ما وراء الخبر

متابعات: حمد والسيسي.. القمعُ والقتل إذ يلتقيان

Cg_B_2hW0AAyiQr

 

البحرين اليوم – (خاص)

متابعات

ما وراء الخبر

 

حلّ ملكُ المغرب البحرينَ، والتقى حمد عيىسى الخليفة. كان الأخيرُ أكثر التحاماً، بل الوحيد، الذي احتفى بكلمة محمد الخامس التي ألقاها في “القمة الخليجية المغربيّة” التي عُقدت في الرياض، في 20 أبريل، والتي وُصِفت بأنها الكلمة “الأسوأ” لملك المغرب، منذ أكثر من عقد، ولاسيما حين “شتَّم” في الثورات العربيّة، وجدّد حكاية “الأمن الخليجيّ”..

الخليجيّون أعطوا غطاءاً للمغرب في خلافه مع الجزائر بشأن “الصحراء الغربيّة”، ولكن هذا الموقف لا يبدو أنّه أغلقَ ما قيل بأنه سوء “تفاهم” بين الملك المغربي وحكّام الخليج، وهو ما جلعه يعود إلى المنطقة ويجول فيها، مرمّماً ما استطاع من “السوء”.

خرج محمد الخامس باتّجاه قطر، وخرج حمد الخليفة إلى القاهرة.

كان هناك ما يُغْري أكثر بالنسبة للحاكم الخليفيّ الذي كان آخر من اتّصل وتواصل مع المخلوع حسني مبارك قبل أن تهبّ الثورة هناك وتُسْقِطه. حافظ حمد، دون خجلٍ، على الودِّ مع مبارك، ولم يتردّد في الاتصال به في نوفمبر 2014م، ليُقدِّم التهنئة له بعد تبرئته من تهمة قتل متظاهرين مصريين في العام 2011م، وكان حريصاً على أن يصف مبارك بـ”الأخ”، ويُعبّر له عن “تقديره لمواقفه “المشرفة” تجاه البحرين، وهي مواقفُ يعرفها جيداً ضبّاط مخابرات البلدين الذين عملوا على تبادل “خبرات” القمع منذ سنوات، والتي يُريد حمد أن يُعيد إحياؤها هذه المرّة خلال زيارته التي بدأها اليوم الثلثاء.

 

لم ينتظر حمد كثيرا حتى أبرم “اتفاقات أمنيّة وعسكريّة” مع القاهرة، وأعلن في المؤتمر الصحافي المشترك مساء اليوم عن رغبته في مزيد من “التعاون العسكري” مع مصر، مستحلباً دعماً من عبد الفتاح السيسي، الذي لم يتردّد في إطلاق التصريح النمطيّ المعتاد، وكلما كان في حضْرةِ “ملوك وأمراء الرُّز”، حيث أعلن الوقوف إلى “جوار البحرين ضدّ أيّ تهديداتٍ خارجيّة، أو أيّ محاولةٍ للمساس بأمنها”.

حُكْمُ العسكر الذي أسقط حكم الإخوان؛ كلاهما كانا يتباريان لإعادة الودّ مع الخليفيين. لم يكن الإنقلابُ أسوأ من الحُكم الإخوانيّ الذي زُجّ به بقادته في السّجون، ولم يجدوا يوماً اتصالا من حاكم البحرين، رغم أنّهم لم يتاونوا – طيلة الأشهر التي جلسوا فيها على كرسي الحكم – في إرسال رسائل التأييد للنظام الخليفيّ، وإعادة ترويج روايته المضلِّلة عن ثورة البحرين، وهي الرّواية التي ساهم في تشكيلها وإشاعتها الفرعُ الإخوانيّ في البحرين، وخاصة حين حلّ في القاهرة أيّام محمد مرسي، وتبادلا كلمات التّشنيع بثورة 14 فبراير. وكما أسقطت هذه الثورات رهانات الخليفيين، فإنها أسقطت مراهنات الذين تآمروا عليها، أو تخلّفوا عن نصرتها، وكانت هذه الثّورة – منذ لحظتها الأولى وحتّى اليوم – بمثابة “الغربال” الذي يميّز بين الذهب والحصى.

زيارة حمد إلى القاهرة، وتبادلُ الأوسمة والنفاق مع السيسي؛ لم تأتِ من فراغ.

ساحاتُ الاحتجاج تتشابه بين القاهرة والمنامة. لازالت الصّورةُ ماثلةً بين دوّار اللؤلؤة وميدان التّحرير. بين هذه السّاحةِ وتلك؛ لا يزال القمعُ وتهديدُ العسكرِ على عهْدهما المشترك، وهو تقوّى واستوى أكثر بميثاق “القتْل” و”إسكات المعارضين” و”التنازل عن السيادة والأرض للأجنبي”.

الزياراتُ الرسميّة بين حمد والسيسي يجمعها قمْع واحدٌ، وعدوٌّ وهميّ يريد حكّامُ النّفطِ والغاز في الخليج من القاهرة أن تبلعه معهم.. برضاها، أو بالكُره والابتزاز.

الاحتجاجاتُ الشعبيّة الأخيرة في مصر، وعلى خلفيّة ملف جزيرتي تيران وصنافير، كان مناسبةً لعودةِ سيْرة القمع في القاهرة. شاهد المصريون أرتالاً من القوافل العسكريّة وهي تنتشرُ في المحافظات، فيما انقضّ المخبرون والجنود على الشّبان في المنازل والمقاهي، وكأنّ عهد مبارك كان حاضراً في الأرجاء.

هذا الحضور القمعيّ هو الخيْطُ الدقيق الذي يجمع النظام الخليفيّ بالقاهرة. وكلّما قوِي هذا الخيط؛ كلّما شعر حمد بأنّه مدفوعٌ لزيارة أرض الكنانة، وتلويث ماءِ نِيْلها بالعنهجيّةِ وغرور “العصابة الحاكمة” التي تناقلت بين حمد ونجله الجلاّد خالد، الذي أدّى دور حارِس أبيه، الأفعى، خلال الزيارة.

 

شوارعُ القاهرة التي أفسدها العسكرُ أمس، وما قبله، لم تنسَ شوارع البحرين وبلداتها.

مصر أكبرُ، وأكرمُ، من العساكر والإخوان. وهي لذلك أكثر قُرباً من ثورةِ البحرين، ولم يتخلّف أحرارها – ممّن اعْتُقِل أو ما زال ينتظر – عن تسجيل الدّعم الواضح لهذه الثّورة “التي يُراد شطبها” من قوائم الثورات العربيّة، وبكل الوسائل والحِيَل.

المحامي والناشط الحقوقي المصريّ جمال عيد، مثلاً، يعلم من أين ينبع الداء، وقالها بعبارة موجزة: “المنطقة العربية تشهد أسوأ انتهاكات للحريات وتفشي الفساد، بعد سيطرة الثورات المضادة، وهيمنة الرجعية الوهابية، والريال المدنس”. لا يتردّد عيد في إعلان نصيحةٍ للجميع، والقوْل بأنّ “آل سعود لا يُوثق بهم”، وأنّهم من موارِد الملوك الذين إذا دخلوا قريةً أفسدوها، كما يقول النصُّ الشريف.

وحين حلّ الملك السعوديّ سلمان مصرَ، أثناء بيْع السيسي له جزيرتي تيران وصنافير، ومُنِح حينها سلمان شهادة الدكتوراه، لخّص الناشط عيد المشهدَ بقوله: “الدكتوراه الفخريه في توفير الحماية لمجرم تونس ابن على، وعداء ثورة يناير في مصر، وتخريب ثورة البحرين”.

هذه الرؤية الثاقبةُ تُرعب السيسي اليوم، وهي ذاتها الرؤية التي تجعل من حمد، ومثله وآل سعود، أعجز من أن يشتروا الكرامة المصريّة.

هم يكمن أن يشتروا بزّة العساكر، وسلاحهم.. ولكن هؤلاء ليس معياراً للنّاس، وما كانوا يوماً عنوانا لنبض الأحرار منهم.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى