العالمالمنامة

مايكل روبين ونموذج “العقل الأمريكي”: مطالب الشّعب البحراني محقّة، ولكن!

img-michaelrubin300x225_110551177999.jpg_item_hero_bw

البحرين اليوم – (خاص)

يذهب الباحث الأمريكي مايكل روبين إلى أنّ السلطات (الخليفيّة) تزعم بأنّ قادة المعارضة في البحرين يخضعون لنفوذ إيران، إلا أنّ روبين يؤكّد أنّ هناك مظالم حقيقيّة لدى الشّيعة. ويعبّر روبين في مقال له في المركيز الأمريكي American Enterprise Institute عن الرّؤية الملتبسة التي تتحدّث عن تقاطع “طبيعي” بين إيران والحركة المطلبيّة لشيعة البحرين، مشيراً إلى أن “الاضطراب الطائفي” سوف يستمر إلى أنّ “ينعم الشّيعة بالمساواة في ظلّ القانون”، إلا أنّه في الوقت نفسه يتحدّث عن اندفاع “المتطرفين المعارضين” إلى خياراتٍ جذريّة تتعلّق بإطاحة النّظام الخليفي و”طرد الأمريكيين من البلاد”.

يستند روبين على حقيقة أنّ الشّيعة في البحرين هم أغلبيّة السّكان، إلا أنّ الأقليّة (الخليفيّة) تحتكر الحكم، وفي الوقت نفسه يستذكر التّاريخ الذي يؤكّد رفض شيعة البحرين لما أسماه ب”إخفاء الولاء المزدوج”، وذلك بالإشارة إلى العام 1970 حين كانت بريطانيا تُنهي وجودها الاحتلالي في البلاد، وكان شاه إيران آنذاك يُطالب بضمّ البحرين إلى بلاده، حيث كانت إيران تسيطر عليها حتّى القرن السادس عشر. إلا أن البحرانيين اختاروا الاستقلال في عام 1971 ضمن استفتاء أممي.
يُعيد الكاتب الأمريكي إنتاج الرّواية “النمطية” بشأن تدخّلات إيران التالية، وتصدير الثّورة، ذاهباً إلى أن استناد النّظام (الخليفي) على ذلك بلجوئه إلى القمع وتعطيل الحياة البرلمانية. وهي رؤية تحليليّة مزدوجة اعتاد عليها العقل الأمريكي في مقاربته للشأن البحراني، بغرض تبرير استمرار الدعم الأمريكي للنظام الاستبدادي لآل خليفة، برغم الوقائع المستمرة الدّالة على جرائمه وتمسّك البحرانيين بوطنيتهم.

في جانبٍ آخر، يسلّط روبين الضوء على أن البحرين لا تملك إحصاءاً سكانيا يضمن المساواة بين المواطنين، وهناك تقسيم إداري محلّي يُعزّز “الهيمنة السنية” بحسب تعبيره، قائلاً بأنّ هذا الوضع كان تمهيداً لثورة 14 فبراير. ويسترجع روبين مسار انطلاق الثورة، والمطالب التي رفعها الثّوار، والسلوك القمعي في التّعامل معهم، وهو ما أدّى – بحسب روبين – إلى اهتزاز “الاستقرار” وأدّى إلى التدخل العسكري والشرطي من قبل قوّات مجلس التعاون الخليجي، وأغلبها من السعودية، كما يقول.

يعود ويُكرّر روبين – وكعادة الباحثين الأمريكيين الذين يعملون وفق المنظور الأمريكي الأمبريالي – بأنّ أحقيّة مظلومية المواطنين في البحرين، لا ينبغي أن تستبعد مسألة التدخّل الإيراني، “حتى لو توصّل المسؤولون الغربيون ولجنة تقصي الحقائق.. إلى أن الانتفاضة البحرينية لا تحمل بصمات إيران” – يقول روبين – فإنه “سيكون من الخطورة بمكان افتراض أن السلطات الإيرانية ستبقى بشكل دائم بعيدة عن التدخّل”.
وتعبّر هذه النظرة عن جانبين، الأول اشتغال العقل الأمريكي بفكرة التدخّل الإيراني في الملفات المحيطة بها، والثاني عدم تأسيس الأمريكيين على خلوّ التدخّل الإيراني في ملفٍ ما، بل ذهابهم إلى افتراض التدخّل الإيراني أيضاً والبناء على ذلك. ومثل هذه العقليّة التفكيريّة لا يمكن أن تسمح بتلاق إيجابي معها، أو الثقة بها، وهو أحد الأبعاد التي تجعل القوى الثورية في البحرين تنظر بريبة دائمة وعلنية للأمريكان، وتعتبرهم شركاء حقيقيين مع جرائم النظام الخليفي، بمعزل عن حديثهم المتكرّر ومطالبتهم “الموسمية” للنّظام بالإصلاح، وتغيير أساليبهم في الحكم، وهي دعوات تتساوى مع مقولة “تهذيب أسلوب القتل”، وليس رفض القتل نفسه.

الصّورة الأخرى تبدو في ختام مقال روبين الذي يسرد الوضع المظلم في البحرين، والذي سيؤدي عدم التصدي له لتقوية “أولئك الذين يسعون للقضاء على النظام الملكي في البحرين أو إخضاع السيادة البحرينية لإيران”، كما يقول. وهذه الخلاصة “الأمريكية” هي عصب العقل “الاحتيالي” لأكثر المحلليين “الموظفين” لدى الإدارة الأمريكية، كما هو المعهد الذي يكتب فيه روبين.

لا يكفّ، رغم ذلك، روبين عن الحديث عن سوء (الملك) حمد في إدارته للمشكلة، ذاهباً إلى أن حمد يرفض “إجراء إصلاح موضوعي، اعتقادا بأن المملكة العربية السعودية لن تسمح بانتصار المعارضة. وفى الوقت نفسه، يعملان على تغيير التركيبة السكانية الطائفية فى البحرين من خلال منح الجنسية إلى السنة من الباكستانيين، واليمنيين والأردنيين، والعراقيين، فى مقابل قيامهم باستثمارات كبيرة، أو الخدمة فى قوات الأمن الطائفية فى البحرين”، بتعبير روبين.
وبنظره، فإن “هذه الإستراتيجية (لن تؤدي) إلى تآكل هوية البحرين بإخضاعها إلى سيطرة إيران، لكنها ستدفع البحرين أيضا إلى اضطرابات دائمة، حيث إن نزع ملكية أكثر من ثلثى السكان ليس صيغة للنجاح أو الأمن الاقتصادى. ويعنى ذلك أنه حتى لو لم تكن الاضطرابات الحالية ناجمة عن تدخلات إيرانية، سيكون من الحماقة أن تفترض السلطات البحرينية والدبلوماسيون الغربيون، أن الحرس الثورى الإسلامى ليست لديه خطة للسيطرة على الجزيرة كما فعل فى 1981م”.

في النهاية، يتوجّه المؤشر الأمريكي دائماً لضمان بقاء آل خليفة، وتحذيرهم من تدخّل الإيرانيين، ومطالبتهم بالإصلاح لكي لا يتحرّك مطلب إسقاط النّظام ليُصبح الواقع الشّعبي “الوحيد”. وبهذا يكون الأمريكيون بمثابة “المُعلّم” الذي يُشرف على تلميذه الخليفي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى