ما وراء الخبر

شيخ الأزهر في البحرين بعد رفض آل سعود استقباله: صراع النفوذ ولعبة المرجعيات

الملك-حمد-ملك-البحرين-مع-الدكتور-احمد-الطيب-شيخ-الازهر-600x330

البحرين اليوم – متابعات

وصل شيخ الأزهر، أحمد الطيب، البحرين أمس الثلاثاء، ٢٧ سبتمبر، والتقى اليوم الأربعاء الحاكم الخليفي، حمد عيسى، ضمن جولة أزهرية تشمل سويسرا. شيخ الأزهر الذي حل البلاد بوصفه رئيسا لمجلس حكماء المسلمين، قالت مصادر خاصة لـ(البحرين اليوم) بأنه كان يُفترض أن يزور السعودية قبل ذلك، إلا أن الأخيرة لم “تُبد ردا إيجابيا على طلب الزيارة”، وذلك على خلفية “الاستياء السعودي” من مؤتمر غروزني الذي عُقد الشهر الماضي، وشارك فيه شيخ الأزهر، وخرج ببيان عرّف فيه أهل السنة والجماعة بعناوين لم تتضمن المذهب السلفي أو الوهابي الذي يعتمده نظام آل سعود، وهو الأمر الذي دفع بماكينة الإعلام السعودية إلى شن هجوم واسع على المؤتمر والمشاركين فيه، بما فيهم شيخ الأزهر، والذي اضطر في وقت سابق إلى إصدار بيان امتدح فيه السعودية، وقال بأنها في “القلب من أهل السنة والجماعة”، وهو بيان وُصف بأنه محاولة “أزهرية” لتخفيف حدة الاحتقان التي أعقبت مؤتمر غروزني، إلا أن هذه المحاولة لم تُرض آل سعود الذين دفعوا بهيئة كبار علمائهم لإصدار بيان أفصح – بشكل رسمي – عن الإستياء من المؤتمر وما جاء فيه.

المصادر تشير إلى أن استقبال آل خليفة لشيخ الأزهر جاء “حلا وسطا” لرفض استقبال السعوديين ل”الإمام الأكبر”، وذكرت بأن البحرين باتت بالنسبة لآل سعود “الوجهة” المفضلة لإحالة الأشخاص “غير المرغوب” في استقبالهم بالرياض. تضيف المصادر بأن السعوديين طلبوا من شيخ الأزهر – عبر وسطاء – أن يقدم “اعتذارا عمليا” من خلال تكريس “الدعم” للنظام الطائفي التابع لآل سعود الذي يحكم البحرين، واضعين هذه الزيارة في “إطار اختبار جدية الشيخ الطيب لتحسين موقفه من السعودية من خلال عقد الاجتماع الدوري لمجلس حكماء المسلمين في العاصمة المنامة”، وبما يُثبت أن المجلس – الذي تقف دولة الإمارات وراءه، ويتخذ من أبوظبي مقرا له – “لا يغرد خارج السرب السعودي”.

ويقول ناشطون بحرانيون بأن زيارة شيخ الأزهر جرى الترتيب لها بعد موافقة آل سعود على استضافة الاجتماع الثامن للمجلس المذكور، وذلك على أمل أن يكون “وسيلة للتغطية على الانتهاكات الطائفية التي يمارسها الخليفيون بحق المواطنين الشيعة في البلاد”، وهو ما ظهر بوضوح في كلمة شيخ الأزهر أثناء لقائه حمد الخليفة في قصر “الصافرية” بالصخير، وتحدث فيها عن “السياسة الحكيمة” لحمد في مجال “التآخي والإصلاح”، إلا أن مصادر تابعت اللقاء أوضحت بأن آل خليفة لم ينجحوا في “انتزاع مواقف صريحة لصالحهم من شيخ الأزهر”، حيث تحدث الأخير عن “شعب البحرين” ودوره في نبذ الطائفية والتسامح عبر التاريخ، وهو ما “قلل من فائدة الزيارة للنظام الذي يواجه إدانات دولية وأممية واسعة بسبب استهدافه لعقائد السكان الشيعة الأصليين”.

في المقابل، يؤكد ناشطون مصريون بأنّ زيارة شيخ الأزهر للبحرين “لا يعوّل عليها” لجهة أنها تُكرّس الدور “الجديد القديم” الذي تعلبه المشيخة الأزهرية في “محاباة” الأنظمة الرافدة لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، ولاسيما تلك التي تدور “في فلك آل سعود”، مشيرين إلى أنها ليست الزيارة الأولى لشيخ الأزهر للبحرين، كما سبق لحمد الخليفة أن التقى بالأخير في زيارته الأخيرة إلى مصر، وهو “نمط من العلاقات الذي حافظ عليه النظام الخليفي لتشكيل خط دفاعي في وجه الاتهامات الموجهة ضده بارتكاب انتهاكات مذهبية ضد شيعة البحرين”.

لا يخفي مراقبون أن هناك “أوراقا مبعثرة” في هذه الزيارة، وخاصة مع قبول آل خليفة انعقاد اجتماع مجلس حكماء المسلمين في المنامة. فهذا المجلس الذي أنشأته الإمارات في يوليو العام ٢٠١٤م أُحيط بالعديد من “الجدل”، وخاصة مع احتدام “المعارك” بين دول الخليج وتنافسها على النفوذ في أكثر من منطقة، والذي تطلب منها توفير “مرجعيات دينية داعمة لها”. وفي حين أن دولة قطر تتجهز بهذه المرجعية من خلال جماعة الإخوان المسلمين (بشخص الشيخ يوسف القرضاوي)، وتتوفر السعودية على حلفها الديني (الوهابي) القديم الذي يتجمع في هيئة كبار العلماء؛ فإن الإمارات – وهي تبحث عن امتداد خارج حدودها – وجدت في المجلس المذكور مظلة لها لتأمين بقية “مقومات” التمدد وحماية سياساتها الداخلية والخارجية، وهي حققت “مكسبا مهما” بإقناع شيخ الأزهر بالمشاركة في تأسيس هذا المجلس ورئاسته، علما بأنه لا يضم وجوها سلفية أو إخوانية، ويعلن بأنه “هيئة عالمية مستقلة” تهدف إلى “نشر التسامح ونبذ التطرف والتكفير”، وهي عناوين لا تروق لآل سعود وآل ثاني لأسباب كشف عنها موقفهم من مؤتمر الشيشان.

إذا كان الأمر كذلك، فهل أن “الأغراض التكتيكية” لآل خليفة تكفي لاستضافة اجتماع المجلس ورئيسه “المغضوب عليه” في الدوحة والرياض؟ المؤكد بأن الموافقة السعودية بهذه الاستضافة أخذت بعين الاعتبار مصالحها “الإستراتيجية” أيضا، فالسعودية تتعلم سريعا من أخطائها السابقة، وباتت تُدرك أن هناك حاجة لإمساك أكثر من عصا، وليس فقط إمساك عصا واحدة من المنتصف. وإذا كانت التركيبة “المتشددة” في السعودية لا تحتمل استقبال “مرجعية أهل السنة والجماعة” على أراضيها؛ فإن الحكام السعوديين يجدون “الحاجة قائمة لإبقاء هذه المرجعية في مدارهم، أي في البحرين”، لاسيما وأن هذه البقعة تظل واحدة من “أكثر البقاع التي تتوجه بسببها الاتهامات إلى السعوديين بارتكاب العنف الطائفي والتعاون في إبادة سكان أصليين بسبب انتمائهم المذهبي وخيارهم الوطني”، كما يشرح أحد المعارضين البحرانيين الذي ينتهي إلى القول بأنه “ليس علينا التوقف كثيرا أمام هذه الزيارة، لأنها محطة عابرة في سياق صراع المشيخيات في المنطقة، كما أنها تعبر عن شكل متكرر من ارتهان المؤسسات الدينية للأمراء والملوك”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى