سجن جوالمنامةتقارير

انتقام آل خليفة من قادة الثورة المعتقلين: “سنلاحق أبناءكم.. تباعاً ومراراً”

Screen Shot 2016-01-12 at 15.51.20

 

المنامة – البحرين اليوم

 

يبتكر البحرانيون وسائلهم في الحراك الشّعبي والثورة، والخليفيون يبتكرون وسائل الإنتقام.

هي معركة “حامية” من الطرفين.

وإذا كان آل خليفة يستعينون بالمرتزقة والمأجورين من الخارج لإتمام مهمات القتل والتعذيب، فإنّ ثورة البحرين تتميّز بأن رموز البلاد وقادتها يتقدّمون السّاحة، وهم يمثلون اليوم “المنارات” اللامعة في السجون.

عجْزُ النظام الخليفيّ عن كسْر إرادة قادة الثورة المعتقلين، دفع جنونهم إلى الذهاب بعيداً عبر الإمعان في وسائل التعذيب الجسدي والنفسي، إلا أنّ القادة قدّموا، وعبر السنوات الخمس الماضية، “دروساً نموذجية” في الصمود والتحدي.

رفضَ الأستاذ حسن مشيمع ارتداء “زيّ” السجن، ودفعَ في سبيل ذلك الحرمانَ من زيارة أهله.. ضريبةً لا يقوى عليها كثيرون، فضلاً عن إهمال علاجه، وهو المُحاط بمعاناة مرض عضال.

الدكتور عبد الجليل السنكيس فعلَ الأمر نفسه، وأقدمَ – رغم مرضه – على تنفيذ الإضراب الأطول عن الطعام، حيث أعلن الدخول في هذا الإضراب منذ مارس 2015م.

الأستاذ عبد الهادي الخواجة “كسّرَ” أنيابَ الجبروتِ الخليفيّ، رغم الكسور التي أحدثوها على وجهه وفكّه.

لم يجدوا عند الأستاذ عبد الوهاب حسين ما يُطمِعهم في تمرير “حوار داخل السجن”، ووجدوا في الشيخين المقداد، والشيخ النوري والمحروس، والحاج برويز، والبقية، “ممانعة” أكبر ممّا وجدوها فيهم حين كانوا بين النّاس.

والحل؟

يجد آل خليفة في الانتقام مجالهم “الحيوي”، وابتداءاً بالأبناء والأهل.

 

حسين عبد الوهاب

 

حسين عبد الوهاب، نجل القيادي الأستاذ عبد الوهاب، هو آخر ضحايا الانتقام الخليفيّ. قبل اعتقاله في ديسمبر 2015م، جرى استدعاءه إلى مبنى التحقيقات الخليفيّة، كما مُنع قبل ذلك من السفر. أسابيع قليلة، يُعتقل فيها الابن الأكبر لرمز الممانعة و”أستاذ البصيرة”، ويُزجّ به في إصدار جديدٍ من “الخلايا الإرهابيّة”، وكانت “البسطة” هذه المرّة عنوانا لاستهداف ممنهج لأكثر من ناشطٍ ومواطن، وباتّجاه التيار الذي أسّسه الأستاذ عبد الوهاب وثلّة من قادة الثورة المعتقلين.

حسين عبد الوهاب، عبر تخرّجه من جامعة أردنية حاملاً شهادة الهندسة، كان – في نظر آل خليفة – هدفاً مغرياً لتمرير الانتقام إلى زنزانة القادة الصامدين. انتقامٌ يراه الخليفيون “الوسيلة” الأخيرة المتبقية لانتزاع التراجع من أيدي القادة، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.

 

محمد وأحمد مشيمع

 

الأستاذ حسن مشيمع المعروف بـ”أسد الممانعة” وصوتها الذي لا يُهادن، كان عصيّاً على كلّ المحاولات التي جُرّبت معه لإقناعه بتغيير “الخطاب” الذي يُشبّهه البعض بخطاب الشهيد الشيخ نمر النمر.

قبل الثّورة، اعتقل الأستاذ المشيمع. ولم يُجْدِ ذلك لإنزال الخنوع عليه. وقبل الثورة مدّ الخليفيّون أياديهم إلى ابنه محمد، بعد أن رفضَ الوالد “الرشوة” في العام 2010م من جانب آل خليفة، للدخول في بلاط الاستبداد. وبقي محمد في السجن إلى ما بعد صدور التقرير المعروف بتقرير “بسيوني” في يونيو 2011م. ولم يتوقف الانتقام الموجّه إلى محمد، حيث تعرّض لهجوم خليفيّ في منزل العائلة بعد الإفراج عنه بشهرين، وسُحب إلى الشارع ليُوقِع المرتزقة على جسده كلّ أشكال الضرب المعجون بشرور الانتقام، وهو ما تسبّب في آلام مزمنة في ظهره، لا يزال يعاني منها حتى اليوم.

الابن الأصغر للأستاذ مشيمع، أحمد، تعرّض للاعتقال مرتين، وهو مؤشّر على “مضاعفة” الانتقام من الأستاذ.

أحمد مشيمع عاني ضغوطاً وانتهاكات عديدة داخل السجن، ولكونه ابن الأستاذ فقط. ورغم أن منظمة العفو الدولية اعتبرته “سجين رأي”، إلا أن السلطات الخليفية حكمت على أحمد بالسجن سنة واحدة، على خلفية قصيدة انتقد فيها الحاكم.

أحمد الذي أُفرج عنه قبل نحو شهرين، لا يزال يُلاحَق في القضاء الخليفيّ، وهو ينتظر حكماً في قضية أخرى لها علاقة بالوضع السياسيّ.

Screen Shot 2016-01-12 at 16.08.45

حسين جواد برويز

 

حسين جواد برويز، لم يمنع كونه ناشطاً حقوقيّاً، من أن يكون محلاً للاستهداف والانتقام.

والده، الحاج برويز، رغم كبر سنّه، والأمراضُ التي تعاقبت على جسده المثقل بالتعذيب، إلا أنّه أصرّ على تمرير الصّمود في كلِّ اتصال مع عائلته. وهو صمود ترجمه آل خليفة بردّ فعلٍ “وحشيّ” على ابنه الناشط الحقوقي الذي تم استهدافه مراراً، ولكنه كان على موعدٍ مع حكاية “مظلمة” من التعذيب الجسدي والنفسي، بما في ذلك الاعتداء الجنسي.

في شهر فبراير من العام 2015، اقتحم الخليفيون منزل حسين، وتمت مصادرة الأجهزة الإلكترونية، واقتيد مباشرةً إلى مبنى التحقيقات، “وكر التعذيب” كما يصفه الناشطون.

هناك غُيّب حسين عن الأنظار والعالم الخارجي، ومورس ضدّه برنامج “حافل” من الانتقام: إهانات لفظيّة، ومنع من الطعام، وإجبار على الوقوف، وتعريض لأجواء التعذيب التي تُمارس على الآخرين، وكأن الجلادين كانوا يقولون له: “اسمعْ، لا يهمّنا إذا كنت ستوثّق ذلك في تقاريرك الحقوقية”.

بعد ضغوط.. أُفرج عن حسين. ولكن المحاكمة كانت جارية، أو بلغةٍ أخرى: كان سيف الانتقام مسلّطاً، وهو ما تم في ديسمبر من العام الماضي، حيث صدر الحكم بسجنه عامين بتهمة “جمع أموال بطريقة غير مرخصة”. كان مصير حسين مفتوحاً من جديد على السجن والتعذيب، ولكنّه فضّل الهجرة واللجوء إلى الخارج.

 

حسين السنكيس

 

نجل الدكتور عبد الجليل السنكيس، كان هدفاً “مغرياً” لآل خليفة.

هذه العائلة كانت على موعد دائم مع إجرام النظام وانتهاكاته، وكأن الحسابات الخليفية معها لا تتوقف.

الدكتور السنكيس، المعروف بشدة المراس، وصاحب الشعارات المبتكرة تحت عنوان “صمود”، والرّجل المتعدّد المواهب الذي هزّ دوار اللؤلؤة فور خروجه من جحيم التعذيب الذي بدأ في أغسطس 2010م.. الأكاديمي الذي لم يغره كرسي الأستاذية في الجامعة، ولم يُعجِزه الكرسي المتحرك، كان أقوى من “قافلة” المصائب التي جيّرها آل خليفة ضدّه، ودون توقف.

توجيه البشاعة الخليفية ناحية حسين السنكيس كان، ودون شكّ، محاولة لإيقاعِ الوجْع في داخل أستاذ الهندسة الميكانيّكيّة. إلا أنّ الخطة لم تنجح، والصّمود الذي دعا إليه الدكتور؛ كان هو أوّل منْ مارسه، وبشكل نموذجيّ، وغير مسبوق، وكانت الصورة التي جمعته من ابنه في مراسم تشييع والدته، في نوفمبر 2015م، تختصر تلك الحكاية، والتي تقول في خاتمتها بأنّ الانتقام مع عائلة “الصمود” هو أشبه بقصّة القزْم الذي يحاول، جاهدا، أن يطال السّماء.

حسين اعتقل بعد شهر من اعتقال والده، الذي تم في مارس 2011.

شهر كامل من التعذيب، والإخفاء الذي امتد 3 أشهر، إلى أن تمّ تجهييز التهمة المرسومة: “قضية المرفأ المالي”. لم يكن للقضية أيّ أدلّة، سوى دليل واحد دامغ، وهو أن حسين نجلُ الدكتور عبد الجليل، ولقبه “السنكيس”، وهذا كافٍ لإثبات التهمة، وإضافة سيناريوهات كاذبة عليها، من قبيل اتهام حسين بأنه منْ ضرب ضابطا بلوح “بايسبول” على رأسه، فيما تعرف بقضية “المرفأ”.

التعذيب كان بادياً على حسين، ولم يفت أهله في جلسة المحاكمة مشاهدة جروح الصعق الكهربائي في أذنه. فيما انتشرت على ظهره الكدمات، وفي يده آثار لا تُمحى من القيد الذي لازمه طويلا.

15 يوماً بعد الاعتقال كانت مملوءة بقصص “الانتقام”: تحرّش، ركل، وتقييد وحشيّ وهو مرمى على الأرض.

لم يكن هناك أي دليل في المحكمة يدين حسين في القضية. والضابط نفسه شهد خلافاً للتهمة المنسوبة إلى حسين، وأشار إلى متهم آخر لا يُشبه حسين في أي من الملامح.

ولكن “القاضي الخليفي” مُلْزَم بأن ينفذ حكم “الانتقام”: 7 سنوات كانت من نصيب خرّيج جامعة القاهرة، والمتخصص في علم المحاسبة، والذنب الأكبر أنه ابن “بروفسور الصمود”.

 

مرتضى المقداد

 

يحمل مرتضى “ذنباً عظيما”، يوازي عظمة الرتبة الدينية والسياسيّة التي يحملها والده، الشيخ عبد الجليل المقداد. ولكن لم يتأخر الانتقام، وزحف إلى مرتضى في شهر يونيو 2011م.

حينذاك، لفّق النظام ضد مرتضى تهمة تتعلق ب”التجمهر”، وفوجيء مرتضى بإحضارية حول ذلك في شهر سبتمبر من ذلك العام. وبدأ مسلسل الجلسات في المحاكمة، ولعدة مرات، إلى أن حُكم عليه في يوليو 2013م بالسجن 6 أشهر، وأوقف تنفيذ الحكم بعد دفع كفالة مالية (300 دينار)

وبين هذا المحاكمات، اعتقل مرتضى في مارس 2012 أثناء توجهه لزيارة والده الشيخ المقداد. كان يريد الخليفيون أن يكون اعتقاله مباشرةً؛ رسالةً حيّة للانتقام من والده: صُمّدت عيناه، وانهال عليه المرتزقة بالضرب، باستعمال الأخشاب والهروات.

بعد الإفراج عنه، وتحديدا في أبريل 2012، اعتقل مرتضى من الشارع أثناء توجهه إلى سيارته في بلدة البلاد القديم. اعتقاله صُوّر بالفيديو (شاهد: هنا)، وأظهر جانباً من وحشيّة الانتقام. ليبدأ مسلسل آخر من الاعتقال، والإفراج، والذي يليه ويتخلله جلسات محكمة وتأجيل واستئناف.

في 31 ديسمبر 2015م، فجّر آل خليفة حقد الانتقام الأكبر، وحكموا على مرتضى بالسجن 5 سنوات. فيما تواصل الانتقام داخل سجن جو، وعبر حرمانه من العلاج والرعاية الصحية، حيث حذّر أهله في وقت سابق من فقدانه عينيه بسبب ذلك.

 

 

مصطفى محمد علي

 

مصطفى محمد علي اسماعيل
مصطفى محمد علي اسماعيل

 

مشكلة مصطفى أنه نجل “أستاذ وقور”، وشخصيّة سياسيّة “مخلصة” لا تعرف “الضجيج” في العمل الوطنيّ، ولا تستهويها الأضواء الخادعة.

على هذا النحو يصف العارفون الأستاذ محمد علي اسماعيل، الذي يُعرَف بأنه أقرب المقرّبين للأستاذ عبد الوهاب حسين.

مصطفى، إضافة إلى كونه نجل “الأستاذ الوقور”، فإنّه أصرّ على المضي في طريق أبيه، وتحديداً في “التفوق” على المعاناة، وإنجاز “الامتياز”.

بعد إحرازه نسبة نجاح من الثانوية العامة بدرجة 99%، سال لعابُ الانتقام من أسنان التنين الخليفي، وتم اعتقال مصطفى في يوليو 2015م.

التنين لم يكن غافلاً عن مصطفى. حيث تم استهدافه قبل أكثر من عام، وسُجن 3 أسابيع، وتم إطلاق سراحه بعد استناف الحكم ضده، إلا أن الاستئناف عادَ وثُبّت الحكم ضده، فقام مصطفى بتسليم نفسه ليُكمل المتبقي من محكومية مدتها 3 أشهر، وقبل أن يلتحق بالجامعة.

 

 

بنات عبد الهادي الخواجة

 

 مريم-الخواجة-وزينب

 

قصص استهداف بنات الناشط الحقوقي عبد الهادي الخواجة، مختلفة إلى حدّ ما ضمن حكايات “الانتقام من الرموز المعتقلين”.

في حالة زينب الخواجة، تحديداً، فإنّ المسألة بالنسبة لها لا تحتاج لانتظار منْ ينتقم بها، أو عبرها، من أبيها. هي، وبزئيرٍ من أبيها، اقتحمت على الخليفيين أوكارَهم، ومعسكراتهم، وسجونهم، ومحاكمهم، وقالت فيهم ما يستحقّون، وثبّتت عملياً النهجَ الحقوقي الذي أرساه والدها عبر “المقاومة المدنية”، و”تمزيق الخوف”، و”إنهاك الطاغية بالحضور في الميادين”.

ولكن، لا شكّ أن جزءاً من إجرام آل خليفة الذي صُبّ على زينب، وشقيقتها مريم فيما بعد، هو لأنّ أباهما اسمه عبد الهادي، الحقوقيّ الذي سيندم آلُ خليفة طول ما تبقّى من عمرهم لأنهم لم يكتشفوا الطريقةَ التي كان يمكن إسكاته، أو تدجينه، أو شراءه، كما فعلوا بجحافل كُثر من حقوقيي الكراسي الوثيرة وأصحاب الجعجعات والتقارير الورديّة.

 

اعتقال دام عاماً. حرمان من ابنتها وهو بين القضبان. اعتداء من القوات الخليفية واستهدافها بالطلقات في الرجل. امتناع عن إصدار وثيقة رسمية لابنها الجديد، عبد الهادي، انتقاماً  من جدّه وأبيها. تضييق واسع، ومحاكمات وأحكام مفتوحة على “انتقام” لا حدود له، ولا زمان ولا مكان له. إلا أنّ المشهد لم يشهد انحناءاً، ولم تتوان الخواجة البنت أن تمزّق من جديدٍ صورة الحاكم الخليفيّ، وفي قعر محكمة آل خليفة.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى