سجن جوالمنامةحكايات الضحايا

حسين علي موسى المحكوم بالإعدام: صامدون.. والمعنويات إلى السّماء

Capture44

البحرين اليوم – (خاص)

 

الاسم: حسين علي موسى.
يعرفه الجميعُ بالمرح والدّعابة. صفةٌ تحفظها جدران بلدة الدّير وطرقاتها. حسين (٢٨ عاماً) مرحه في الحياةِ وبالحياةِ لم يمنعه من أن يكون مليئاً بالطّموح. طموحٌ انفتحَ على النّضال الذي يريد به حسين أن يكون رفيقاً له، رفقة البهجة التي ترتسم على ملامحه، ويلمسها كلّ ما يعرفه، أو يلاقيه، وللوهلةِ الأولى.
هذه الصّفات لم تكن تسرّ الخليفيين، فكان حسين واحداً من الشّبان الذين امتحنهم الله، فكان عضواً في الجمْع العظيم الذي يُطلق عليه البحرانيّون اسم “رجال الله”.هؤلاء الرّجال الذين لا يغادرون الميادين، ويفترشون حبّ الدّفاع عن المواطنين والإمساك بأهدافِ ثورتهم، وبالقبضاتِ التي تفوحُ منها حرارةُ الجمر.
أُستهدِف حسين منذ بداية الثورة. أُعتقل في ٢١ فبراير ٢٠١٤م. قبل ذلك، كان مطارداً، ومنذ قرابة العام من تاريخ الاعتقال الأخير. قبل ذلك، اُعتقل مرتين، وتعرّض للتعذيب الشديد على أيدي الجلادين. كان خرائط التعذيب ممزوجة في جسده، حيث كان آثار الفظاعة الخليفية محفورة في جسده، وأضحى شاهداً يرافقه، ولا تزول.
وهذه بعض محطّات الشّاب الذي لم يصبر عليه الخليفيّون فأصدروا عليه حكماً بالإعدام.
B7OUyW7CAAAIlom
– بداية الاستهداف والاعتقال الأول:
في ١٨ ديسمبر ٢٠١١م، كان حسين في بيت جدّه، مجتمعاً مع أصدقائه. فوجئوا بالقوات الخليفية وهي تحاصر البيت، واقتحمته، واعتقلت الجميع. لم يكن ثمّة سبب واضح، باستثناء الرّغبة الخليفية في نشْر الجرائم على بيوت الأهالي. نُقِلوا جميعاً إلى مركز الحدّ – سيء الصّيت – حيث تسلّم الجلاّدون: عيسى السليطي، يوسف الملا، ونواف بن جيران؛ مهمّةَ التعذيب والاستهزاء. حسين نال قسطاً وافراً من العذاب، ما أدّى إلى تعرّضه للكسر في إحدى رجليه.
أُتّهموا بالمشاركة في “مسيرة غير مرخّصة”، و”الاعتداء على الشرطة”. لم يكن الخليفيون معنيين بإثبات هذه التّهم، حيث خلت البلدة ليلة اعتقالهم من أيّ مظهر من مظاهر الاحتجاج والتظاهرات. نُقلوا إلى سجن الحوض الجاف. وحُكم عليهم بالسجن ٦ أشهر، ليُنقلوا بعدها إلى سجن جو. وبعد إتمام مدّة الحكم، أُفرج عنهم في ١٦ يونيو ٢٠١٢م.
– استمرار الاستهداف.. والاعتقال الثّاني
بعد الإفراج عنه، لوحق حسين بالاستدعاء المتكرّر. القوات الخليفية العاملة في مركز سماهيج كانوا يعرفون جيداً المكان العام الذي يجلس فيه حسين وبقية الشّباب. تقصّدوه دائماً، واعتادوا على اقتحام “الجلسة الشبابية”، ليُمارسوا بعضاً من هوايتهم في السخرية من حسين، وأمام رفاقه. كانوا يفرشون بطشهم المخادع، ويباشرون في التحقيق معه ومن معه في كلّ مرة يقتحمون فيها المكان الذي كان يبسط فيه حسين وأصدقاؤه للسّمر وقضاء الوقت. كان اجتماعهم يمثّل استفزاز للقواتِ التي لا يسرّها أن ترى البهجة مجتمعةً في وجوه الشّباب، فعمدت إلى إزالتها بحجّة أنها “غير مرخصة من البلدية”.
بعد الذّكرى الثانية لانطلاق ثورة ١٤ فبراير، وتحديدا في ٢٨ فبراير ٢٠١٣م، وزّع الخليفيّون إحضاريّات عديدة لاستدعاء الشّباب ومثولهم في مركز سماهيج. وكان بينهم حسين.
حُقّق مع حسين حول المناطيد التي أُطلقت في سماء البلدات المحيطة بمطار البحرين الدولي ضمن فعالية العصيان المدني، ووجّهت ضده تهم بالمسؤولية عنها. حسين نفى ذلك جملةً وتفصيلاً، إلا أن ذلك لم ينفع، وأبقيَ قيد الاحتجاز، حيث عُرض على النيابة العامة الخليفية التي أمرت بتوقيفه أسبوعاً على ذمة التحقيق. وقضى حسين في الحوض الجاف شهراً من تجديد التوقيفات، إلى أن أُفرج عنه في ٢٨ مارس ٢٠١٣م.
Capture00
– المطاردة.. ومحنة التشريد
لم يُترك حسين لحاله. المخابرات الخليفية (التابعة للتحقيقات الجنائية) وضعت اسمه مقروناً بكلّ ما يتعلق بفعالية “مناطيد الكرامة” التي أطلقتها البلدات المحيطة بالمطار، على فترات متقاربة، والتي تسبّبت في إحداث شلل في حركة المطار وإجبار حركة الملاحة الجوية على التوقف.
بعد أقل من شهر من الإفراج عنه، تمّ استهداف حسين من جديد، وهذه المرّة من جانب مخابرات التحقيقات الجنائية.
في منتصف أبريل ٢٠١٣م، داهمت القوات الخليفية، بصحبة المليشيات المدنية المدججة بالسّلاح، منزل حسين. لم يكن وقتها في المنزل. كانت تلك بداية رحلة المطاردة التي استمرّت قرابة العام، وإلى حين اعتقاله الأخير.
في هذه الرّحلة، مارس الخليفيون كلّ ألوان الانتقام والعقاب، ليس ضدّ حسين فقط، بل كلّ ما له صلة به وفيه.
– استهداف العائلة.. الأقارب.. والأصدقاء
أصبح بيت جدّ حسين على موسى مستباحاً من قوات النّظام الخليفي. كان الاستهداف مفتوحاً على عائلته، وأقاربه، وكلّ منْ يُعرف من أصدقائه.
بيت الجدّ كان مقصداً كلّما اقتحمت القوات البلدة. كانوا يُمطرونه بالغازات السامة، ويداهمونه كلّ مرة، ويعيثون فيه الفساد والتخريب. ولكثرة الاستهداف، اضطر أهل حسين للخروج من المنزل ومغادرته. إلا أنّ القوات فتحت انتقامها ليشمل كلّ منازل أصدقائه وأقاربه، حتّى أصبح حسين بلا مأوى، ولا مكان يلجأ إليه.
unnamed
– اختطاف شقيقه وتعذيبه
بدأت القوّات الخليفية تُمدّد انتقامها ضدّ حسين، وفي بداية شهر مايو ٢٠١٣م، وجّهت الميليشيّات المدنية المسلحة يدها إلى شقيقه الأصغر، وقامت باختطافه، حيث نقِل إلى إحدى الساحات في بلدة عراد، ليتنابوا عليه بالضرب الوحشي، وسحل جسده، حتّى ضُرّج بدمائه.
كان المطلوب منه أن يكشف عن مكان شقيقه، الذي لا يعلم عن مكانه أصلاً. وحين يئسوا من الحصول على نتيجة، نقلوه إلى مركز سماهيج، ليتم الإفراج عنه لاحقاً.
مداهمة حيّ كامل
في منتصف شهر مايو ٢٠١٣م، رصدت أجهزة المخابرات الخليفية تحركات أحد أصدقاء حسين، وذلك بعد التجسس على محادثات جرت بينهما. استطاعت المخابرات تحديد المكان الذي كان يجلس فيه حسين، فجرى التحضير يومها لمحاصرة الحي الذي كان يقع فيه المكان الذي ينزل فيه. جرى حصار الحيّ بالكامل، وانتهكت كلّ المنازل فيه بغرض الوصول إلى حسين واعتقاله. لحسن الحظ، استطاع حسين الإفلات من أيديهم، وفشلت المهمة.
unnamed (1)
الكمين الغادر.. والاعتقال المدمّى
وقع تفجير في الدير يوم ١٤ فبراير ٢٠١٤م، وأسفر عن مقتل مرتزق مجنّس من أصل بلوشي. الحادثة فجّرت غضب القوات الخليفية، وزادَ الخناق على المطاردين من أبناء البلدة، حيث تم تكثيف العمل الاستخباري، ما أدّى في نهاية المطاف إلى اعتقال حسين على أيدي جهاز “الأمن الوطني” إثر كمين مخابراتي غادر، وذلك فجر الجمعة ٢١ فبراير ٢٠١٤م، حيث اختطف من أحد المنازل في بلدة سماهيج، ومعه كلّ من: محمد أحمد عبةالله، محمد يوسف حسن، وعيسى عبد الله أحمد.
بحسب شهود العيان، فقد تمت عملية الاختطاف في تمام الساعة الثالثة وخمس وعشرين فجرا، حيث حاصرت القوات الخليفية الحيّ الذي يقع فيه المنزل من كلّ الجهات بثلاثة باصات (ذات 16 راكب)، تواكبها مليشيات مدنيّة مدجّجة بالأسلحة النارية، و4 سيارات تابعة للمخابرات الخليفية، وسيارتان لاند كورزر تابعتين لجهاز الأمن الوطني، إضافة إلى سبع مركات لقوات المرتزقة.
ومُنع الأهالي من الاقتراب أو المرور على الحيّ المُحاصر، فيما أكدت الشهود بأن المليشيات الخليفيّة كانوا يتقصّدون حسين بالضرب العنيف، وخاصة على رأسه، حيث أُرغم على الصعود بأحد الباصات ودمه يسيل من رأسه.

“الطبالة” يشنون حملة تشهير 

منذ اللحظات الأولى لاختطاف حسين، بدأ “طبالة” الخليفيين والتابعين لهم بإظهار الفرح على خبر اعتقاله، ونظّموا حملة تشهير بالاستفادة من الحسابات الخليفيّة التابعة للمخابرات، حيث نُشر اسمه ورقمه الشخصي وبعض المعلومات الخاصة به، كما بدأت حفلات الشتم والسب ووصفه بأشنع الأوصاف علناً.

وكان لافتاً أن “حفلات” أتباع النظام أعلنت “إلقاء القبض على منفّذ تفجير الدير”، وقبل أن يبدأ التحقيق مع حسين، وقبل أن تُعلن وزارة الداخلية الخليفية أيّ شيء بشأن القضية أو المتهمين فيها.

تعذيب وحشي.. والكهرباء سيد الموقف!

واجه حسين تعذيباً يختصرُ كلّ المعاناة التي تسود غرف التحقيق وأقبية السجون الخليفية.

فور وصوله إلى مبنى التحقيقات الجنائية في العدلية، المعروف ب”وكر التعذيب”، وقبل البدء في التحقيق معه، باشرَ الجلادون في تعرية حسين من ملابسه، وعمدوا إلى التحرّش به جنسياً، مصحوباً ذلك بالضرب، والشتائم التي لا تعرف حدودا ولا حرمات. نُقل بعدها إلى “غرف الموت السوداء”، وانكبّ عليه 13 من أفراد جهاز الأمن الخليفيّ، الذين راحوا يمارسون التعذيب ضده، وبكلّ الوسائل التي تبتكر البشاعة.

كان المطلوب من حسين أن يوقّع على أوراق تتضمن اعترافاتٍ باطلة تم تدوينها مسبقاً، وتتهمه بوضع قنبلة محليّة الصنع وتفجيرها بغرض قتل أحد مرتزقة النظام الخليفي.

رفضَ حسين، في أوّل الأمر، التوقيع. الردّ كان مزيداً من جرعات التعذيب. جرعات كان الكهرباء الوسيلة اللازمة التي يُصعق بها في الأماكن الحساسة من الجسم، مع التركيز على اللسان.

التعذيب انتشر في كلّ زوايا جسد حسين، حيث خارت قواه، واضطر للتوقيع على تلك الأوراق، لكي يتخلص من الجحيم الجاثم فوقه.

جُهَز حسين لتحويله إلى النيابة الخليفية، حيث جرى تلقينه بالاعترافات التي أُجبر على قولها أمام وكيل النيابة، تحت تهديد إرجاعه إلى التعذيب بالكهرباء في حال الإنكار. لهذا السبب، اضطر حسين لتقديم الاعترافات التي أُنتزعت منه تحت التعذيب، ولكي لا يعود إليه.

وكيل النيابة كان متواطئاً بدوره، حيث أكره حسيناً على أن يذهب به إلى مكان وقوع التفجير في الدير، وأن يمثّل كيفية وقوع التفجير. وقد تمّ ذلك بعد منتصف الليل، حيث أحاطت القوات الخليفية مكان التفجير بالمدرعات والمركبات العسكرية، مع توجيه المصابيح القوية (الكشّافات) نحو المنازل المحيطة بالمكان، لمنع الأهالي من التصوير.

قائمة التعذيب.. بشهادة حسين

حين سُئلَ حسين على تعذيبه، وما جرى له، قال – بحرقةٍ – “جعلوني أتمنّى الموت، ولم يُعطوني إيّاه”.

على مدار أربعة أيّام من الاحتجاز في التحقيقات الجنائية، تعرّض حسين لأساليب من التعذيب الجسدي والنفسي والجنسي.

ومن ذلك:

1- الصعق بالكهرباء مع التركيز على اللسان.

2.التعرية من الملابس.

3.سحب العضو الذكري.

4.الضرب على الجهاز التناسلي باستمرار، وبشكل خاص ومتعمد، مع التركيز على الخصيتين.

5.الضرب بالقضبان الحديدية والأسلاك بصورة عشوائية.

6.إجباره على الوقوف طوال الوقت.

7.وضع الأفكري من خلف الظهر طوال الوقت والضغط عليه.

8.الإحتجاز في غرفة شديدة البرودة.

9.الحرمان من النوم.

10.سب وشتم المذهب الشيعي ورموزه الدينية، وبالخصوص آية الله الشيخ عيسى قاسم.

11.سب وشتم أهله وعائلته والتهديد باستهدافهم.

12.تصميد العينين لأوقات طويلة.

13.تعليقه في الهواء من يد واحدة.

14.طريقة الفيلقة وضربه على رجليه.

B6nEF1rCYAE_Sgd

الحكم: الإعدام جاهزاً

28 ديسمبر 2014 صدرَ حكم الإعدام، بحقّ حسين، وزميله محمد رمضان.

كان الموقف واضحاً: الصبر، والصمود، والتعلق مزيداً بالله تعالى.

الموقفُ زاد صموداً، وصعوداً نحو الله، حينما قضت المحكمة الخليفية بتأييد حكم الإعدام في 26 مايو 2015.

اتصلَ حسين بأهله في 4 يونيو 2015م، وبلّغ الجميع سلامه وتحيّاته. كان شاهداً وضحية لمعاناة السجون المستمرة، وأفاد بأنّ الزنازن مغلقة على السجناء 24 ساعة، ويُحرمون من كلّ حقوقهم وأبسطها. وقال بأنه جارٍ العمل على تهيئة مكان جديد لهم، لكي يتم إيداعهم جميعاً في السجن الإنفرادي.

حسين، كما هو حاله دائماً، أكّد صموده، وظهر في الاتصال بمعنويات عالية، وأوضح لأهله بأنّه غير مكترث بما سيفعله الخليفيون، ومعلقاً أمله بالله تعالى.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى