تقارير

لماذا سرّب خليفة سلمان الخليفة صورته مع السيد عبدالله الغريفي؟

 

البحرين اليوم – (خاص)

في ظل الحراك الشعبي والثوري في البحرين لإحياء ذكرى ثورة ١٤ فبراير السابعة؛ أثارت صورة مجهولة التاريخ وغريبة في توقيتها جمعت بين كلا من السيد عبدالله الغريفي وخليفة سلمان الخليفة، (أثارت) موجة من التكهنات حول مغزى هذه اللقاءات والمصير الذي ينتظرها. المؤكد هنا هو حدوث لقاء جمع بين السيد الغريفي وخليفة سلمان نهاية ديسمبر ٢٠١٧م، وتمحور حول طرق حل “الأزمة السياسية” في البحرين، وعلى إثر هذا اللقاء؛ تشجّع السيد الغريفي في طرح ما عُرف بمبادرة الغريفي أو مقاربته في حلحلة “الأزمة السياسية” القائمة منذ تفجر الثورة في ١٤ فبراير ٢٠١١، والتي تدخل في عامها السابع. وقتها، أثار خطاب السيد الغريفي مجموعة من المواقف السياسية المتضاربة حول رؤيته، وطريقة مقاربته للوضع المضطرب في البلاد، وهو الأمر الذي دعاه لاحقا لتوضيح ما صدر منه، والتأكيد على أن خطابه لا يمثل “تصديا مباشرا” للعملية السياسية، وأنه لم ينسّق مع أحد من قوى المعارضة في هذا الشأن.

من جهته التزم النظام الخليفي موقف الصمت الرسمي تجاه ما اثاره السيد الغريفي حول ما عُرف بـ”خارطة الطريق”، وفضّل الرّد عمليا على مطالب السيد الغريفي، وبأسلوبه المعهود، حيث قامت الأجهزة الخليفية بحملة اعتقالات واسعة شملت أكثر من ١٠٠ شخص، وبالمثل استمرت المحاكم العسكرية في الانعقاد دون أن تظهر أنها بصدد التراجع عن أحكام الإعدام التي أصدرتها بحق ستة مواطنين، فيما توالت أحكام جديدة بالإعدام، أما محاكمة الشيخ علي سلمان في قضية التخابر مع قطر؛ فقد استمرت هي الأخرى دون أي اكتراث لدعوات السيدالغريفي.

تطورات الموقف الداخلي تصاعدت في “الرواق الملكي” أيضا، وتسربت بعض الأخبار عن خلاف بين خليفة سلمان وجناح ما يُعرف بـ”الخوالد”، الذي يقوده خليفة أحمد قائد ما تُسمى “قوة الدفاع” مع أخية خالد أحمد وزير الديوان، الأمر الذي جعل البعض يفسر ظهور أقطاب العائلة الخلفية في صورة واحدة على أنها محاولة لـ”تخفيف” حدة الخلاف بينهم.

المثير في لقاء السيد الغريفي وخلفية سلمان؛ أن السيد الغريفي أكد على أن يكون اللقاء بعيدا عن الإعلام، إلا أن خليفة وأثناء لقائه مع بعض الزوّار من العاصمة المنامة؛ سرّب خبر اللقاء مع السيد الغريفي، وأوعز لبعض مريديه الحديث عن ذلك اللقاء ومضمونه، مما جعل السيد الغريفي محرجا، رغم التزامه الصمت وتفضيل السكوت حتى الآن. مرة أخرى، ومن دون معرفة السيد الغريفي؛ يقوم خليفة بتسريب صور ذلك اللقاء ومزجه بأطروحات “حزمة حلول” مرتقبة للأزمة السياسية. أما الأغرب في كل ذلك، هو أن التسريبات التي تصدر من خليفة لا تحظى بتأكيد رسمي من قبل خليفة نفسه أو الإعلام الرسمي، الأمر الذي يعزز قناعة وجود استخدام سياسي هادف ومخطط له.

في سياق التفسيرات المقدمة لهذا المشهد السياسي المضطرب؛ تبرز عدة توجهات سياسية تعبر عن وجهات نظر متباينة، ولا تخلو من الاستناد لمواقف سياسية ثابتة تجاه مسألة ثورة ١٤ فبراير.

التفسير الأول: يرى أن هناك تضاربَ مصالح داخل الأسرة الخليفية، وهذا يجعل من الطرف الأضعف الالتجاء عادة للجانب الشعبي والاستقواء به، كما حدث عدة مرات، فآلية حسم الصراعات الداخلية في الأسرة الخليفية تبقي صامتة داخليا، وعند لحظة تفجُّرها تلجأ للطرف الشعبي لحسمها أو توجيهها، كما حدث في حالة ميثاق العمل الوطني والتجاء حمد عيسى للجانب الشعبي لمضايقة عمه خليفة سلمان، أو كما حدث تاريخيا في قضية عزل الحاكم عيسى بن علي سنة ١٩٣٢ والتجاء نجله حمد إلى الناس لحسم صراعه مع أخيه عبدالله.

التفسير الثاني يؤكد على صلابة موقف السيد الغريفي وحرصه الأكيد على اجتراح رؤية وحلول للواقع المتأزم، من وجهة نظره، في ظل انسداد الأفق السياسي وتشظي المواقف السياسية بعد حل جمعية “الوفاق”. ومعنى هذا التفسير أن الأمر يكاد يكون معبرا عن حالة فراغ سياسي يحاول السيد الغريفي أن يملاءه بمبادرات أولية، ومن منظوره الاجتهادي الخاص.

التفسير الثالث يرى أن هناك مخططا سياسيا يشرف عليه الديوان الملكي وإنْ لم يُظهر نفسه مباشرة، ويستهدف القضاء على آخر معاقل “المرجعية الدينية” في البحرين، ومحاولة استضعافها من خلال صنع أزمة ثقة وتفخيخ حالة انقسام جديدة داخل الوضع الشيعي، وبالأخص الجانب السياسي منه.

التفسير الرابع وهو الأكثر مباشرة في تداول القضية، ويرى أن إثارة هذا الأمر لا يعدو أن يكون رافعة سياسية لموضوع الانتخابات القادمة ومحاولة تأمين غطاء سياسي لفريق يحاول الظهور والمشاركة، لكنه يفتقد المشروعية الشعبية والمشروع السياسي، وبالتالي فإن إثارة موضوع “الإنفراج الأمني” و”الحل السياسي” المزعوم؛ هو فخ سياسي بامتياز، لا يستبعد أن يرافقه مجموعة من الخطوات الأخرى ذات الصلة بالتمهيد لإعلان المشاركة في انتخابات ٢٠١٨ القادمة.

أيا تكن التفسيرات المقدَّمة واختلافها في المباني التحليلية والأطر السياسية التي تنطلق منها؛ فإن هناك قناعة تكاد تكون موحدة وهي الاقتناع بأن النظام الخليفي الحاكم غير معني بحل ما يُعرَف في الأدبيات المتداولة بـ”الأزمة”، أو الدخول الفعلي في “حوار جاد ومثمر” يصل لمحطة التغيير الديمقراطي الجذري والاتفاق على مبدأ “السيادة للشعب ووحده هو من يقرر كيف يحكم نفسه”.

بجانب هذه القناعة تبرز أيضا قناعة أخرى لا تقل أهمية، وهي أن قرار “المصالحة” المزعومة، أو الدخول في “حوار”؛ لم يعد أمرا مناطا بالعائلة الخليفية أو الديوان الملكي بقدر ما هو أمر مرتبط أساسا وجوهريا ومصيريا بالتوجهات الملفقة لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد في الديمقراطية والإسلام السياسي والقضية الشيعية. وهذا هو ما يشكل معضلة الأزمة الحقيقية في طورها الأخير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى