حسين كاظممقالات

هل هناك مؤشرات حقيقية لحرب إقليمية؟

البحرين اليوم – (خاص)

حسين كاظم

 كاتب من البحرين

 

الأحداث الأخيرة التي تشهدها المنطقة، تحتاج لعقل بارد ونفس هادئة في النظر والتحليل، لأن حجم الحملات الإعلامية كبيرة، وتداخل المعلومات المتدفقة إزاء الملف النووي الإيراني وقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الثاني عشر من الشهر الجاري وما يتصل بهما من متعلقات، لا تحتاج للاندفاع والانفعال للخروج بشكل سليم إلى نتيجة تكون أقرب للواقع.

وأكثر ما يشغل المتابعين في هذا الجانب أمران، الأول هو ما سميت بالوثائق الإيرانية التي حصلت عليها إسرائيل، والتي استعرض نتنياهو جزء منها قبل أسبوع، وقال نتنياهو خلال عرضه الذي كان يتحدث من القيادة العسكرية في تل أبيب “قبل أسابيع قليلة مضت وفي انجاز استخباراتي كبير حصلت إسرائيل على نصف طن من المواد التي كانت موضوعة في قبو في طهران. إسرائيل كشفت عن 55 ألف ملف تحتوى على معلومات تجريم بشأن البرنامج النووي الإيراني”.، الثاني، هو قرار الرئيس الأمريكي حول بقاء أو انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم في لوزان في الثاني من أبريل لعام 2015، بين خمس الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا من جهة وإيران من جهة أخرى.

وما بين هذا وذاك، تترقب المنطقة نشوب حرب بين إسرائيل وحلفائها، وإيران وحلفائها، وبشكل طبيعي أن هذه الأحداث خلقت موجة عارمة من التجاذبات ووجهات النظر والتحليلات ، بل والتمنيات في بعض الأحيان.

لعل من المفيد استذكار ما عرضه كولن باول وزير الخارجية السابق للولايات المتحدة، والذي ألهب في عام 2003 هيئة الأمم المتحدة، وهي أعلى مؤسسة أممية في العالم، بخطاب ناري عرض خلاله ما أسماه (وثائق وصور استخباراتية) حول أسلحة الدمار الشامل للعراق، والتي تبين أنها مزيفة ولا أساس لها، وقد كتب عنها كوفي عنان الأمين السابق للأمم المتحدة، وهو صديق كولن باول، كتب عنها أن باول عاش في الفترات الأخيرة حالة من تأنيب الضمير لاقنتاعة أن حرب العراق لم تؤسس على معلومات صحيحة، وقد نشر عنان مذكراته عام 2012.

بنفس النفس، وبذات الطريقة، يريد رئيس وزراء إسرائيل، وهو الأجبن في التاريخ الإسرائيلي، أن يفبرك وثائق لإدخال المنطقة في حرب، لا تستطيع إسرائيل القيام بها لوحدها، وبنفس النفس وبذات الطريقة، قدم رئيس وزراء إسرائيل “وثائق” قال عنها أنها مهمة جدا، وفي نفس الوقت، أنها مركونة في “قبو في طهران”، فهل وثائق بهذا الحجم من الأهمية تترك بلا حراسة مشددة؟

ثم لماذا لم نجد تفاعلا مؤيداً لموقف نتنياهو يصل لحجم التهويل الذي يفتعله حزب الليكود، حتى أن المحللين الإسرائيليين يقللون من أهمية ما عرضه نتنياهو، وهنا اقتبسبت بعض التحليلات المترجمة عن الصحف الإسرائيل، فمن  التحليلات الرئيسية في صحيفة “هآرتس”، يصف المراسل للشؤون الحزبية، يوسي فيرتير، ما حدث بأنه “عرض بامتياز، استغل فيه نتنياهو المعلومات الاستخبارية، ووظفها في تقديم عرض لا يملك أي سياسي آخر في إسرائيل القدرة على تقديمه”، لافتاً إلى أن نتنياهو “لم يقدم دليلاً” على أن إيران  تخرق الاتفاق النووي منذ توقيعه قبل ثلاثة أعوام.

 

واعتبر عاموس هرئيل، محلل الشؤون العسكرية في “هآرتس” إن نتنياهو يخوض معركة يرغب من ورائها تحقيق هدفين منفصلين عن بعضهما البعض. فعلى مستوى الحلبة الدولية، هو يحاول منح دونالد ترامب دفعة صغيرة أخرى باتجاه إعلان أمريكي للانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، أما على المستوى السوري، فإن نتنياهو يسعى لإظهار أن إسرائيل مصممة أكثر من أي وقت مضى على منع تمركز قوات إيرانية في سورية، وهو يعتقد أن الوضع السائد حالياً، والتوتر والترقب الإيراني لقرار ترامب في 12 مايو، سيصعب على إيران شنّ هجوم ضد إسرائيل أو ضد أهداف إسرائيلية رداً على ذلك.

أما محلل الشؤون الدولية والأميركية، أنشيل ببير، فقال أن عرض نتنياهو يفتقر إلى معطى أساسي وحيد – تواريخ ومواعيد، إذ يقول إن المواد التي تمّ طرحها  تثبت أن إيران، خلافاً لادعاءاتها، طورت سلاحاً نووياً، لكن هذا كله سبق وتمّ نشره واستعراضه في التقرير الرسمي للوكالة الدولية للطاقة الذرية في العام 2011. عدا عن ذلك، بحسب ببير، فإن نتنياهو لم يقدم أي دليل على أن إيران عملت منذ توقيعها على الاتفاق النووي مع الدول الغربية قبل ثلاث سنوات في مجال تطوير السلاح النووي. ويضيف “لو كان نتنياهو حصل على دليل كهذا لكان أبرز ذلك بشكل لافت للنظر. صحيح أنه يمكن الافتراض أن إيران لا تواصل فقط المحافظة على الخبرات التي راكمتها على شكل أرشيف، وإنما أيضاً تواصل تطوير هذه الخبرات سراً، لكن مرة أخرى يجب القول إنه لا يوجد دليل يثبت ذلك”.

ويوضح بيبر أن نتنياهو يواجه مشاكل كثيرة، لكن أبرزها مشكلته مع القرار الذي يفترض أن يعلنه ترامب، وهو يدرك أن ترامب لا يملك القدرة البلاغية والخطابية اللازمة، وأنه آخر شخص في العالم يمكنه أن يشرح أن ما جاء في وثيقة من 164 صفحة (الاتفاق النووي) وتم التوصل إليه بعد سنين من العمل المضني هو اتفاق غير جيد. ولا يُسقط بيبر احتمال أن يكون كل العرض الاستعراضي الذي قدمه نتنياهو موجهاً بالأساس للناخبين الإسرائيليين، الذين بدأوا على الأقل، وفق الاستطلاعات الأخيرة، يتركون حزب “الليكود” والأحزاب التي تدور في فلكه، وبالتالي فقد كان الهدف الرئيسي للمؤتمر الصحافي أمس استعادة هؤلاء المصوتين.

 

وفي “معاريف”، قال  بن كاسبيت، “أن  إبراز جانب الظهور الإعلامي لنتنياهو حتى في قضايا النووي، وإتقان رئيس الوزراء الإسرائيلي لهذا الجانب، لدرجة بدا فيها نتنياهو أمس وهو يتجول مع عرضه النووي، كمن ولد في قلب مفاعل ذري ورضع اليورانيوم من أجهزة الطرد، وكان من حظنا أن مشاكل الصوت الفنية في مستهل خطابه ذكرت نتنياهو بأننا ما زلنا نعيش في الشرق الأوسط.

ومضى بن كاسبيت في محاولة التقليل من أهمية مؤتمر نتنياهو، ليركز على حب الأخير للظهور قائلاً: مع ذلك، بدا وكأن نتنياهو يتمتع ويتلذذ من كل لحظة سخريته من الظهور الإعلامي ، مشيراً إلى أن عقيلته تعلن باستمرار أنه لو كان ولد في الولايات المتحدة، لكان انتخب رئيساً للولايات المتحدة كلها، ولكان رئيس النصف الغربي من الكرة الأرضية”. انتهت الاقتباسات من الصحف الإسرائيلة.

بعد كل هذا العرض ونحن على أعتاب منتصف عام 2018، وليس عام 2003، ومع تطور وتدفق المعلومات والاتصالات، وتفاعل وتأثير الناس على مجرى الأحداث، لم يعد مستساغاً أن يقال: “الحرب وشيكة بمجرد وجود وثائق لا تستند إلى دليل”، كما أن حال المحور الأمريكي في المنطقة لا يؤشر على وجود استعداد حقيقي للحرب، وإن كان مدفوع التكاليف من بعض الأنظمة العربية وعلى رأسها السعودية.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى