ما وراء الخبر

حين نطق “الجلاد المراهق”: الفرصة السانحة لملاحقة ناصر حمد بتهمة إهانة البحرين وأهلها

البحرين اليوم – (متابعات)

هي أشبه ما تكون بـ”كذبة أبريل”! فحين يظهر جلاد مراهق من وزن ناصر حمد وهو يتوعد “الوقوف بحزم” في وجه ما وصفها بالدعوات المشبوهة “لتقويض العلاقات” بين والده الحاكم وعمه رئيس الحكومة خليفة سلمان؛ فإن علينا أن نستشعر حجم “السخافات الممسرحة” التي بات آل خليفة يعتاشون عليها هذه الأيام، وخاصة بعد تداعيات ما نشره حساب “نائب تائب” على موقع تويتر من فضائخ ودعوات لضرب الخليفيين بالخليفيين، ودعوته الأخيرة لأن يتولى ناصر منصب رئيس الوزراء، وذلك في مفصل آخر من مفاصل الهراء الإلكتروني الذي يتحارب تحت ظلاله عبيد آل خليفة. هذا الحجم الفاقع له طعمه المغري حينما يأتي الدور على ناصر حمد ليدلي بدلوه في الحكاية “التافهة” التي يتولى مرتزقة آل خليفة تحريكها للدسيسة فيما بينهم وإعادة توزيع الأدوار، وهي مناسبة لافتة أيضا للتذكير بالألقاب الطويلة التي تسبق اسم ناصر وتأكيد ما ينفيه من “انشغال قديم” داخل آل خليفة للدفع به نحو واجهة الحكم في البلاد: فهو ممثل “جلالة الملك” للأعمال الخيرية وشؤون الشباب، وقائد الحرس الملكي، ورئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، ورئيس اللجنة الأولمبية، ولكن ذلك لا يكفي المراهق و”مدير أعماله”، وهو ما يعني أن تظهيره في قضية “الحرب الإلكترونية”، التي تحدث عنها خليفة سلمان، له صلة مباشرة بأصل المشكلة التي تنمو، رغما عن الجميع، داخل بيوتات آل خليفة الشبيهة بخيوط العنكبوت، وهي مشكلة الاختلاف/ التنازع في تقاسم الغنائم والخوف من انتزاع الحصص وتقليصها أو تدويرها، وذلك في إطار المخططات المستترة لإحلال “المراهقين” محل الديناصورات.

لنتذكر، في السياق، أن ناصر حمد الخليفة يحمل رتبة “عمد ركن”، وهو منذ أشهر أصبح عضوا فيما يُسمى مجلس الدفاع الأعلى، وهو بمثابة المجلس العسكري الذي يتولى تنفيذ أوامر آل سعود في البحرين. هذا التذكار مفيد للرواية الجذابة التي تذهب إلى أن إعداد ناصر حمد لتولي حكم البحرين ليس أمرا خياليا ألبتة، أو مجرد تحليلات فلكلورية مستلة من الوقائع المعروفة التي تشير إلى المحاولات المستميتة، منذ سنوات، لتحويل ناصر إلى “معجزة” ليس لها أي منافس أو نظير، وعلينا أن نأخذ الأمر بقدر من الجدية بعد أن أعلن ناصر نفسه – ورغم موجات السخرية منه – تبنيه لهذا اللقب “الرسمي” وتحمّله مسؤولية التعبير عنه على أرض الواقع! ولكن هذه المرة، ولتأكيد المعنى الدفين لاستخدامات ناصر في تقويض عهد الديناصورات؛ فإنه يُوكَل إلى ناصر – وهو لا يحمل حتى الآن أي منصب رسمي سياسي له علاقة بإدارة شؤون البلاد – مهمة التهديد بعدم “التهاون مع كل من يحاول العبث بأركان الدولة والنيل من الذات الملكية” ومن رئيس الحكومة وولي العهد الخليفي على حد سواء، وأن يحذر من زجّ اسمه فيما وصفها بـ”الفتنة”، وذلك بعد أن دعا مشغولو حساب “نائب تائب” إلى أن يتولى ناصر حمد رئاسة الحكومة، وعلى طريقة المراهق السعودي الآخر محمد بن سلمان.

 

المساحة الواسعة من الاستعراض المراهق لناصر واستهلاك خزينة الدولة في “الرياضات” وأعمال “الجمبزة” التي يقوم بها؛ من المؤكد أنها تُزعج أولئك الذين يرون أن صورتهم ونفوذهم وسرقاتهم آخذة في التراجع، وبالتوازي مع استعراضات الجلاد المراهق الذين يُراد له أن يجمع كل مواصفات العسكر، جنبا إلى جنب العلامات الأخرى التي ارتبطت بشخصية “قاهر البحار والصحاري”. وإذا كان من الحكمة عدم المبالغة في تثمير الخلافات الخليفية والتفاؤل بوصول مداها إلى حدود الانفجار “الكبير”؛ إلا أنه من المنطقي، والسياسي أيضا، أن يتم قراءة اللعبة الجارية من منظور المخطط – غير المرئي – لإعلاء ناصر وأسطرته، حيث يظن حماة آل خليفة بأن الضعف المستشري في النظام الخليفي، وخاصة بعد احتراق حمد عيسى في الداخل والخارج؛ يقتضي منذ الآن إعداد بديل “قوي” له، ليس لإصلاح فظائع والده، ولكن لاستكمالها أكثر، وإنما وفق المنظار الاستعمالي للقوى الحاكمة في البحرين، وتحديدا آل سعود. وهذا المنظار يعتقد أن مزيدا من تأليه ناصر، ومع الكثير من دمجه في المشروع “الأمريكي الإسرائيلي”؛ من الممكن أن يوفّر أمانا لمستقبل حكم آل خليفة، في ظل تقلبات المزاج الإقليمي والدولي التي لا يعرف أحد إلى أن تنتهي.

في المقلب الذي يتعلق بالدور المطلوب، فإن الحاجة ماسة هذه الأيام – وأكثر من أي وقت مضى – لإعادة تحريك الملاحقة ضد ناصر حمد والعمل على اعتقاله دوليا، ليس فقط من أرضية الملف الحقوقي، وتهديده المعروف في العام ٢٠١١م للمتظاهرين عبر التلفزيون الرسمي، ولكن من أرضية الملف السياسي الذي يتصل بتوغل أكبر “جلاد مراهق” في مفاصل الدولة من غير وجه حق، واستنزاف قدراتها المعنوية والمالية والسياسية في الترهات والخزعبلات، وتورطه المباشر في إسقاط “هيبة الدولة” والاستخفاف من سكان البلاد، وذلك بعد أن أصبح سببا للسخرية من البحرين ومن تاريخ أهلها. وهذا الأمر ليس أمرا “شعريا” أو رومانسيا، بل هو في صميم العمل السياسي المعارض، حيث أضحى البلد محفوفا بالهوان والمذلة بسبب ناصر ومراهقاته المبرمجة، ومثل ذلك مدعاة حقيقية لتنظيم حملة واسعة لإنقاذ سمعة البحرين وتخليصها مما علق بها من وصمات عار وسخرية بعد أن بدأ الخليفيون، رسميا، بتشغيل “معجزة” ناصر على أرض الواقع، في استخفاف علني بالغ الوقاحة، وفي تحد فاضح للعالم الحر الذي أنهى منذ زمن أساطير المرضى المراهقين وخرافات الجلادين الصغار الذين يريديون أن يؤدوا البطولة المطلقة لـ”المهمة المستحيلة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى