ساهر عريبيغير مصنفمقالات

حوار الطرشان في كامب ديفيد: لا اتفاقات دفاعية.. ولا إصلاحات!

ساهر عريبي - إعلامي -  لندن
ساهر عريبي – إعلامي – لندن

البحرين اليوم – (خاص)

 

يعقد قادة دول مجلس التعاون الخليجي اجتماع قمة مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما يومي الأربعاء والخميس (13 و14 مايو) في منتجع كامب ديفيد الشهير، وذلك تلبية لدعوة وجّهها أوباما لقادة مجلس التعاون في الثاني من شهر أبريل الماضي، لمناقشة “كيفية زيادة تعزيز التعاون الأمني، مع حلّ الصراعات المتعددة التي سبّبت الكثير من الاضطرابات وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط”، وذلك بحسب تعبير الرئيس أوباما.

وجاءت الدعوة الأميريكية مباشرةً بعد توصّل مجموعة 5+1 إلى اتفاق إطاري مع إيران حول برنامجها النووي.

وتعبّر هذه الدعوة عن محاولة أمريكية لطمأنة دول مجلس التعاون إلى أن الإتفاق مع إيران لا يعني تخلي أمريكا عنها، وإخلالها بالتزامها الأمني تجاهها، كما عبّر عن ذلك الرئيس أوباما خلال مكالمة هاتفية أجراها مع ملك السعودية، سلمان، عقب إعلانه الدعوة لقمة كامب ديفيد.

غير أنه لايبدو أن تلك الرسائل بعثت الطمأنينة في نفوس قادة دول الخليج. فهم يريدون من أمريكا أكثر من مجرد كلمات. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى؛ فإن تصريحات أوباما اللاحقة، وخاصة في لقائه الإعلامي مع توماس فريدمان، الصحافي في نيويورك تايمز، والتي اعتبر فيها أوباما أن المشاكل الداخلية لدول الخليج هي التي تُهدِّد استقرارها، وليس المخاطر الخارجية؛ (هذه التصريحات) أثارت عاصفة من القلق لدى حكّام الخليج، حيث فسّرتها بعض دول الخليج بأنها تعكس عن توجّه لتخلّي أمريكا عنها، وأنّ المنطقة مقبلةٌ على عهدٍ جديد سمّته “التفاهم بين أمريكا وإيران” حول العديد من ملفات المنطقة.

هذا ما يُفسّر عدم حضور الملك السعودي لاجتماع القمة، وإرسال ولي العهد وولي ولي العهد بدلاً عنه. وقد اقتفى أثره في ذلك، ملك البحرين، الذي أرسل هو الآخر ولي عهده لينوب عنه في الاجتماعات، فيما سيتغيب عنها سلطان عُمان ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة لدواع صحيّة.

ومن هنا، يتساءل مراقبون عن جدوى عقد مثل هذه القمة التي لا تُعوِّل عليها دول الخليج، والتي لم تعد تثق بالإدارة الأمريكية الحالية، وعلى خلفية مواقف رآها الخليجيّون غير منسجمة مع توجّهاتهم، من قبيل رفض الأميريكيين توجيه ضربات جويّة ضدّ قوات الرئيس السوري بشّار في العام 2013، فضلاً عن مضي واشنطن في موضوع إبرام اتفاق مع إيران.

دول الخليج لا تريد من أمريكا مجرد أقوال بالدفاع عن أمنها، بل هي تسعى إلى توقيع اتفاقيات دفاعية تُوجب عليها الدفاع عن تلك الدول في حال تعرّضها لاعتداءٍ ما.

بمعنى آخر، فإنه المطلوب أن تتحوّل دول الخليج إلى “محميات أمريكية”. وفي ذات الوقت، تسعى هذه الدول للحصول على أسلحةٍ متطورة من الولايات المتحدة الأمريكية.

لا يبدو أن الإدارة الأمريكية متحمّسة لتوقيع اتفاقيات دفاعية مع دول الخليج، ولا لتزويدها بأسلحةٍ متطورة، لاسيما مع الحاجة إلى إقرار الكونغرس، والذي يُعارض أيّ تفوّق عربيّ على إسرائيل، رغم علمه “علمَ اليقين”، بأنّ دول الخليج لن تستعمل تلك الأسلحة ضدّ إسرائيل، حيث إنها لم تشارك – طوال تاريخها – في أيّ من الحروب التي خاضها العرب ضدّ الدولة العبريّة. وعلى العكس من ذلك، استعملت تل أبيب دولَ الخليج في الحروب ضدّ الدّول العربيّة والإسلاميّة، كما هو الحال في الحرب التي تشنّها السعوديّة على اليمن، فضلاً عن أنّ إستراتيجيّة الدّول الخليجيّة قائمةٌ على توطيد العلاقات مع إسرائيل، وتعزيز التّعاون الأمني معها لمواجهة ما تسمّيه ب”الخطر الإيراني”.

الأمر الآخر، هو أنّ عدم ثقة الأميريكيين ب”مدى ديمومة” أنظمة الحكم الخليجيّة؛ هو الذي يمنع واشنطن من تزويدها بأسلحةٍ متطوّرة، خشيةً من حصول أيّ تغييرٍ في تلك الدّول، وعلى نحوٍ يؤدي إلى وقوع تلك الأسلحة في أيد غير حليفة للولايات المتحدة.

معظم دول الخليج لديها مشاكل داخليّة مستعصية، وفي طليعتها البحرين والسعودية، فيما دخلت دولة الإمارات على الخط أيضاً.

أما دولة قطر فهي لا تزال تعيش هاجس الانقلابات، فضلا عن حالة العداء التي تواجهها من قبل العديد من دول الخليج، وبينها دول خليجيّة، على خلفية ملفات شتّى.

وبشأن الاتفاقات الدّفاعيّة، فإنّ الإدارة الأميريكيّة تعتقد أن مخاطر خارجيةً جديّة لا تواجه دول الخليج، وتستدعي إبرام اتفاقيات دفاعية معها.

وقد عبّر أوباما عن ذلك بشكل واضح خلال حديثه مع فريدمان. إلا أنّ دول الخليج تصرّ على أنّ أكبر خطر يُهدِّدها هو إيران، مع العلم أن الأخيرة لم تشنّ هجوماً عسكريّاً على أيٍّ منها، ومنذ انتصار الثورة الإيرانيّة في العام 1979م. وما حصل كان هو العكس، حيث موّل دول الخليج الحربَ التي شنّها نظام صدّام حسين ضدّ إيران.

أما عن التدخلات الإيرانية في شؤون عدد من دول المنطقة، مثل العراق وسوريا واليمن، فإنها تأتي بالتّوازي مع تدخّلات من بعض دول الخليج في شؤون تلك الدول، وخاصة من قبل السعودية. ولذلك، لا تبدو أن “الشماعة الإيرانية” تدفع الإدارة الأمريكية للاقتناع بجدوى إبرام اتفاقات دفاعية مع دول الخليج. فهذه الشماعة توظّفها معظم دول الخليج هرباً من الإستحقاقات الداخلية، حيث إنّ منظمات المجتمع المدني محظورة في تلك البلدان، أو تتعرض لمضايقات وتقييد لعملها. وأما الناشطون الحقوقيون؛ فهم عرضة للاعتقال. وخير مثال على ذلك؛ الناشط السعودي وليد أبو الخير، والحقوقي البحراني نبيل رجب وغيرهم. كما أن انعدام الحريات الأساسية في بلدان الخليج، وخاصة حرية التعبير والتظاهر والتجمع السلمي، فضلا عن سياسات القمع والتمييز في بعضها؛ تضع هذه الدول على حافة عدم الإستقرار. وهو ما يُفسر الدعوات التي أطلقها أعضاء في الكونغرس الأميركي دعوا فيها إلى إيجاد بدائل للبحرين، لاستضافة مقر الأسطول الخامس الأمريكي، تعبيراً منهم عن الخوف من تفاقم الأوضاع في المنامة مستقبلا.

إن الإتفاقيات الدفاعية لن تتمكن من الدفاع عن أنظمة الخليج، لأن على أمريكا مواجهة شعوب المنطقة التي تطمح نحو الحرية والديمقراطية.

واتفاقيات دفاعيّة كهذه في الخليج، ستُفضي إلى تحويل أمريكا إلى حارس لمثل هذه الأنظمة، ما يُفقد واشنطن مصداقيتها بوصفها زعيمةً للعالم الحر. وهنا يمكن استيعاب دعوة أوباما لهذه الدول لإطلاق الحريات وتحقيق إصلاحات، وهي الدعوات التي تواجهها تلك الدول بآذان صماء، لأن قادتها يرفضون التغيير والإصلاح، ويصرون على اتباع ذات النهج الذي ساروا عليه منذ عقود من الزمن، غير عابئين بالتغييرات التي طرأت على العالم، وعلى المنطقة بوجه خاص.

وقد أثبتت التجربة السعودية على أن هذه الأنظمة غير قابلة للتغيير.

لقد كان هناك “تعويل” على الجيل الجديد من الشباب الذي يتولّون قيادة البلاد بعد الجيل الأول لتحقيق إصلاحات، إلا أن تجربة المحمدين (محمد بن نايف، ومحمد بن سلمان) أثبتت أن الجيل الجديد أشد قسوة وسوءا من الذي سبقه. ابن نايف معروفٌ بقبضته الأمنيّة الشديدة، وبقمعه للمعارضين والناشطين. وبالتوزاي، ظهرت قسوة محمد بن سلمان عبر الحرب التي تشنّها الرياضُ على اليمن، والتي تسببت بسقوط آلاف الضحايا، من نساء واطفال، وألحقت دمارا بواحدة من أفقر دول العالم.

هناك تباعد في الرؤية بين الطرفين الأمريكي والخليجي، وهما يختلفان في النظر إلى العوامل التي تُهدّد ستقرار المنطقة. ومع هذا التباعد في وجهات النظر؛ فإن قمة كامب ديفيد ستتحول إلى “حوار طرشان”؛ لن يثمر عن اتفاقاتٍ دفاعية، ولا عن إصلاحات في دول الخليج!

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى