ما وراء الخبر

مقتل الشهيدة فخريّة مسلم.. آخرُ فصول مسلسل الجرائم المنظّمة: ماذا بعد؟

image

البحرين اليوم – متابعات
شيّع البحرانيّون، السبت ٢ يوليو ٢٠١٦م، الشّهيدة فخريّة مسلم في موكبٍ مهيب، ورفعوا خلاله الشّعارات الواضحة التي تُحدِّد المسؤولَ عن الجريمة. الجريمةُ التي طالت الأستاذة فخريّة، وكادت تقضي على أبنائها الثلاثة، ستكون ملفاً آخر في مسلسل الجرائم التي تتوالى على البلاد، في ظلّ إدارته بقبضة نظامٍ لا يتوانى عن الاستمرارِ في مخطّط استئصال السّكان الأصليين، والقضاء على وجودهم، تارةً بوسائل حرب الهويّة، وتارة بأدوات القمع والقتْل الممنهج.

الملابسات والتّصريحات الخليفيّة؛ تؤكّد المؤكَّد الذي يعرفه الجميع، وتدفعُ للمزيد من حشْد الهمّة لوضْع حدٍّ لهذا المخطّط الإجراميّ المتسارع، ولاسيما مع التّعاطي “غير المؤثر” الذي وُوجهت به مختلف الحوادث الغامضة المتتالية، والذي (أي هذا التعاطي) أعطى النّظامَ الخليفيّ الفرصَ الإضافيّة للاستمرار فيها، والتفنّن في إيقاعها، وبأهدافٍ مختلفةٍ، تُنبيء أنّ الشّغلَ الشّاغل للنّظام، ومنْ يقف وراءه، لم يعد الوصول لمرامٍ محدَّدة، بقدرِ اندفاعه المتوحِّش لارتكابِ الجريمة بحقّ المواطنين، وعلى طريقة الإسرائيليين في جريمة دير ياسين وغيرها.

لا تزال جريمة قتْل الفتيات السّت قُرب شارع سار؛ دون حلٍّ أو محاكمة للقتلة، رغم الدلائل القويّة التي تُحيل الإتهامات إلى النّظام وقوّاته. أخذ القتل المبرمج استطالةً في سنواتِ الثّورة، وقُتِل عددٌ من المواطنين في ظروفٍ وملابسات تحملُ علامات “الجريمة المنظّمة”، وببصماتِ أجهزة المخابرات الدّمويّة، كما حصل مع الشّهيد يوسف موالي في المحرق، ومع الشهيدين علي البصري ومحمود العرادي في الشّارع العام قرب العكر (في ذات موقع مقتل الشهيدة فخرية)، والعمليّة الأمنيّة في بلدة المرخ التي راح ضحيتها الشّهيد فاضل مسلم وإصابة آخرين.

حوّل الخليفيّون مجتمعَ البحرين المسالم إلى جنائزَ متتالية من الضّحايا الأبرياء، وعمّموا في بلداته مشاهدَ محزنةً من جرائم التّصفية الجسدية والاغتيالات، وهو مظهرٌ يختصر الطّبيعة التي يريد النّظامُ توسيعها على مناطق البلاد، وبما يجعلها أمكنةً محفّزة على “شيوع” الجريمة، وتقبُّل التعاطي معها باعتبارها “واقعاً” جديداً ينبغي التعايش معه لكونه “ظاهرة” قائمة ومتمدّدة، ولا تستدعي تصدير ردود الأفعال التي توجّه أصابع الاتّهام إلى النّظام وأجهزته. ومن شأن ترسيخ هذا “الواقع الجديد”؛ أن يبني عليه النّظامُ جولاته الحثيثة في إشاعةِ الرّعب بين النّاس، وتمرير ما يُراد من أهداف أمنيّة، وضمن دائرة الأهدافِ الرّئيسيّة التي تتعلق بتقويض الثّورةِ، واستنزاف مجتمع الثّورة، والإساءة إلى قواها الحيّة، وصولاً إلى التّهجير الجماعي من البلاد، تماما كما فعل الإسرائيليّون في مشروع الإقتلاع الدّموي لشعب فلسطين.

حادثة الشّهيدة فخريّة مسلم تتجمّعُ فيها كلّ هذه العلامات. الواضحُ أنّ كلّ ملابسات الجريمةِ تؤكّد ضلوع الخليفيين فيها، من الألف إلى الياء. سارعَ النّظامُ لربْط الجريمةِ بحادثة تفجيرٍ مزعوم في صرّافٍ آلي بمنطقة العكر. وكان ذلك محاولة مكشوفة، ومعتادة، لصرْف الأنظار عن ظروف الجريمة الحقيقيّة، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى.. تشويه صورة الثّورة وكوادرها الفاعلة. يمثّل ذلك ما يمكن وصفه بـ”الدّافع المزدوج” للجريمة. تناقضُ التّصريحات الرّسميّة تمثّل بدورها قرائنَ إضافيّة على التّورط الخليفي في الجريمة، ولم تكن “المحادثة” الخاصة للنائبة في البرلمان الخليفي، رؤى الحايكي، بعيدةً عن مسار هذه القرائن، حيث أقرّت في “قروب واتس آب” يضم النّواب الخليفيين بأن ما حصل لسيّارة الشّهيدة فخريّة؛ لم يكن انفجاراً، حيث لم تظهر عليها آثار تفجير أو احتراق، بل كانت عليها آثار الارتطام بـ”الحاجز الجانبي للشارع، وفيه أثر لرصاص على الزجاج الجانبي” عند مقعد السّائق، لتؤكد الحايكي – قبل أن تُسارع للنفي نتيجة التهديدات – بأن الشهيدة قُتلت جرّاء “طلق ناري”، ووفقاً للطّبيب الذي عاينها، وفق قولها.

النّيابة العامة الخليفية، وفي موقفٍ معهود، سارعت إلى إصدار بيانٍ لتعزيز رواية وزارة الدّاخلية، حيث زعمت بأن الشهيدة تعرّضت لـ”شظايا” العبوة في التفجير المزعوم، وادّعت بأن الطّبيب الشّرعي التّابع لها ذهب في تقريره إلى أن إصابتها في الرأس كانت نتيجة “إحدى شظايا الإنفجار” المزعوم، من غير أن يُحدّد طبيعة هذه الشظايا والعبوة المستعملة. وكان لافتاً أن الشهيدة نُقلت مباشرةً إلى المستشفى العسكري، وأجِري لها هناك تشريح دون علم أهلها، وتمّ التكتم على نقلها إلى هناك، في الوقت الذي أكّد شهود عيان بأن جريمةَ القتل لم تكن متزامنةً مع التفجير، وأن هناك فارقاً زمنيّا بينهما يتجاوز الساعتين أو ثلاث ساعات.

ائتلاف ١٤ فبراير – من القوى الثّوريّة المعارضة – أكّد أن فريقاً خاصّاً أجرى متابعة لحادثة مقتل الشهيدة فخرية؛ توصَّل إلى ما وصفها بـ”المعلومات القطعيّة” حول ما تعرّضت له الشهيدة، وأودى بحياتها، حيث أكّد التقرير بأنّ الشهيدة تعرّضت لطلقةٍ ناريّة اخترقت رأسها من الجهة اليسرى، وأن ذلك تزامن مع مرور موكبٍ لإحدى الشخصيات الخليفية، ما يُعزّز الاتّهامات للنّظام.

النّظام وموالوه سارعوا إلى تحويل الجريمة في اتجاهٍ آخر، حيث تم ربْطها بالمواقف الإقليميّة والدّوليّة الرافضة لـ”الحرب الخليفية” المتجدّدة ضدّ المواطنين، وبينها الموقفُ اللافت للّواء قاسم سليمانيّ الذي تضمّن تلويحاً بالمخاطر المحتملة في حال المضيّ في التعدّي على آية الله الشيخ عيسى قاسم. وقد سارعت أنظمة الخليج والحكوماتُ الأخرى للتعاضدِ، الأعمى، مع التّوجيه الخليفيّ للجريمة، تعزيزاً لمحاولة النّظام الهروبِ إلى الأمام، والتخلّص من المسؤولية الثّابتة ضدّه بخصوص هذه الجريمة ومثيلاتها، لاسيما في ظلّ اتّساع التّنديد الدّوليّ لانتهاكات النّظام وتعدّياته على المواطنين، والذي يُتوقّع إلى يتدحرج أكثر في الفترة المقبلة.

في سياقٍ آخر، كان من المستغرب أن بعض السّياسيين (المعارضين) لم يتعلّم من الدّروس الماضية، ولم تغيّره الطّبيعةُ الإجراميّة المكشوفة للنّظام، وذلك مع مسارعة بعض هؤلاء إلى إعادةِ تصدير المواقف “المحنّطة” بالتّنديد المفتوح بـ”العنف من أي طرف”، وهي المواقفُ التي تنطوي على ثباتِ النّظر إلى النّظام بـ”حُسن نية”، والتّشكيك في تورّطه في قتْل الشهيدة فخريّة، إلا أنّ مثل هذه المواقف – المتوقّعة – لم تؤثّر على التّعاطي الشّعبي مع الجريمة، والذي بدا جليّاً في موكبِ التّشييع، حيث تعالت شعارات الثّورة، ورفع المشيعون قبضاتهم عالياً، تأكيداً على التّمسك بالثورة، معتبرين الفقيدة الرّاحلة اسماً آخر في قافلة شهداء ١٤ فبراير، وأنّ دماءها ستكون إضافةً أخرى إلى خزّان التّضحيات التي تعبّد الطّريقَ نحو إسقاط الخليفيين وإنهاء نظام القتْل المُسلّط على رقاب أهل البحرين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى