إعادة ترتيبات في البيت الداخلي للمعارضة في ظل التحديات الكثيرة التي تواجه الشعب البحراني؟

– هناك إجماع وطني عام على أن الديكتاتورية ونظام حكم فرض الأمر الواقع مرفوض، ويتجه خطاب جميع أطياف المعارضة السياسية في البحرين للتعبير عن المواقف الشعبي العام الرافض للهيمنة على العملية السياسية واحتكار الموارد، ولا نجد بين جميع قوى المعارضة من هو خارج سياق التعبير عن أن هناك أوضاعا سيئة حاكمة لابد أن تتغير وتتبدل.

أما إذا كان الكلام حول ترتيبات البيت الداخلي للمعارضة؛ فهو الحديث عن وحدة المعارضة وائتلافها سياسياً في إطار سياسي جامع وموحد، فإن هناك محاولات بذلها الجميع من أجل تقريب وجهات النظر في ضرورة مقارعة الاستبداد ومقاومة الديكتاتورية واسقاطهما وتحرير البلاد من نير الاستغلال والعبودية المفروضة، فهناك توافق بل إجماع وطني عام على ذلك، وإنما هناك تباين لدى بعض أطراف القوى المعارضة على النواحي التكتيكية للمجابهة مع غرور النظام الخليفي وتفرده المطلق بالسلطة والموارد.

وشخصياً لا أرى في الحديث عن المعارضة كجسم واحد إلا مؤامرة تستهدف التنوع والتعدد الذي يجب أن يكون قائماً في مواجهة الديكتاتورية والاستبداد. كما أنه مطلب غير واقعي في كل الأحوال، حيث لا يمكن بأي حال إلغاء ما يتمتع به كل طرف من أطراف قوى المعارضة السياسية من اهتمامات وفكر ورؤية وقيادة.

 

*   ما الوسائل المتاحة التي من الممكن أن تطور العمل الثوري؟ وكيف يمكن مواءمة المشروع السياسي والحراك الحقوقي مع تحرك الميدان؟

 

 – الوسائل المتاحة التي من الممكن أن تطور العمل المعارض للظلم والاستبداد والديكتاتورية مفتوحة وواسعة بسعة هذا الكون، فالدفاع عن الكرامة والعرض والأوطان المسلوبة والمحتلة لا يحد سقوف وسائلها إلا معتوه أو فاقد للرؤية والبصيرة. فكل الديانات والأعراف والقيم البشرية تدفع باتجاه ضرورة حفظ وصيانة الكرامة الإنسانية ووجوب الدفاع عن النفس والأوطان. وطالما هناك غزو واحتلال واغتصاب للسلطة وكذلك ظلم وممارسات حاطه بالكرامة الإنسانية؛ فإن الشرعية قائمة وموجودة للدفاع عن الكرامة والأرض والعرض والأوطان وبكل الوسائل المتاحة والممكنة.

أما كيف يمكن المواءمة بين المشروع السياسي والحراك الحقوقي مع تحرك الميدان؛ فأقول ليس هناك أية ضرورة للتفكير وإضاعة الوقت في مثل هذه التصنيفات التي تستنزف الطاقة والجهد. فهناك وطن ينزف ويأن تحت وطأة قوة مغتصبة، وكل الجهود يجب أن تنصب في منطقة واحدة وهي مجابهة الاستبداد ومواجهة الديكتاتورية. فحركة الشعب حالياً ليست سياسية، كما أنها ليست حقوقية بالمعنى الغربي المهيمن على إدارة الصراعات الدولية، وإنما هي قضية بحث عن العدالة والكرامة وهي قضية تتجاوز السياسة فضلاً عن الحقوق.

إن معضلتنا الأساسية ليست مجرد اختلافات في بعض أوجه العملية السياسية لكي نتحرك سياسياً لنعالج الموقف، وإنما هي قضية أبعد من ذلك بكثير، فهي قضية تتصل بالكرامة والهوية والحرية. كما أن العمل الحقوقي في ظل المعطيات الدولية الراهنة هو جهد ضائع لا قيمة له، وتنطبق عليه مقولة كالمستجير بالرمضاء من النار. فالكرامة والحرية لا يمكن أن يعيدها من يهدرها، والأوطان لا يمكن أن يعيدها من ينهبها ويسلبها.

منظمات حقوق الإنسان

* من خلال رؤيتك هذه، كيف ترى المنهج المطلوب للتعامل مع منظمات حقوق الإنسان في العالم؟

– هناك كلام طويل حول الدور  الممنهج الذي تقوم به منظمات حقوق الإنسان في العالم، فأولاً لم تحدث سابقة بأن هذه المنظمات قامت أو استطاعت أن تنتزع قراراً تنفيذياً واحداً على أي نظام مجرم في العالم، وفضلاً عن ذلك هناك الحقائق الدامغة المتصلة بالدور الحقيقي الذي تقوم به مثل هذه المنظمات والذي يتلخص في أمرين لا ثالث لهما وهما أولاً: الإبتزاز السياسي حيث تُستخدم يافظة حقوق الإنسان من قبل الغرب المهيمن على هذه المنظمات والممول الرئيسي والأساسي لها؛ لإبتزاز بعض الدول لتسوية ملفات سياسية تحت يافطة إثارة الانتهاكات والجرائم المتصلة بحقوق الإنسان، كما تفعل واشنطن في كل مرة تريد فيها تسوية سياسية ما مع الصين في الصراعات الدولية، فواشطن ترفع يافطةحقوق الإنسانهنا للإبتزاز والضغط ليس إلا.

ثانياً: لتنفيس الإحتقان وتبريد درجة الغليان والغضب الشعبي، فتصدر التقارير بزخم وبلغة مناسبة ولمهمة التنفيس عن الاحتقانات السياسية في البلدان المرجح أنها سوف تشهد انفجاراً في الأوضاع، وتزداد لغة وكثافة هذه التقارير في حال حدوث الانفجارات بغرض تبريد الساحة من خلال تغذيتها بأمل كاذب يتعلق بأن هناكمجتمع دولييمكن أن يكون المنقذ للخلاص مما يعانيه الناس من إضطهاد وظلم وقهر!

لكن في الحالتين؛ لن تجد قراراً حاسماً باتجاه إصلاح أوضاع سياسية لأي بلد وفق تقارير حقوق الإنسان التي تصدرها المنظمات الدولية التي يهيمن عليها الغرب ويوظفها كورقة من أوراق الهيمنة والسيطرة.

  

 الترويج للمشاركة في الانتخابات: جوقة النظام

*  هناك مجموعة إلكترونية تنشط للترويج للانتخابات البرلمانية والتصالح مع النظام الخليفي، كيف يمكن التعامل والرد على هذه الأنشطة المشبوهة خصوصا مع وجود نزيف شعبي بفعل آلة القمع الخليفية؟

 

– عادة ما يوجد لكل نظام ديكتاتوري يتصف باللصوصية والإجرام جوقة من باعة الضمير والنفعيين الذين لا يهم لديهم أن يصعدوا على جماجم الأبرياء، وأن يثروا على صوت تحطم أضلاع الشرفاء والأحرار. فلدى آل خليفة ليس فقط مجموعة إلكترونية، وإنما مجاميع لكل واحد منها مهام محددة، بعضها تعمل كطابور خامس وبعضها الآخر في جوقة الخونة ممن يبيعون كل شيء بأثمان مقبوضة من أموال السحت والحرام التي يقبضونها من السلطة.

إن أفضل سبيل لمواجهة كل هذه المجاميع هو التعامل مع النظام الديكتاتوري كحزمة واحدة، ونؤكد هنا بأن النظام في ظل ثورة شعبية عارمة تستهدف الإطاحة به؛ مستعد لتقديم أمثال هؤلاء النفعيين كأكباش فداء ثمناً تافهاً إذا توقف أمر البقاء في السلطة على بيعهم للإرادة الشعبية.

 

ثمة مقولة تتردد بين حين وآخر مفادها (أن المعارضين البحرانيين في الخارج يتمتعون بالأمن والأمان لذلك فإن رفع صوتهم وتشدد خطابهم ضد الخليفيين يمثل سوء تقدير)، السؤال ينقسم لقسمين: 1- ما هو منشأ هذه المقولة في اعتقادك، 2- كيف ترد على هذه المقولة؟

         

– هذه من مقولات نظام مغتصب للسلطة والموارد، يروجها لدق إسفين الفرقة والخلاف داخل المجتمع. ومن يروجونها بين الناس هم إما مرتبطون مباشرة كأسطول طابور خامس للنظام، أو جهلاء ومغرضون يغيرون مسار الحركة من ظلم واستبداد السلطة إلى أفراد قلائل يعيشون في الخارج، هم ضحايا سطوة السلطة وغرورها، وإما هم جبناء لا يستطيعون مواجهة حقائق ما يقوم به النظام الديكتاتوري من جرائم بحق الوطن والناس، لأن الكلام هنا مكلف، بعكس الكلام على الضحايا، فإنه غير مكلف!

 

ذكرى ثورة ١٤ فبراير

·           سبع سنوات مرت على ثورة البحرين، ماذا ينبغي أن يقوم به البحرانيون معارضة وشعبا؟ 

 

– بداية أقول بأن تمكُّن شعبنا الأبي من المضي في ثورته رغم قسوة القمع ووحشية الإجراءات لسبع سنوات بالتمام والكمال؛ هو انتصار مدوٍ لإرادة شعب لم تُقهر ولم تنهزم أمام هدير المدرعات وفرض سلطة الأمر الواقع بقوة السلاح والرصاص. وهو هزيمة ساحقة لخيار القبضة الأمنية والإفراط في استخدام العنف والإرهاب الرسمي لمجابهة لحركة شعب يطالب بمطالب واضحة ومشروعة.

إنالانتصارالذي تحقق لحد هذه اللحظة يمكن تلخيصه ليس في الصمود الأسطوري أمام ٩ جيوشدولجاءت لتعيد الناس قسراً إلى بيوتها دون تحقيق أي شيء يذكر، وإنما إلى عدد الإنجازات التي تحققت لحد الآن بفعل هذه الثورة المباركة، ولعل من أبرزها إسقاط شرعية نظام حكم آل خليفة وتعريته وكشفه أمام العالم.

تطل علينا الذكرى السنوية السابعة لانطلاقة أكبر ثورة شعبية عرفتها المنطقة الخليجية، ومع دخول ثورتنا الشعبية المباركة عامها الثامن لابد من التوقف كثيراً عند محطة إنجازات هذه الثورة والتي تحتاج إلى حديث مفصل، لتأثير ذلك التفكير على حيوية الثورة وديمومتها.

الحقيقة الدامغة التي يجب أن نعتقد بها بأننا في هذه الثورة حطمنا أسطورة خلود الحكم وأبديته لعائلة قامت بجرائم بشعة من أجل السيطرة على السلطة والموارد. وأصبح الحديث مسموعاً في كل العالم حول طبيعة نظام الحكم الحالي وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها بعد أن كان هذا الحديث يجري بالهمس وفي داخل الغرف المقفلة بين أعداد قليلة من الشرفاء والأحرار في هذا الوطن والعالم.

بالنظر إلى ما أنجزته الثورة خلال مسيرتها التي تطفئ فيها شمعتها السابعة؛ فإنه لم يعد هناك خيار آخر غير التمسك بأهداف الثورة حتى تحقيق كامل أهدافها. أما في غير ذلك فإننا سنعيش عبودية مطلقة ربما لم يشهدها العالم من قبل.

أدعو جميع النشطاء لتكثيف جهودهم وتعظيم حضورهم كلاً حسب مواقعه وقدرته، فأجراس النصر أوشكت أن تُقرع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى