سجن جوآية الله النمرالمنامةتقاريرما وراء الخبر

متابعات: الاختبارات الأربعة للمعارضة في البحرين.. وكيف حافظت الثورة على الميزان

 

 

البحرين اليوم – (خاص)

 

متابعات 

ما وراء الخبر

 

اختبر الخليفيون، وخلال عامٍ مضى، الجمعيات السياسيّة المعارضة والنخب الدينية بالبحرين، في أربع محطّاب وملفات، ويبدو أن النظام الخليفي يدفع إلى نفسه التفاؤلَ بأنّ نتائج الاختبارات حتّى الآن تصبّ في صالحه.

الاختبارات الأربعة يتقاطع فيها الداخلي بالخارجي، إلا أنّ العنصر المشترك فيها هو مساسها بالمرتكزات السياسيّة والفكريّة والعقيديّة والأخلاقيّة التي يُفترض أنها من المباديء الثابتة لدى القوى السياسية والدينيّة في البلاد، وهو ما يجعلها – بشكل من الأشكال – من الاختبارات الهامة التي يجوز الاستناد عليها في قراءة الاحتمالات الممكنة لكلّ طرفٍ من الأطراف الفاعلة في الداخل.

 

 

– الاختبار الأول: العدوان على اليمن

 

 

في مارس 2015م، شنّت السعوديّة عداوناً عسكرياً شاملاً على اليمن، وهو لا يزال مستمراً حتى اليوم.

الخليفيون والإماراتيّون كانوا أبرز المشاركين في هذا العدوان، وتوجّهت قوات عسكريّة من نظامي البحرين والإمارات للمشاركة العملية في العدوان، سواء على الحدود الجنوبية بين السعودية واليمن، أم داخل اليمن، وتحديداً من جبهة الجنوب. ووقع قتلى خليفيون وإماراتيون خلال ذلك، وأكثرهم كانوا من جانب الإمارات، فيما كان قتلى الخليفيين أغلبهم من المجنسين، إضافة إلى ضبّاط تابعين للنظام.

بادر النظام الخليفيّ إلى التهديد بملاحقة أيّ اعتراض يُعلَن ضد العدوان. وأعلنت وزارة الداخلية الخليفية عن هذا التهديد في اليوم الأول من بدء العدوان، وتعاطت مع الأمر باعتباره “شأناً من شؤون الحرب”.

نفّذ النظام تهديده بسرعة، حيث تم اعتقال المعارض السياسي فاضل عباس، الذي كان أول منْ أعلن عن اعتراضه على الحرب ببيانٍ نشره في حينه، ليُحكم عليه لاحقاً بالسجن 5 سنوات، ولا تزال قضيته في محكمة الاستئناف.

التهديد وسرعة التنفيذ دفعت بالمعارضين السياسيين والمنابر الدّينية داخل البلاد إلى الصمت، ولم يصدر أيّ موقف معلَن يرفض الحرب على اليمن، باستثناء المواقف التي عبّر عنها مدونون (مجهولو الهوية في الغالب)، والذين تم ملاحقة بعضهم، واعتقالهم، وحُكم على بعضهم بالسجن 5 سنوات. كما تم اعتقال الناشط الحقوقي البارز نبيل رجب على خلفية تغريدة على تويتر أظهر فيها الاعتراض على الحرب، وما أسفرت عنه من سقوط ضحايا أبرياء.

على المستوى السياسيّ، وفي جبهة الجماعات السياسية والدينية الداخلية، نجح آل خليفة في اختبار “فرْض الصمت” بالنسبة للموضوع اليمني. إلا أن المعادلة الشعبية والحضور الآخر للقوى الثوريّة؛ سحبَ البساط من تحت النظام الخليفي، ومنعه من “تثمير” الغلبة في تلك الجبهة.

الشارع الشعبي والثوري، وخلافاً للجمعيات الرسمية والمنابر، سارعَ إلى إعلان رفضه للعدوان على اليمن، وتحرّكت العديد من التظاهرات والفعاليات الشعبية، وفي مختلف مناطق البلاد، تعبيراً عن هذا الرفض، والذي أخذ أشكالاً متعددة، وبينها التضامن مع الشعب اليمني، وإظهار الإشادة بمقاومته للعدوان، فيما ارتفعت خلال التظاهرات صورُ قائد حركة أنصار الله، السيد عبد الملك الحوثي، بموازاة صور “قادة” العدوان من السعوديين والخليفيين والإماراتيين وغيرهم، والتي رُميت في الشوارع لتكون موطئاً للأقدام. وعلى هذا النّحو، دخل الملف اليمني ضمن الملفات “العربية والإسلاميّة” التي تُشكّل إحدى الموضوعات الجوهرية في الحراك الشعبي والثوري في البحرين، تماماً كما هو الحال مع الملف الفلسطينيّ وغيره.

 

 

– الاختبار الثاني: إعدام الشيخ نمر النمر

 

 

على ذات الوتيرة، لم يحظ ملف الشهيد الشيخ نمر النمر بأيّ حضور لافت في الخطاب السياسي والديني المعارض داخل البحرين.

سياسياً، وجدت الجمعيات نفسها مضطرة للنأي بنفسها عن أيّ “صدام” مع السعوديّة. ومن المؤكد أن تبني ملف الشيخ النمر، منذ اعتقاله (2012) والحكم عليه بالإعدام (2014)، وإلى حين تنفيذ الحكم في يناير 2016م، هو “مُحرج” بالنسبة لهذه الجمعيات التي ظلت – وحتى فترة أخيرة – تتعاطى مع السعودية باعتبارها “دولة شقيقة، وأن “حلّ أزمة” يتطلب “التواصل السياسي معها”.

الموقف السياسي الذي عبّر عنه الشيخ النمر كان – بذاته – موضع إحراج بالنسبة للقوى السياسية والدينية، حيث عبّر الشيخ الشهيد عن تماهٍ كامل مع مطالب الثورة البحرانية، وخاصة لجهة إسقاط النظام الخليفي، وإدانة دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين، فضلا عن نظرة الشيخ الشهيد “الجذرية” مع آل سعود.

لذلك، لم يرد ذكر للشيخ الشهيد في البيان السياسي والديني العلني بالبحرين، وخاصة بعد إعدامه، حيث بادر الخليفيون أيضاً – وتأسيساً على نتائج الاختبار الأول – إلى التهديد بملاحقة منْ يعترض على “الأحكام القضائية السعوديّة”، وذلك فوْر إعلان آل سعود عن إعدام الشيخ النمر مطلع يناير الماضي.

نفذ الخليفيون هذا التهديد أيضاً، وجرى اعتقال عدد من المدونين والنشطاء، وبينهم الطبيب الدكتور سعيد السماهيجي، الذي لا زال قيد القضبان، وذلك بعد نشره تدوينة على تويتر اعترض فيها على جريمة إعدام الشيخ النمر.

اشتدّ تجنّب السياسييين والمنبر الديني – وحتى على مستوى إصدار البيانات – بعد أن تحوّل موضوع إعدام الشيخ النمر إلى ملف إضافي للأزمة بين السعودية وإيران. والتي لا تزال تتفاعل على أكثر من صعيد.

وكما حصل مع العدوان على اليمن، لم يتمكن آل خليفة من توظيف تهديداتهم وإسكاتهم للمعارضين بشأن الشيخ النمر، وذلك بفضل مبادرة المواطنين والقوى الثورية لشغْل “الفراغ”، والدخول الواسع في مواقف التلاحم مع الشيخ النمر، منذ البدء، وحتى ما بعد استشهاده، حيث تحوّل الشيخ الشهيد إلى مفردة أساسيّة من قاموس الثورة البحرانية، وأضحى من أهم علاماتها ومحطاتها. وبهذا المعنى، لم يكن متاحاً لآل خليفة “الاستمتاع” بنجاحهم في إجبار الجماعات السياسية والدينية على الصّمت بشأن الشيخ النمر، وكأن هذا الصّمت “لا أثر له في نبض الشارع وفي عنفوان الثورة”.

 

 

– الاختبار الثالث: تعدّيات راشد الخليفة على المذهب

 

 

منذ ما بعد الاجتياح السعوديّ للبحرين، في مارس 2011، لم يتوقف النظام الخليفي عن استهداف السكان الأصليين، وكانت دورة هذا الاستهداف تشمل التعدي على الشعائر الدينية، وهدم المساجد، وتطبيق إستراتيجية تجفيف المنابع ضد الشيعة داخل الدولة، وفي المجتمع، والتضييق على مؤسساتهم الدينية وحلّها، وصولاً إلى التطبيق التدريجي لسياسة الاقتلاع من الأرض، والترحيل الإجباري أو القهْري.

في هذا الاختبار؛ كان ردّ فعل الجمعيات السياسية والقوى الدينية مغايرا. حرَص الجميع على إظهار الاعتراض، وببعض أساليب المقاومة المدنية. وظلّ المنبر الديني، كما البيانات السياسيّة، تردّد لغة الرفض لسياسة “الاضطهاد” و”التمييز” ضد الشّيعة، كما رفع علماء الدين الصوت ضد التهديدات المتكررة التي وُجّهت للمنابر والمؤسسات والشعائر الدينية، إضافة إلى اعتقال العلماء واستدعائهم.

كان من الطبيعي ألا يخبو هذا الصوت في هذا الشأن، بالنظر إلى حساسيّة هذا الاستهداف، وكونه يطال جوهر الوجود الرمزي والمادي للسكان الأصليين في البلاد.

ولكن لوحظ أن الممارسات الطائفية التي يُقِدم عليها النظام، وتأخذ طابع “القوننة”، تظل بمنأى عن المقاومة السلبية أو الممانعة، وليظل مظهر “الاستسلام” أمامها واضحاً، كما هو الحال مع حلّ المجلس العلمائي.

إلا أن ذلك لم يُخفِ استمرار الاعتراض، وبكل الوسائل المتاحة، لسياسات النظام وانتهاكاته ذات الطابع المذهبي. وقد أعلن كبار علماء الدين عن اعتراضهم على كلّ تلميح رسميّ يُهدّد بالهيمنة على المنبر الديني، وتحت عنوان رفض التسييس وما شابه. إلا أن هذا الاعتراض اعتراه الضعف قبال أخطر التهديدات والتعديات التي صدرت من النظام، وخاصة من جانب وزير الداخلية الخليفي، راشد الخليفة، التي أعلن في فبراير الماضي حربه “الاستباقية” ضد المواطنين، وجعل موضوع “الهيمنة” على الشعائر والمؤسسات الدينية عنواناً لهذه الحرب، وخاصة مع تدخّله في الشأن الفكري والعقيدي للشيعة، وتشنيعه عليهم في موضوع “ولاية الفقيه”، وصولاً إلى تسفيره للشيخ محمد خوجسته – تأسيساً على تسفير الشيخ حسين النجاتي في 2014م – ولينتهي إلى حدّ وصف المذهب الشيعي ب”المبتدع”.

خلال ذلك، بدا الموقف السياسي والديني المعارض غير متناسب مع حجم التعدي، والذي بلغ أوجه باستعارة النظام الخليفيّ للقاموس التكفيري الذي يروج في الخطاب الرسمي السعودي.

وكما هو في كل الاختبارات السابقة، كان الحضور الشعبي والثوري بديلاً عن الصّمت أو الضعف في ردود الأفعال السياسية والرمزية. ولكن في هذا الملف، كانت عدم مسارعة أو مبادرة المجتمع السياسي والديني المحلي للوقوف في وجه التعدي الطائفي الخليفي؛ مؤشراً على قدرة/ إمكان النظام على استحصال النتائج السلبية في الاختبارات السابقة، وتأسيسه عليها باتجاه التصعيد في هذا التعدي، وهو ما يدعو للتأمل “وأخذ الحيطة والحذر”، كما يقول أحد المعارضين.

 

 

– الاختبار الرابع: الهجوم على حزب الله واعتباره “منظمة إرهابية”

 

 

منذ العام 2011 وحتى قبل أسبوع، كان الخليفيون يمثلون أبرز “الكيانات” التي تُعلِن العداء لحزب الله اللبنانيّ.

وأحرز آل خليفة “قصب السبق” في توصيف الحزب بالإرهابيّ، وشارك في ذلك مسؤولون خليفيون، ابتداءا من وزير “الدفاع” الخليفي، وانتهاءا بوزيري الداخلية والخارجية.

خلال ذلك، لم يبرز أي موقف رافض أو معترض من الوسط السياسي المعارض أو المنابر الدينية، بخلاف الشارع الشعبي والثوري الذي ظلّ حزب الله عنواناً دائماً له في التمجيد والإشادة، وفي كلّ المناسبات ذات الصلة، وخاصة في إحياء يوم القدس العالمي.

حاجز التخويف من تمجيد الحزب أخذ تصعيداً أكبر بعد دخول “مجلس التعاون الخليجي” في حرب “شيطنة” الحزب واعتباره “إرهابياً”، وهو دخول تم بأوامر سعودية، لأسباب لها علاقة بالإخفاق الإقليمي، ولأسباب أخرى.

على المستوى المحلي، وبعد البيان الخليجيّ الذي صدر قبل 3 أيام، ووصّف حزب الله بالإرهاب؛ لم يصدر عن القوى السياسية (الدينية والقومية) أي اعتراض، فيما صدّرت القوى الثورية بياناً “سفّه” البيان الخليجيّ، وشدّد على وطنيّة المقاومة وأنها “شرف هذه الأمة”.

هذا الاختبار الرابع، ونتيجته بالنسبة للقوى السياسية والدينية في البحرين، غير بعيد عن الاختبارات السابقة، وخاصة اختبار التعديّ الخليفي على الشعائر ومذهب السكان الأصليين، ولا شك بأنّ آثار وتبعات عدم إظهار الموقف في هذا الموضوع، سيكون له تداعيات أخرى، وعلى صعيد اختبارات متتالية، لن تكون منفصلة عن سياق “السلبية” (المتفاوتة) التي طغت على مجمل المواقف “الرسمية” للمعارضة في البحرين.

 

سيكون من المهم الإشارة، في الختام، إلى عدم متانة التبرير الذي يستند على مقولة “القمع”، وتفضيل القوى السياسية والدينية عدم إعطاء النظام “ذريعة” للاعتقال والملاحقة.

في سياق التعليق على هذا التبرير، يُفضّل البعض استدعاء النموذج الذي برز مؤخراً في “مملكة القمع”، كما تصف التقاريرُ السعوديةَ، أي نموذج آية الله الشيخ حسين الراضي، والذي رفعَ صوته من منطقة الأحساء، بما لها من خصوصية مختلفة عن خصوصيّة القطيف، وتجاوزَ “أخطر المحذورات السعودية”، على مدى سلسلة خطب من منبره في مسجد الرسول الأعظم في بلدة العمران بالأحساء، وتناول فيها موضوع إعدام الشيخ نمر النمر، والعدوان على اليمن، والتدخل العسكري في سوريا والبحرين، وأخيرا (اليوم الجمعة 4 مارس 2016) موضوع حزب الله. يقترح هؤلاء هذا النموذج ردا على تبرير الصمت أو تخفيف اللهجة بالخشية من القمع الشامل والكامل.

 

– في أجرأ المواقف المحلية ضد إعدام “شهيد الحرية والكرامة”.. الشيخ الراضي يستنكر الجريمة الشنيعة ويرد على الحكومة

– الشيخ الراضي يكسر “صمت علماء” الشرقية والبحرين.. ويعلن: أوقفوا الحرب في اليمن

– الشيخ الراضي.. يكسر التهديدات: “لا لإرسال الجيوش إلى اليمن والبحرين وسوريا”

– الشيخ الراضي يكسر التهديدات مجدداً: لن تتمكنوا من حزب الله.. وقرار مجلس التعاون “أبهج إسرائيل”

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى