عباس بوصفوانمقالات

البنتاغون: البحرين حاملة طائرات عملاقة.. والمشاركة واجبة في الانتخابات

عباس بوصفوان إعلامي - لندن
عباس بوصفوان
إعلامي – لندن

في 2004، أفادني ناشط أميركي، كان يراقب الحالة البحرينية، بعد انتهائه من لقاء في سفارة واشنطن في المنامة، أن دور السفير والطاقم الدبلوماسي ثانوي نسبيا في تحديد جوهر مسار العلاقات بين الجزيرة الصغيرة والامبراطورية الأميركية، وأن جنرالات الحرب القابعين في القاعدة الأميركية في الجفير (قرية شيعية هادئة، قرب المنامة)، حيث مقر قيادة الأسطول الخامس، هم أصحاب القرار، وليس وزارة الخارجية واشنطن، والبعثة الدبلوماسية في المنامة.

جزيرة البحرين بالنسبة للجنرالات الأميركيين، ليست أكثر من حاملة طائرات كبيرة، ومحطة ترانزيت دائمة، توفر تسهيلات لعشرات القطع الحربية، وعشرات الآلاف من الجنود (ليس فقط لنحو 4000 أو أكثر مقيمين في القاعدة)، ولذا فإن أمن المنامة أمر حيوي للعمليات العسكرية في الخليج، الذي تمر منه نحو ربع صادرات النفط العالمية، ويحتضن احتياطات ضخمة من الطاقة العالمية، وكذا أمن إسرائيل غير البعيدة عن مرمى صواريخ إيران، تعتبر خصما لدودا لواشنطن.

ومن الملفت، أنه قبل أيام من التدخل الخليجي العسكري في البحرين، في مارس 2011، صرّح وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس أن على سلطات المنامة إجراءات إصلاحات سياسية، وكأنه يدعم بالفعل مطالب الديمقراطية التي رفعها المحتشدون في دوار اللؤلؤة (15 فبراير _ 17 مارس 2011)، ثم أوحت وزارتي الدفاع (البنتاغون) والخارجية الأميركيتين، أن دخول الجيش السعودي إلى المنامة تم من دون مشاورة واشنطن، وكتبت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون ذلك أيضا في مذكراتها التي نشرت مؤخرا، لكن المعلومات المؤكدة التي تتوافر الآن، تفيد أن ذلك ليس إلا كذبا محضا، وأن الإدارة الأميركية كانت على اطلاع بقيام آل سعود بزج قوات عسكرية لقمع ثروة شعب أعزل، ولعل أميركا طلبت تدخل تلك القوات حين لاحظت انهيار حليفها الخليفي، وبالتأكيد فإنها (واشنطن) نسقّت بشأن ذاك الغزو، الذي تسميه بعض قوى المعارضة احتلالا، ذلك أنه لا يمكن تصور دخول قوات غير مرغوب بها إلى “حاملة طائرات عملاقة = البحرين”، دون اذن من قائد الأسطول الخامس.

المؤكد أنه بعد عدة أشهر من ذلك، وبالتحديد في أغسطس 2011، مدّد البنتاغون اتفاقية التعاون العسكري مع السلطات الخليفية. وسبق ذلك إعلان واشنطن، في مايو 2010، توسيع قاعدته في البحرين بضم ميناء سلمان إليها، على مساحة مقدارها نحو 28 هكتارا (70 فدان)، بكلفة تناهز 580 مليون دولار، ويفترص أن تنتهي التوسعة في العام المقبل (2015).

لكن التواجد العسكري الأميركي لا يقتصر على القاعدة في الجفير، وإنما يمتد أيضا إلى قاعدة الشيخ عيسى الجوية قرب الرّفاع (منطقة سكن العائلة الخليفية الحاكمة)، ومطار البحرين الدولي في المحرق، فيما تبرز البحرين كمحطة استخباراتية نشطة.

إذا، فإن حماية تلك المنشآت الضخمة، التي استثمرت فيه واشنطن الكثير منذ نحو ستة عقود، هو المهم بالنسبة للبنتاغون، وليس حالة حقوق الإنسان ومطالب الإصلاح.

ويتأكد بشكل واضح يوما بعد آخر، أن نهج البنتاغون الذي يعطي أفضلية للأسطول العسكري على ما عداه من أمور، ينتصر في البحرين، على أي نهج أميركي آخر، إذا افترضنا أن هناك تمايز بين مواقف الأدميرالات، ومواقف مراكز القوى الأخرى مثل وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي والبيت الأبيض، إزاء متطلبات الاستقرار الحالة البحرينية.

ويبدو أن دور البنتاغون المناصر للدكتاتورية ذاك، بدا واضحا أكثر للجماعات السياسية المعارضة، التي لم تستطع حتى الآن اختراق مقر الأسطول الخامس في المنامة، أو مكاتب وزارة الدفاع في واشنطن، ولعل المعارضة تبدو غارقة في النقاش مع مسئولي حقوق الإنسان في وزارة الخارجية الأميركية، وآخرهم توم مالينوسكي الذي طُرد، في وضح النهار، من المنامة، في يوليو الماضي، ولم تتطور لقاءات المعارضة لتتوسع لمقابلة مسئولين “سياسيين” رفيعي المستوى، غير أولئك “الحقوقيين”.

مراقبون يرون أن لقاءات المعارضة مع مسئولين من هذا النوع، ليس أكثر من إضاعة للوقت، او على الأقل ليست بالقدر المأمول من الفعالية. ولعلي كررت مثل هذه الملاحظات مرارا في لقاءاتي مع بعض وجوه المعارضة، خصوصا حين يعبّرون بامتنان للتفهم الذي يبديه مسئولو حقوق الإنسان في الخارجية الأميركية.

طبعا ما قصدت بذلك أن اللقاءات يتوجب أن تتوقف، لكني قصدت تأطيرها، مع تسجيل خالص الشكر لـ مايكل بوسنر ومالينوسكي كـ “مدافعين مرموقين عن حقوق الإنسان”، وقد سجلا إدانات علنية للعنف الخليفي.

وإن كان لدي افتراض، أجده جدير بالاهتمام، أطرحه للنقاش على الأقل، وإن كنت أرجحه، مفاده: أن الكثير من الجهد الدبلوماسي الأميركي، لـ بوسنر ومالينوسكي وغيرهما، يتناغم مع تطلع الأدميرالات الأميركيين لجهة تهدئة خواطر المعارضة، رغبة في احتوائها. أي أن بوسنر ومالينوسكي يعملون بتناغم تام، حسنا شبه تام، مع الرؤى التي يتبانها الجنرالات غير البعيدين عن رؤى القصر الملكي في الصخير، والذين (الجنرالات) يوفرون الدعم للعناصر المتشددة في النظام البحريني والنظم المستبدة في المنطقة، ويجدونهم شركاء موثوقين. (أنظر: علاقة الخليفيين المتشددين بالغرب)

معلوم، أن اللقاءات مكثفة بين المسئولين الخليفيين والقادة العسكريين الأميركيين، وكذا مع المسئولين الدبلوماسيين، بيد أن الأخيرين لا يحظون بالتقدير المتوقع. وقد شنت حكومة البحرين طوال الثلاث سنوات الماضية حملة علنية عنيفة ضد السفير المنتهية ولايته توماس كراجيسكي، لعله يصعب على المراقب تصور حدوثها، أي أن تقوم دولة صغيرة مثل البحرين بالتعريض بسفير دولة عظمى. (أنظر: كيف نفهم طلب البحرين ترحيل السفير الأميركي في المنامة؟ (

ويتوجب على السفير كراجيسكي أن يغادر المنامة مسجلا في رصيده الدبلوماسي “فشلا” في إدارة العلاقات مع البحرين الرسمية، وفق تقييم الجنرالات، فيما يتوجب على السفير الأمريكي الجديد ويليام روباك، أن يعتبِر، كي لا ينال السخط الخليفي/ البنتاغوني، وأن عليه يكون نسخة من السفير البريطاني الحالي، إيان لنزي: أصم، لا يسمع معاناة شعب يعيش بين ظهرانيه، وكأنه في يقطن المريخ. وكذا على مالينوسكي، الذي لم تشعر الجنرالات بالأسى لطرده المهين من المنامة في الصيف الماضي، أن يتعظ وهو يحادث الأسرة الخليفية، التي يرعاها الجنرالات.

طبعا، هذا لا يمنع مالينوسكي، إن تسنى له الحضور للمنامة، أو عبر الأطر الدبلوماسية، أن يبلِغ المعارضة، رسالة البنتاغون، من جديد، بأن عليها المشاركة في الانتخابات، وإلا فإن واشنطن قد تكون مضطرة لتخفيض العلاقات معها.

ومع ذلك، فإن هذا مازال لا يمنع جمعيات المعارضة، وعلى رأسها الوفاق الشيعية، من أن ترسل إشارات متناقضة تجاه الأسطول، مرة ترحب بوجوده، وأخرى تجده قابلة للنقاش، وكأن الجنرالات المتغطرسين يقبلون صيغا تقبل التأويل ممن يعتبرونهم موالين لإيران، فيما هم (الجنرالات) يجدون من الخيلفيين ترحيبا بالغ الحرارة.

وأخيرا، لعل الجهد المعارض، مادام يرى في الإطار الإقليمي والدولي، مؤثر في مسار البحرين، أن يولي جزء من جهوده للتواصل مع عسكر أميركا وسياسييها، وليس فقط مع “حقوقييها”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى