تقارير

شاهد عيان على اجتياح الدراز:١٠٠ فدائي دافع عن الشيخ عيسى قاسم داخل منزله حتى غرقوا بدماء الشهادة

 

المنامة – البحرين اليوم

لم يكن اجتياح الدراز “مهمة سهلة” أو عملية “خاطفة” كما يحلو لإعلام آل خليفة أن يُصوِّروا الهجوم الدموي الذي بدأ الثلاثاء الماضي على الدراز ومنزل آية الله الشيخ عيسى قاسم. رغم إقرار السلطات الخليفية بأنه تم تنفيذ بالهجوم بمشاركة كل تشكيلات الأجهزة والقطعات العسكرية، بما في ذلك الطيران المروحي والقوات الخاصة. وبحسب شاهد عيان روى لـ(البحرين اليوم) الساعات الأولى من الهجوم؛ فإن القوات الخليفية المدججة بالسلاح واجهت “مقاومة شديدة” دامت ساعات قبل أن تسيطر على ساحة الفداء، وأصرّ المعتصمون الفدائيون حول منزل الشيخ قاسم على الثبات حتى النهاية، متسلحين بالأكفان وأدوات الدفاع المدني، وبالهتافات التي ظلت تعلو في مكبّرات الصّوت ويلهج فيها الفدائيون باسم الله والنطق بالشهادتين.

شاهد العيان الذي كان أحد المعتصمين، وتعرّض لإصابات بسلاح الشوزن، يفضّل أن يروي فقط ما شاهدته عيناه منذ اللحظات الأولى للهجوم وحتى مساء الثلاثاء، ٢٣ مايو ٢٠٧م، حينما استطاع ومن معه الخروج من منزل مجاور لمنزل الشيخ قاسم إلى جهة آمنة.

Screen Shot 2017-05-24 at 19.33.19

في الساعة الثامنة من صباح الثلاثاء؛ أعلن المعتصمون الاستنفارَ العام والجهوزية للشهادة بعد أن اقتربت القوات الخليفية، المتعددة القطاعات، ودخلت بلدة الدراز. بعد نحو ساعة، وصلت القوات إلى موقع الاعتصام المجاور لمنزل الشيخ. يؤكد شاهد العيان بأن أعداد الفدائيين كانت كبيرة جدا في ذلك الوقت ولم يتزحزح أحد من مكانه. وحين وطأت أقدام المرتزقة وعجلات المدرعات ساحة الاعتصام؛ اندلعت الاشتباكات مباشرةً مع المرابطين، وكان ذلك في جهة أخرى غير تلك التي كان يتواجد فيها راوي الحكاية الذي يضيف بأن “القوات وبسبب الدفاع الفدائي الذي واجهته؛ اتجهت إلى الجهة الأخرى من ساحة الاعتصام، والتي كنتُ موجودا فيها. بدأ الهجوم عبر مدرعتين من الحجم الكبير، واندلعت المواجهات الشديدة، واستعمل فيها الفدائيون كل الوسائل المتاحة في المقاومة والدفاع عن الشيخ، ثابتين في مكانهم في انتظار الموت”.

كان المهاجمون يُطلقون الغازات السامة ورصاص الشوزن في كل اتجاه، “وبكل حقد وجنون”. كانوا يتحركون “ويطلقون دون تحذير أو مراعاة ما إذا كان أمامهم كبيرا أو صغيرا، شابا أو شيخاً عجوزا. لا مجال لأن يتنفّس أحد وسط هذه الهجمات التي حوّلت المكان إلى ساحة حرب حقيقية”. وبسبب ذلك وقعت إصابات مهولة، “وسالت الدماء في الساحة، وسبحت فوق أجساد الشباب”.

مع قرار القوات تنفيذ “هجوم قاتل وبلا حدود”؛ قرّر عدد من الفدائيين التراجع باتجاه منزل الشيخ قاسم وحمايته. “عندما وصلنا إلى المنزل، كانت القوات على مسافة قريبة، من كل الجهات. فرضت حصاراً إرهابياً”. كانت القوات بكلّ أنواعها ووحداتها: مكافحة الشغب، قوات الكوماندوز، وميلشيات مدنية، وكلهم مدججون بسلاح الشوزن والأسلحة النارية الحية.

DAfoj-vXcAEDzPB

في هذه اللحظة، اندلعت اشتباكات جديدة أشد ضراوة. كانت حدّتها لا تُوصف، ودامت أكثر من ٢٠ دقيقة. وبسبب الطلق “الجنوني والقاتل، أُصيب عدد كبير من الشباب الفدائيين. ومن الذين كانوا أمامي وأُصيبوا في هذه اللحظة؛ الشهيد محمد حمدان. كان أول الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن الشيخ قاسم”. وبعد سقوط الشهيد؛ تقدّمت القوات أكثر، وهي لا تتوقف عن إطلاق الغازات ورصاص الشوزن و”اجتثاث كل شيء أمامها والدوس عليه، ومن غير مبالاة ما إذا كان شهيدا أو مصابا. كانوا يتقدمون ويدسون على أجساد الشباب الذين تساقطوا على الأرض”.

مع هذا التقدّم الدمويّ؛ قررت مجموعة من الفدائيين الدخول إلى بيت الشيخ قاسم. “كانوا قرابة ١٠٠ من الفدائيين الذين ارتدوا الأكفان. كان قرارهم الدفاعَ عن الشيخ ومنع التعرُّض له والمساس به، وحتى آخر الأنفاس”.

يقول شاهد العيان “كنتُ في مجموعة أخرى. بسبب الإصابة التي تعرّضتُ لها برصاص الشوزن، تحرّكت باتجاه ثغر قرب منزل الشيخ قاسم، وقفزت منه. احتميت هناك بمبنى صغير. تراجعت قليلا، ثم استطعت التحرُّك سريعاً ودخلتُ بيتاً محاذيا لمنزل الشيخ قاسم. كانت القوات المدججة بالسلاح خلفي، ودويّ رصاص الشوزن يُسمع من حولي، ومن كلّ الجهات”.

يضيف “دخلت البيت. كان هناك عدد آخر من الأشخاص. أحد الشّبان قرّر الخروج والانضمام إلى الفدائيين. ولكنه عاد بعد قليل والدّماء تغطّي كلّ جسده بعد أن أُصيب بطلقات من رصاص الشوزن”.

في داخل البيت، كان المتواجدون بين مُصاب بالشوزن، وبين مختنق بالغازات التي حاصرت الأرجاء، كما كان هناك بعض كبار السن. عددهم يقرب من ٢٥ شخصاً. “كان الجميع عاجزا عن مواصلة الثبات في ساحة الفداء والانضمام إلى المدافعين عن الشيخ. البعض كان يُعالَج من إصابات خطيرة. جلسنا داخل البيت من غير أن ندرى ما الذي سيحدث لنا، وماذا ينتظرنا”.

myqYCQYP

أصوات الاعتداء بالضرب كانت تصل إلى داخل البيت، “كما كانت أصوات إطلاق الشوزن والرصاص في كل مكان. تواصل الطلق بشكل عنيف وجنوني قرابة نصف الساعة. كنّا نريد أن نعرف ما الذي يجري في الخارج، وماذا حلّ في محيط منزل الشيخ. وجدنا ثغرة في الطابق الثالث من البيت الذي كنّا فيه. من خلال هذه الثغرة (الفتحة) تابعنا ما يجري. كان القوات تُطلق من كل الأسلحة التي بيدها، وبلا توقف. أغلب منْ في الساحة أُصيبوا أو أُعتقلوا أو اضطروا للجوء إلى المنازل”.

بعد قليل سُمِع صوت الجرافات. جاءت إلى الساحة ودمّرت كلّ شيء في ساحة الفداء. استغرق التدمير ساعة كاملة. “بين الفينة والأخرى كنّا نسمع صوت إطلاق سلاح الشوزن، ونشاهد عددا من الشبان الذين يظهرون من بعض الزوايا البعيدة عن الساحة وهم يواجهون القوات. بعدها، جاء رتل من المدرعات والمركبات العسكرية وتمركز عند بيت الشيخ وساحة الاعتصام. ثم وصلت سيارة إسعاف، وجيء بالشهداء وبالحالات الخطيرة التي لم نتعرّف عليها بوضوح. ظلّ الإسعاف واقفاً فترة طويلة، وبعد وقت قصير جاء باصان (كوستر ٢٥ راكبا) وعليهما قفص حديدي محاط بالنوافذ. وجاؤوا بأول دفعة كبيرة من المعتقلين. كان هناك أحد المدنيين واقفا عند باب الباص، وكان يعتدي بالضرب والشتائم على كلّ المعتقلين وهم يُقادون إلى داخل الباص. وبعد أن امتلأ الباصان تحرّكا من المكان”.

المناوشات والاشتباكات لم تتوقف في الزوايا البعيدة من الساحة. واصل الشّبان وبعض النساء من هناك الهتاف باسم الشيخ قاسم، واشتبكوا بوسائل مختلفة مع القوات المعتدية. “بعدها، تمت مداهمة المنازل المحيطة بمنزل الشيخ، وتم إخراج الشّبان المتواجدين فيها عنوةً، وبشكل هجمي. تمّ إرغامهم على الانبطاح على وجوههم في الساحة، وبدأ الاعتداء عليهم ضرباً بقسوة لا تُوصف. كنا نتابع ما يجري وقلوبنا تتقطع، حيث لم يكن بيدنا حيلة لفعل شيء. كان التعذيب يتواصل إلى أن يعود الباص من جديد لنقل دفعة أخرى من المعتقلين. المجموعة الثانية من المعتقلين تم نقلها إلى داخل أحد مجالس المنازل، بانتظار أن يأتي باص لنقلها إلى أماكن الاحتجاز. كان المجلس عبارة عن وكر أو غرفة لممارسة التعذيب، وبكل أنواعه التي يمكن للمرء أن يتخيلها. وبعدها؛ نقلوا المجموعة إلى الساحة، وهناك مورست ضدهم أيضا أشكال جنونية من الضرب والتعذيب، وإلى أن جاء الباص. استمرت هذه الحال قرابة الساعتين، مع قرب أذان الظهر..”.

الشهيد حمدان

لم يكن ممكنا أداء الصلاة. الدماء تتوزّع على الأجساد، والعزلة في المكان تمنع الحصول على الماء للطهارة. البعض تيمّم وأقام الصلاة. “بعد الصلاة، فرضت القوات السيطرة على الساحة بالكامل، ليتم التفرُّغ بعدها لمنزل الشيخ، حيث كان فيه ١٠٠ من الفدائيين. كانت مكبّرات الصّوت تدوّي عند المنزل. سرعان ما اندلعت اشتباكات بالأيدي في بيت الشيخ. مكبرات الصوت ترتفع بصوت أحد الفدائيين من داخل المنزل، وكان يهتف: (باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله). وانقطع الصوت فجأة. سمعنا صراخاً شديداً متبادلاً بين القوات والفدائيين. اشتباكات مباشرة بين الطرفين استمرت لفترة طويلة، قرابة الساعة والنصف. لم يكن اقتحام منزل الشيخ سهلاً أبداً، وطال الأمر. لم يكن الفدائيون يحملون إلا الأكفان وأدوات الدفاع عن النفس، وكانت القوات مدججة بكل أنواع الأسلحة القاتلة. ساعة ونصف إلى أن تمت السيطرة على المكان. عند الساعة الواحدة والنصف؛ كان الشّباب في حال مهولة. كانوا يغرقون بالدماء. تعرضوا للتعذيب والإصابات داخل المنزل، وهو ما لم نره بالعين، ولكن حين أُخرجِوا من المنزل لركوب الباصات؛ مرّوا علينا. كانوا بلا أنفاس. نقلوا المصابين من الداخل إلى الإسعاف، وقد استُشهد بعضهم في داخل منزل الشيخ بعد قرار الدفاع حتى الشهادة”.

المصابون لم يسلموا من التعذيب. نُقل بعضهم إلى الباصات وهم يُضرَبون. “جلسنا في مكاننا لا نعرف ما سيحدث، وكنا نتوقع الاعتقال في أيّ لحظة. هدأ الوضع قليلاً في الساحة. نمتُ من غير إرادة بعض الوقت. استيقظت على أصوات التعذيب. كان هناك ٣٠ شابا يواجهون الجدار وخلفهم القوات، وأجبروهم على الهتاف بشعارات موالية. كانوا يضربون بعنف شديد كلّ منْ يرفض أن يرفع صوته بالهتاف. كان وضعنا النفسي متعباً ونحن نشاهد كل هذا العذاب القاسي”.

تمت السيطرة على الساحة بقوة السلاح والمدرعات والقتل والتعذيب. بين هدوء ومناوشات؛ استمر الوضع حتى المساء. “في حدود الساعة التاسعة ليلاً؛ قيل بأن المدرعة التي كانت تتمركز عند باب المنزل الذي كنتُ فيه؛ تحركت من مكانها. بطريقة معينة، تأكدنا بأنها تحركت بالفعل. كان علينا المخاطرة والخروج من داخل المنزل قبل أن تتم مداهمته. توكلنا على الله، وتوجهنا إلى باب المنزل، وخرجنا بسرعة، حيث جريتُ بشكل خاطف، إلى أن وصلت إلى مكان آمن”.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى