ما وراء الخبر

الأزمة الاقتصادية في البحرين.. الأسباب والحلول

رأي البحرين اليوم – خاص

تمر البحرين بأزمة اقتصادية حرجة، أبرز معالمها عجز متوقع في الموازنة يزيد عن 15 ٪ بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، وارتفاع الدين العام إلى 114% من الناتج المحلي بحسب تقديرات ذات الصندوق. وانخفضت احتياطات البلاد النقدية من العملة الأجنبية إلى نحو 3 مليار دولار، فيما ارتفعت نسبة البطالة في البلاد إلى نحو 15 ٪ وفقا لتقديرات منظمات دولية، وسط مخاوف من انهيار قيمة عملة البلاد.

أسباب الأزمة

يمكن تقسيم الأسباب التي أدت إلى وقوع هذه الأزمة الاقتصادية الجديدة والتي تناولتها وكالة أنباء البحرين اليوم مؤخرا، إلى أسباب مستدامة وأخرى طارئة قد يتحول بعضها إلى مستدامة. أما الأسباب المستدامة فهي فساد عائلة آل خليفة المالي، وغياب الاستراتيجيات الاقتصادية التي تحرر اقتصاد البحرين من النفط، وليس آخرا سياسات التجنيس السياسي.

تستحوذ عائلة آل خليفة على موارد البلاد الاقتصادية وتستأثر بما لايقل عن ثلث مداخيل البلاد وفقا لبعض التقديرات، وإن موارد صرف هذه المبالغ التي تودع في حسابات سرية لا تظهر في بنود الموازنة السنوية. لكن نظرة سريعة على بعض استثمارات العائلة في الخارج، يمكن ان تعطي صورة تقريبية لحجم ثروات العائلة.
فقد كشفت صحيفة فايننشال تايمز في تقرير لها في العام 2014 عن امتلاك حاكم البحرين حمد الخليفة وعدد من أعضاء عائلته لشركة استثمارية تدعى مجموعة (بريمير) تبلغ قيمة استثماراتها 22 مليار دولار، وتنشط بين البحرين وبريطانيا. وتولت المجموعة الاستحواذ على ما يسمى بدفان البحر وهي أراضي تحت الماء تم استثمارها لبناء مجمعات سكنية وفنادق فاخرة، ومن بينها فندق “فورسيزن” الذي يملكه حمد الخليفة. كما يملك الأخير جزرا صغيرة وقصورا داخل البحرين، وكذلك عدد من أعضاء العائلة الخليفية، فضلا عن أن سبع طائرات خاصة في حوزته.
عمه رئيس الوزراء خليفة الخليفة الذي اشترى المرفأ المالي في البحرين بدينار واحد ، وهو الآخر يملك ثروة هائلة جمعها طوال سنوات حكمه التي فاقت الأربعين عاما. وتبلغ قيمة المرفأ المالي ما لا يقل عن ملياري دولار. وتحاط استثمارات خليفة في الخارج بسرية شديدة، وقد تم الكشف عن بعضها في العام 2016، عندما تسربت أخبار تفيد بسعي خليفة بن سلمان للاستحواذ على مجموعة “كمبنسكي” الفندقية التي يمتلك 20 ٪ من أسهمها. إذ أفادت مصادر بأن خليفة حاول الاستحواذ على 60% من أسهم المجموعة التي يمتلكها ملك تايلند السابق، بصفقة قدرت حينها بنحو مليار يورو.

ولذا فيمكن من خلال هذه الارقام المسربة، وغيرها من حيثيات تقدير حجم ثروة العائلة التي لا تقل عن 100 مليار دولار بحسب متابعين.

ليس للسلطات الحاكمة أية رؤية اقتصادية حقيقية، وليست هناك سياسة للتعامل مع الوقائع بشكل موضوعي، فالبحرين اليوم ربطت اقتصادها بالسعودية، التي تعطيها جزء من واردات حقل أبوسعفة النفطي، وهي تعتمد اليوم بشكل كلي على المساعدات الخليجية لتجاوز الأزمة الاقتصادية، وعلى القروض الخارجية، وفرض الضرائب على المواطنين. هذه ابرز معالم سياستها الاقتصادية. فهي لا تنوع مصادر الدخل وليست بصدد تنشيط القطاع الخاص، أو ترشيد مصاريف العائلة الحاكمة أو تقليل حصتها من ثروات البلاد.

وأما العوامل الطارئة التي ألقت بظلالها على البحرين فأبرزها جائحة كورونا التي ضربت اقتصادات معظم دول العام ومن ضمنها البحرين، فقد عطلت النشاطات التجارية، ووجهت ضربة موجعة لأسعار النفط. لكن هناك عوامل طارئة أخرى تحولت بمرور الوقت إلى عوامل مستدامة.

احدها هو الإنفاق العسكري والأمني الذي تصاعد بشكل غير مسبوق منذ إندلاع ثورة 14 فبراير عام 2011. فقد بات الإنفاق العسكري يستنزف ما لا يقل عن 30% من الموازنة السنوية. ولا تتورع العائلة الخليفية عن ابرام صفقات أسلحة مع الولايات المتحدة بمليارات الدولارات كما حصل خلال زيارة ولي العهد الأخيرة إلى واشنطن بالرغم من الأزمة الاقتصادية التي تضرب بأطنابها على البلاد. وأقدمت السلطات على ابرام صفقة عسكرية مع تركيا قبل أيام بالرغم من شدة الأزمة الاقتصادية. وأصبح الإنفاق العسكري سياسة مستدامة للعائلة الخليفية المذعورة من شعب البحرين الذي يتطلع إلى الحرية والكرامة، ويرفض الإستبداد الخليفي.

سياسات التجنيس السياسي هي الأخرى أثقلت كاهل الموازنة، وقد اتضح ذلك منذ خلال تقرير البندر الشهير الذي كشف عن مخطط واسع للعائلة لإحداث تغيير ديموغرافي في البحرين . فالتجنيس السياسي الذي تشير بعض التقديرات إلى انه شمل قرابة 100 ألف شخص، أرهق الموازنة، فهؤلاء المجنسون توفر لهم السلطات مساكن وخدمات صحية ومساعدات اقتصادية، وأهل البلد هم احوج إليها منهم. وقد بات التجنيس السياسي بابا من الأبواب المستدامة التي تستنزف الموازنة.

الحلول الخليفية للأزمة

لاتقدم السلطات الخليفية سوى حلولا ترقيعية ومسكنة للأزمة الاقتصادية، وليس في جعبتها تقديم أي حلول مستدامة. وحتى هذه الحلول فهي تمثل بابا من أبواب فساد العائلة الحاكمة.

أول تلك الحلول هي الاعتماد على المساعدات الخليجية، فقد تلقت في العام 2018 حزمة مساعدات بقيمة عشرة مليارات دولار على خمس سنوات من السعودية والكويت والإمارات العربية لمساعدتها على تفادي أزمة ائتمان في صفقة مرتبطة بإصلاح المالية العامة. هذه المساعدات الخليجية الي تهدف لمنع انهيار النظام الحاكم في البحرين، وليس لمساعدة الشعب، لا تعرف أبواب صرفها ولا توجد أي شفافية من السلطات حول موارد الصرف أو المشاريع التي أنجزت بها، ومع الأخذ بعين الإعتبار فساد العائلة الخليفية، فإن احتمالات نهب هذه المساعدات أو صرفها على الإنفاق الأمني والعسكري تتزايد.

وقد فرضت السلطات إجراءات قاسية على المواطنين من بينها رفع الدعم عن بعض السلع وفرض ضريبة القيمة المضافة، وعلى هذا الصعيد اعتبر الخبير الاقتصادي المعارض إبراهيم شريف هذا الإجراء بانه يعني مصادرة ٥٪ من دخل مواطنين فقراء ومتوسطي الدخل، في حين سيُعفى “أصحاب الدخول والأملاك الكبيرة من دفع ضرائب على أرباحهم وممتلكاتهم”.

ولجأت السلطات وكعادتها إلى سوق الاقتراض الخارجي لتسديد الدين بالدين ولسد العجز في الموازنة، وكانت آخر حلقة في مسلسل الدين هي بيع سندات بقيمة مليار دولار لسداد سندات بقيمة 1.25 مليار دولار حان موعد استحقاقها في نهاية مارس الماضي.

لقد احتلت البحرين بفضل هذه السياسة المرتبة الثالثة بين الدول العربية في حجم الدين بالنسبة لإجمالي الناتج المحلي بعد كل من لبنان والسودان، ومع الاستمرار في هذه السياسة المكلفة والتي تعتمد على تسديد الدين بالدين، فإن الفوائد على القروض تتصاعد وإلى المستوى الذي قد تعلن به البحرين إفلاسها أو تعويم عملتها أمام العملات الرئيسة.

حاولت السلطات تسويق الوهم، عبر الإدعاء باكتشافها حقولا للنفط الصخري تحتوي على احتياطات نفطية هائلة ستجذب المستثمرين للبلاد، لكن هذه الادعاءات ظلت سرابا يحسبه الظمآن ماء. ومع زيادة فائض الإنتاج العالمي من النفط والضربة التي وجهها فيروس كورونا للاقتصاد العالمي، فإن أول من دفع ثمن ذلك هي شركات انتاج النفط الصخري الأميركية التي تلقت ضربة قاسية وضعتها على حافة الإنهيار لولا تدخل الإدارة الأميركية.

الحلول الواقعية للأزمة

يعتقد الكثيرون في البحرين أن حل الأزمة الاقتصادية يبدأ من العائلة الخليفية التي تستنزف الموازنة. فإن ثلث واردات البلاد التي تستحوذ عليها العائلة قد تعيد الأوضاع الاقتصادية في البحرين إلى نصابها الصحيح، فثلث واردات البحرين تعادل نحو 2,5 مليار دولار أميركي في حين يبلغ العجز في الموازنة أقل من ملياري دولار. لكن لا يبدو بأن العائلة الخليفية وخاصة رأسها حمد وولي عهده سلمان وعمه خليفة بصدد التنازل عن هذا الثلث الذي يعتبرونه “حقهم المشروع” لأن اجدادهم غزوا البحرين واحتلوها قبل أكثر من قرنين من الزمن.

الإجراء الآخر الذي يساهم في معالجة الأزمة الاقتصادية هو وضع سياسة اقتصادية ناجعة تقلل من الإعتماد على الثروات النفطية وتعتمد على تنويع مصادر الدخل، مع وقف عمليات التجنيس السياسي، وبحرنة سوق العمل، ووقف استنزاف العملة الصعبة التي يحولها العاملون الأجانب، وفرض الضرائب على الأثرياء، واستعادة الدولة الأراضي الشاسعة التي وُزّعت كهبات، وفتح كافة ملفات فساد العائلة الخليفية وأعوانها طوال السنوات الماضية، وإعادتها لخزينة الدولة ومنها المرفأ المالي، ووقف هدر أبناء الحاكم للأموال على ملذاتهم وهواياتهم الرياضية التي لا تسمن ولا تغني من جوع. وهي حلول تصطدم بفساد النظام الحاكم الذي يتضح تضرره من أي إصلاح إقتصادي ينقذ البلد، ويوفر الحياة الكريمة للمواطنين.

من ضمن الحلول المهمة أيضا هو تقليل الإنفاق العسكري والأمني الغير مبرر، فآل خليفة حولوا البحرين إلى ثكنة عسكرية لمختلف القوى الخارجية من أميركية وبريطانية وسعودية وإماراتية وأردنية، والبحرين ليست بحاجة لعقود التسلح التي تستنزف الموازنة. كذلك الإنفاق الأمني، ومن أبرز مظاهره السجون الممتلئة بسجناء الرأي، فهذه السجون تمثل عبئا اقتصاديا على موازنة البلاد من ناحية، و تعطل آلاف القوى الشابة وتحرمها من العمل أو الدراسة من ناحية أخرى، وبالتالي فإنها لاتسهم في دعم الاقتصاد الوطني وهي تنعكس بمزيد من عدم الإستقرار الإقتصادي والأمني في نفس الوقت.

هذه نظرة مبسطة ولمحة سريعة على الأوضاع الإقتصادية التي يبدو أنها ستتدحرج لمحاربة أرزاق الناس بفرض إجراءات من قبيل خفض الرواتب، وإعطاء رب العمل صلاحيات لإنهاء عقود التوظيف أسوة بالسعودية التي قامت بمثل ذلك الإجراء مؤخرا، وفرضت ضرائب إضافية. وإن الأزمة الإقتصادية هي مرآة أخرى تكشف عن حجم الفساد والجشع والإستبداد المتبع في سياسة النظام الحاكم في البحرين، كما يكشف عن حجم الظلم الذي يتعرض له أبناء تلك الجزيرة الوادعة.

أخيرا فإن المواطنين البحرانيين قد يختلفون في تقييم الأمور السياسية، وربما ينجح النظام بقدر ما في تشطير المجتمع على خلفيات مذهبية وسياسية، لكنه بالتأكيد لن يستطيع تمرير حيله وألاعيبه الخبيثة حين يصل الأمر إلى لقمة العيش.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى