ما وراء الخبر

حكم العسكر بعد خلع البشير ..هل تتكرر تجربة مصر في السودان

البحرين اليوم-متابعات

 

أخيرا أسفرت الهبة الجماهيرية في السودان بعد مقتل العشرات عن خلع الرئيس عمر البشير، والذي حكم ذلك البلد الكبير لثلاثة عقود، بعد إنقلاب عسكري على حكومة الصادق المهدي في العام 1989.

لم يمضي شهرين على تعيين البشير لعوض بن عوف وزيرا للدفاع في السودان، حتى أعلن الأخير في خطاب متلفز اليوم (الخميس 11أبريل) عن “اقتلاع النظام والتحفظ على رأسه بعد اعتقاله في مكان آمن”.

رقص الشعب وأطلقت الأهازيج وأحرقت صور الطاغية وعمت البهجة والسرور ربوع السودان، وقلوب السودانيين في كل الأمصار، بل كل طلاب الحرية في كل العالم. في هذه السكرة توقف المحللون موقف ذهول وريبة على بيان العسكر الذي أعلنه بن عوف، حيث أكد فيه انتقال الحكم للجيش فترة “إنتقالية تمتد لعامين”، وتعطيل الدستور، وإعلان حالة الطوارىء، وإجراءات تحت مسمى فرض الأمن تدخل البلد في حكم العسكر الشمولي، وترجع الكرة إلى حيث كانت.

صحيح أن وزير الدفاع السوداني أصدر أمرا عاجلا بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسين، لكنه لم يشر لا من قريب أو من بعيد عن إشراك المعارضة والمؤسسات السودانية المستقلة في تهيئة الفترة الإنتقالية لنظام الحكم المستقبلي في السودان، وهو ما يراه الكثيرون على أنه تموضع جديد لعودة النظام السابق بوجوه جديدة، وأن التغييرات المرتقبة ستكون مفروضة على السودانيين وليست بمشاركتهم.

في ظل هذه الأجواء السعيدة يمتزج الخوف والريبة حول المصير المجهول للسودان في ظل حكم العسكر، وتنقدح الأسئلة البديهية عن الدوافع الحقيقية من وراء الإجراءات التي أعلنها الجيش السوداني، فهل حصل وزير الدفاع على مباركة من دول أخرى كالسعودية مثلا، خاصة وأن الأخيرة كانت وراء الإنقلاب العسكري في مصر الذي أرجع السلطة للنظام السابق برئاسة السيسي الذي كان وزيرا للدفاع حينها؟ وما هو مصير قادة المعارضة في السودان، وقادة الثورة التي “أطاحت” بالبشير؟ وما هو الضمان من عدم ارتكاب الجيش الذي أعلن حالة الطوارىء للإنتهاكات بمسمى فرض الأمن؟ وكيف ستحافظ الجماهير على يقظتها من تدخل قوى الثورة المضادة بقيادة السعودية؟

كل هذه الأسئلة وغيرها يفترض أن تكون إجاباتها معلومة لدى قادة المعارضة في السودان، فبدون أي ضمانات للتحول السليم نحو الديمقراطية فإن الثورة ستوأد فور رجوع الناس إلى منازلهم.

تشير المعلومات إلى انحياز وزير الدفاع السوداني عوض بن عوف إلى العدوان السعودي على اليمن، واعتباره مشاركة الجيش السوداني في الحرب التي خلفت أكبر مأساة إنسانية على وجه الأرض “واجب والتزام أخلاقي”. ونقلت شبكة البي بي سي البريطانية معلومات حول عوض تشير إلى أن ” لجنة تقصي حقائق تابعة للأمم المتحدة حول الأوضاع في دارفور عام 2005 قد وضعت اسمه ضمن قائمة المسؤولين عن تدهور الوضع هناك”. وسبق للولايات المتحدة أن وضعت إسمه ضمن القائمة السوداء باعتباره كان يشغر منصب رئيس الإستخبارات أثناء الصراع في دارفور.

مما سبق تتعزز المخاوف لدى المراقبين من أن إعلان الجيش السوداني خلع البشير، هو كإعلان السيسي خلع مرسي، ومن ثم إطلاق يد القمع والإرهاب لتلاحق كل أصوات المعارضة والنشطاء الذين كان لهم دور بارز في الحراك الثوري داخل السودان. علائم هذه المخاوف تتضح من خلال مؤشرات تستدعي مراقبتها بدقة، أهمها علاقة السعودية أو الإمارات بهذا التغيير، فإن تمكن السودانيون من قطع أصابع الثورة المضادة بقيادة السعودية فإنهم يسيرون نحو تهيئة الضمانات من عدم اختطاف الثورة، وإن استند الجيش السوداني الحاكم إلى مساعدات السعودية وعلاقاتها فعلى السودان وثورته السلام.كل ذلك لسبب بسيط جدا، هو أن الدولة (السعودية) التي تحارب الديمقراطية في بلدها والبلدان المجاورة، ولا تتردد في إراقة الدماء لمنع أي تغير نحو الحرية، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ترعى تحولا ديمقراطيا في بلد آخر. انتصار الثورة في أي مكان هو انتصار لكل الثورات في كل مكان، وهزيمة لكل الأنظمة الديكتاتورية أينما كانت، واختطاف أي ثورة هو إضعاف لكل الثورات، وتقوية لشوكة الأنظمة الديكتاتورية.

وأمل كل الأحرار في كل مكان أن لا تتكرر تجربة مصر في السودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى